ثوار وعسكر وإخوان
اليوم فقط تذكَّرت المشير محمد حسين طنطاوى فى خطابه العام الماضى تعليقًا على أحداث مجلس الوزراء المخزية التى كان الفاعل الرئيسى فيها أفراد الجيش المصرى. كان الرجل يتحدَّث بأسى ومرارة حقيقية عن تحمل القوات المسلحة ما لا طاقة لبشر به، ومع ذلك لن تتخلى عن دورها فى تحمل مسئولية إدارة البلاد خلال الفترة الانتقالية. يومها كانت ردة فعلى داخل محل جروبى بوسط البلد ضحكة عالية، صوتها بح من كثرة الهتاف يسقط يسقط حكم العسكر، وعلقت ساخرة "هو لا سمح الله احنا خضنا فى عرض القوات المسلحة". المسألة بسيطة من وجهة نظرى كمواطنة، نحن نرفض الحكم العسكرى الذى فرض علينا منذ يوليو 1952، والذى تلوَّثت يداه بدماء المصريين فى أحداث كثيرة، ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، والذى ينسب إليه سوء الإدارة والتخاذل فى تقديم المدانين إلى محاكمات حقيقية.
تذكَّرت هذا المشهد ومشاهد أخرى متفرقة بعدما تابعت صور المتظاهرين فى مدن القناة جنبًا إلى جنب مع ضباط وعساكر القوات المسلحة، وهى تتطابق مع صور المصريين قبل عامين إلى جوار الدبابات والجنود فى شوارع القاهرة وميدان التحرير.
هنا قفز السؤال إجباريًّا إلى ذهنى: هل كان ذلك مقصودًا؟ هل كان المقصود هو تعقيد الوضع المصرى للحد الذى يدفع الشارع للمطالبة بعودة العسكر مرة أخرى؟!
فى أعقاب الثور مباشرة كان الهتاف يرجّ التحرير، مجلس رئاسى مدنى، وهو المطلب الذى تجاهله المجلس العسكرى بعمدية واضحة، لذا تم طرح فكرة التعديلات الدستورية التى كان شباب الثوار يرفضونها بقطعية، وأيَّدها الإخوان وشبابهم بقوة، وهكذا جاءت لجنة التعديلات إخوانية بامتياز، وصنعت دستورًا مؤقتًا يسمح للإخوان والإسلام السياسى بالسيطرة على الدولة حتى الانتخابات الرئاسية. وهكذا تم تسليم الدولة المصرية على مرحلتَين للإخوان المسلمين، الأولى بعد السماح لهم بالسيطرة على مجلس الشعب، والثانية بعد انتخاب محمد مرسى رئيسًا للجمهورية. وفى كلا المرحلتَين كان دور العسكر يأتى من خلف المشهد وليس فى الصدارة. حتى فى أعقاب الإعلان الدستورى الذى أعلنه المجلس العسكرى قبل الإعلان عن نتيجة الانتخابات، والذى بدا وكأنه محاولة لتقويد سلطات الرئيس. لكن أغلب الظن أنه كان تذكيرًا بضرورة إتمام الصفقة التى يعتبر عدم المساس بالجيش وميزانيته أهم بنودها. كل هذا والهتاف يرج الشارع فى مصر، يسقط يسقط حكم العسكر.
اليوم، صار الهتاف أيضًا يرج الشارع، يسقط يسقط حكم الإخوان، والجيش يدّعى الحيادية بصوره مع المتظاهرين فى الشارع، ضاربًا عرض الحائط بأمر استراتيجى من قائده الأعلى "رئيس الجمهورية"، فى نفس الوقت الذى توضع فيه الداخلية فى مواجهة الشعب من جديد، وكأننا نعود إلى المربع صفر، فننتظر أن ينزل الجيش إلى كل شوارع مصر كى نلتقط الصور التذكارية مع الدبابات ونهتف من جديد الجيش والشعب إيد واحدة، ونرحب بالجيش المصرى الوطنى الذى سيتحمل دوره فى حماية الوطن. السؤال هنا: هل يمكن أن يقبل التنظيم الدولى للإخوان بذلك؟ وهل ستسمح أمريكا به؟ والأهم: هل يقبل جيل "كريستى" و"جيكا" بهذا الاختيار؟ أم سنظل نحمل نعوش أنبل مَن فينا فرادى للقبور؟
