رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا يعرقل أبو الشرف البناء في لادونيا؟

رأيت وأنا بين النوم واليقظة أنني في لادونيا، وهي دولة أنشئت عام ١٩٩٦، وفي هذه الدولة مؤسسة إدارية أحبها، وأحب المحترمين العاملين بها، واعتبر نفسي من المخلصين لها، ولدورها الرائد في نهضة لادونيا الحبيبة، وتعاقب على قيادة هذه المؤسسة اشخاصٌ أتفق أو أختلف معهم، كليًا حينًا، وجزئيًا احيانًا، ولكن أحد أسباب الاختلاف التي لا تتغير، هو ذلك الكائن الذي اسميه عادةً كرمز للفساد أبو الشرف، وهو ظاهرة وليس اسمًا، يعرفه كل مشغول بمكافحة الفساد. 


وقد أصاب الملل بعض المقربين مني في لادونيا، إذ أنني أحارب هذا الكائن الهلامي أبو الشرف منذ عشر سنوات، وهو كما هو، قد يختفي، ولكن سرعان ما يعود، وحذروني من أنيابه الغادرة، فهو على استعداد لارتكاب أبشع الجرائم للحفاظ على ملايين الاورتوغ -عملة دولة لادونيا- التي جناها من الصفقات المشبوهة، وقال لي أحد المحترمين في المؤسسة: إن لم تخف على نفسك، فلتخف على أبنائك، خاصةً وأن المشهد يدل على أن هذا الكائن يعرف طريقه جيدًا لأنه سرطان فساد يتغلغل في جسد المؤسسة العريقة.

دولة لادونيا المحبوبة
وأنا على ثقة من حب الناصحين، وأقدر ملل المقربين، لكني مُقبلٌ على الله بقدر قليل من الصلاة والصوم والعبادات، وليس لي ما أتقرب به إليه إلا ما يُسطره مداد قلمي، فقررت أن تبقى المعركة مع كل ابو الشرف في هذه المؤسسة أو في دولة لادونيا المحبوبة، ولا يخفي أن السعي في  رضا الله هو أحد وسائل تأمين حياة الأبناء.

وفي الآونة الأخيرة، أقسم لي أحد المقربين أن أبو الشرف سيعرقل افتتاح البناء الجديد، الذي بدأ العمل به منذ سنوات، وهو يعرض على كل قيادة دعم المبنى ليفتتحه أو تفتتحه، ولكن حقيبة أعذار أبو الشرف لا تخلو ابدًا، فهو يتمسك ببقاء الأعمال مفتوحة ومتشعبة حتى تضطر كل قيادة جديدة للإبقاء عليه لفترة، وإن كرهته، ثم يبدأ الخبيث في الالتفاف حول القيادة، ويبث سمومه هو وأعوان السوء حتى تنعزل القيادة عن القاعدة. 

وتتجدد الأحداث في الاطروحة، فقد رأيت أبو الشرف يعرض على قيادة أنها ستفتتح بناء عظيم في مدينة ساحلية، ثم يكتفي بوضع حجر الأساس، وحكى لي أحد أبناء المؤسسة أن أبو الشرف كان يضحك ويتباهى بأن القيادة الحالية لن تفتتح البناء الجديد، ولم يصدقني أحد، واليوم.. أتحدى الكافة.

القيادة الجديدة "وش الخير"
وذهبتُ إلى المؤسسة الإدارية لاكتشف أن هناك مكافأة تُصرف لابنائها سنويًا، وأرجأ أبو الشرف صرفها حتى تأتي القيادة الجديدة ليتحدث الجميع بأن القيادة الجديدة "وش الخير"، نعم.. هكذا يقولونها في لادونيا، ولم ينس الخبيث صرف الفُتات حتى لا تغضب القيادة الحالية، وتساءلت كثيرًا كيف استطاع الالتفاف على شيوخ المؤسسة، في لادونيا رغم كونهم حكماء؟ 

وتعددت الاسئلة، فكيف يقبل أبو الشرف ان تُهينه إحدى القيادات لتطالبه بالكف عن استنزاف وفرض الإتاوات على الموردين، نعم.. هناك إتاوات في لادونيا، ورغم ذلك يصمت ولا يتكلم، وتساءلت عن القرارات الخاصة بتشكيل لجان فحص المخالفات التي تحتاج الى خبراء من خارج المؤسسة، وبمؤهلات وخبرات متخصصة، ألم يكن الأولى إستبعاد أبو الشرف من موقعه لوجود شبهة؟، ألم يعرفوا في لادونيا ما نعرفه نحن في مصر من الوقف عن العمل لمصلحة التحقيقات؟، وأن نقل أبو الشرف وليس وقفه عن العمل هو في حد ذاته وسيلة لكشف المخالفات والعثور على المستندات؟

في مركب واحدة
وتعجبت من عدم فطنة القيادات الى اعتياد أبو الشرف إرسال شكاوى عديدة مجهولة ضد نفسه لقيادته المباشرة والعليا، مع تضمينها وقائع سبق أن تمكن من تبرئة نفسه منها، لتشتيت ذهن القيادات، وتشكيكهم في صحة الشكاوى الحقيقية والاستهانة بها، كما أنه يضمن الشكاوى أسماء بعض أعوانه ليجعلهم معه في مركب واحدة، ويضمن ولاءهم، وليدركوا أن مصيرهم واحد، بينما يستعد للتخلص من بعضهم ليجدد دماء شبكته القذرة

وقلت بيني وبين نفسي: لا بد أن أبو الشرف لديه وسائل ضغط، فعلامة الصلاة وحدها لا تكفي لخداع القيادة، نعم.. نعم.. هناك في دولة لادونيا لدى البعض علامة الصلاة، وكذلك إدعاء إصابة الساق، ووضع جبيرة في الذراع لا يُضعف قلب القيادة الى هذه الدرجة، وأعوان السوء معروفون من قديم الازل، ويمكن كشفهم

اذن.. لا بد أن الخبيث يبحث في كشوف الاقدميات عن المرشحين لرئاسة المؤسسة، وينسج شباكه حول المقربين منهم ليعرف أفكارهم واهتماماتهم، وسرعان ما يضع خطة الهجوم، وذلك قبل فترة الريبة، تارة بالتهنئة في الأعياد، وتارة برسائل يوم الجمعة، نعم.. يوم الجمعة له رسائل صباحية في لادونيا، وهكذا تسير الامور قبل اختيار القيادة بعدة أشهر على الأقل، وتتكون الصورة الذهنية لدى القيادة فلا تتغير

حرائق القرود
وما إن تُشرف القيادة على تقلد المنصب حتى تنهمر العروض السخية، التي هي في حقيقتها حق قانوني للقيادة، ولكن الخبيث يُصوِرها على أنه مكتشف تلك الحقوق وحاميها، وتشتعل حرائق القرود التي تبث الفوضى، ويظهر المخبرون لتشويه سمعة المحترمين، وهكذا تتفاقم الأزمات الوهمية، وتنشغل القيادة، ويمر الوقت، وتأتي القيادة الجديدة، و يبقى هذا السرطان في مكانه. 

أفقت من تلك الغفوة، وحمدت الله أنني في مصر، وأن الدستور والقانون ينظمان الحقوق والواجبات، وآليات مكافحة الفساد، وعلمت أن لادونيا دولة صغيرة ناشئة غير معترف بها، يمكن ان يسيطر الفساد على أحد مؤسساتها الادارية بسهولة، وتقع القيادات ضحية لهذا الفساد، وكان ذلك هو الخيال المتجدد، فهو الماضي والحاضر، ونحارب كي لا يكون المستقبل.. وللحديث بقية
الجريدة الرسمية