رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا قناة السويس؟!

قناة السويس تحتل مكانة غير تقليدية فى تاريخ العالم عامة وفى تاريخ مصر خاصة، وهذا ليس لأهميتها بالنسبة للعالم فى الحركة التجارية والملاحية فقط، ولكنها تقع فى وسط العالم وهذا يعطيها أهمية سياسية لكافة دول العالم، ومصريا ارتبطت بأحداث جسام فى تاريخنا الوطنى، إذا تحدثنا عن قناة السويس كمعبر مائى يربط البحرين المتوسط والأحمر..


هناك من يقول إنها فكرة منذ القدماء المصريين الأوائل وكانت هناك محاولات عديدة، كانت الأبرز قبل التنفيذ الذى بدأ فى عهد الخديوى سعيد، كانت هناك محاولة أثناء الحملة الفرنسية عندما اصطحب نابليون بعثة أطلق عليها البعثة العلمية والحقيقة إنهم كانوا عددا من المهندسين جاءوا لأهداف غير معلنة..

مشروع القناة الصليبي

وكتب المهندس ليبير والذين رافقوه: "كان الغرض من هذه البعثة هى تصميم وتخطيط مشروع القناة التى كانت حلم الصليبيين الأوائل"، وكما يسجل التاريخ أن الهدف الرئيسى للحملة الفرنسية على مصر هو السيطرة على طريق الهند وانتزاعه من إنجلترا، وذلك عن طريق مشروع القناة الصليبى –كما أطلق عليه وقتها– ومن أجل هذا المشروع بالذات عين نابليون بونابرت ماتيو دى ليسبس -والد فرديناند ديليسبس– بعد جلاء الفرنسيين عن مصر ليمهد لعودة احتلال فرنسا لمصر وعينه قنصل عام..

والذى لعب دورا مهما وخطيرا فى التاريخ المصرى، فهو الذى تبنى ورعى الضابط الألبانى محمد على، ودفعت فرنسا الكثير من الأموال حتى يوافق الباب العالى فى القسطنطينية ليكون واليا على مصر.

وبناء على هذا أثناء حكم محمد على وتأكيدا على علاقته الوطيدة مع فرنسا من قبل أن يتولى حكم مصر، وافق على استقبال بعثة فرنسية برئاسة القس انفانتان سميت بجماعة سان سيمونيان من أجل مشروع القناة، ولكن وقع المهندسون الفرنسيون فى خطأ هندسى جسيم..

حيث خيل إليهم إن هناك اختلافا فى مستوى البحرين الأبيض والأحمر، وفى حالة تنفيذ المشروع فإن الدلتا ستغرق من خلال مياه البرزخ –قناة السويس- ولهذا السبب لم ينفذ المشروع، وان كانت هناك أصوات ترى أن محمد على عندما وافق على استقبال البعثة الفرنسية حتى لا يغضب الفرنسيين منه، إلا إنه لم يكن يريد تنفيذ المشروع، لانه سيجعل مصر دائما فى بؤرة اهتمام العالم بل ومطمع للغزو من الدول الغربية.

من هنا نجد أن قناة السويس ليست مجرد معبر مائى ولكن أهميته أكير بكثير، والسؤال: ما علاقة هذا المشروع المهم بالفقراء؟ إذا كانت الحوارات والمباحثات والوفود تأتى وتعود ولا أحد يضع الفقراء فى حسبان أحد، فلم نقرأ فى كتاب أو مذكرة أو حتى أى أحاديث للمسئولين عندما فكروا فى تنفيذ هذا المشروع فى الفقراء وأن هذا المشروع سيكون نقلة نوعية للفقراء وسيترفع دخولهم و... و...الخ..

وبالرغم من هذا فإن البرزخ كما كانوا يطلقون عليه لم يحفره سوى الفقراء، ولم تسال دماء إلا الفقراء، ولم يدفن فيه إلا عشرات الآلاف من الفقراء وصلوا عددهم إلى 120 ألف شاب من فقراء مصر منهم اطفال أعمارهم لا تتجاوز 12 سنة، ولهذا لابد من العودة إلى هؤلاء الفقراء لنروى كيف حفر الفقراء هذا المشروع الجبار؟ كيف كانوا يعيشون فى أسوأ ظروف يمكن أن يتعرض لها الإنسان؟

كيف واجهوا الموت عطشا فى الوقت الذى كان الحاكم وكبار القوم ينعمون فى حياتهم المرفهة؟ كيف واجهوا العمل بنظام السخرة؟ كيف كانوا يربطون كالحيوانات ويساقون للعمل فى البرزخ؟ كيف واجهوا الأوبئة التى كانت تحصد أرواحهم بالجملة ولا يجدون مكانا لدفن موتاهم سوى الصحراء وكأنهم حيوانات ضالة نفقت فى الصحراء؟

منذ فجر التاريخ فكر أجدادنا قدامى المصريين فى حفر هذه القناة، وبعد ثورة 23 يوليو  1952 كان لابد من استعادة القناة التى حفرها الفقراء بدمائهم حتى يستفيد منها الفقراء بعد أكثر من 75 عاما لم تستفد مصر منها بشىء، ومن تأميم القناة 56 إلى الإضافة الجديدة –قناة السويس الجديدة التى جعلت الحركة فى القناة مزدوجة مما خلق حركة أكثر سرعة وتوفيرا لوقت وزيادة لدخل القناة  2016، وما بين التاريخين من عدوان ثلاثى بسبب تأميم قناة السويس، إلى إعادة افتتاحها فى 1975، وحتى نعرف علاقة الفقراء بقناة السويس لابد من العودة قليلا الى الوراء، ولاننا جميعا ندرك أن قناة السويس جزء مهم من تاريخنا الوطنى، لهذا سيكون لها فصلا خاصا عنها.

من الملاحظ إن تاريخ قناة السويس كتب من زاوية واحدة فقط، وهى وجهة النظر الاوروبية، بل إن المؤرخين كتبوا عنها وكأنها جزء من التاريخ الأوروبى، واعتبرت إنها أحد محاور الصراع السياسى بين القوتين إنجلترا وفرنسا فى القرن التاسع عشر، وتجاهلوا تماما مصر بالرغم إنها أصل القضية وأصل الصراع الذى زعموا أن قناة السويس هى السبب فيه، والأهم هنا إغفالهم التام التضحيات المصرية الجسيمة المتعددة الألوان والأشكال التى فرضت على الشعب المصرى لإنشاء هذه القناة والتى بدونها ما أصبحت القناة بفضل هذه التضحيات حقيقة ماثلة وأحد أبرز عناصر ازدهار الحضارة فى اوروبا، بل والكثير من أرجاء العالم. وللحديث بقية..
الجريدة الرسمية