الثورة العلمانية.. ممكن ؟
لا أدرى سببا واضحا فى العناد غير المبرر من قبل قطاع عريض من الشباب والقوى السياسية التى ترفع شعارا مستهلكا.
"الثورة مستمرة"، وهل نجد غضاضة فى الاعتراف بفشل الثورة والبدء بهدف واضح ومحدد يحمل توجها حقيقيا للتغيير، هل هذا العناد سببه جهل أم كبر .
نريد ثورة تقتلع الجهل والتخلف والفساد والطائفية والعنصرية من جذورها، إن ثورة تسقط نظاما لا يمكن أن تحقق التغيير المنشود ولا فارقا فى المشهد، إذا كنا بالفعل نرغب فى دفعة قوية تنقلنا حضاريا للأمام، يجب أن تكون ثورتنا لتغيير المجتمع وليس قصرها على ثورة تسقط نظاما .
فبعد سنتين من ثورة يناير لم نجد شيئا إلى الآن من التغيير الذى كنا نحلم به، وخصوصا فيما يتعلق بالحرية والمساواة، يجب أن نقف هنا موقفا جادا وسؤالا مع النفس، هل بالفعل ما كنا نعيشه يوميا فى مصر نتاج فساد للنظام، أم أن هناك فسادا مجتمعيا وخللا فى منظومة السلوكيات والعقل المصرى؟
لن أدخل فى تفاصيل أحداث يعلمها الجميع وسأحاول جاهدا أن أتحدث من منظور عام يتيح لنا رؤية أعمق وأفضل وأشمل فى تحليل ما يجرى، كيف لنا أن نفسر تلك الازدواجية عندما يكون مطلب الثورة حرية، ونجد أن الغالبية تطالب بتطبيق قانون عمره 1400 سنة؟
هل نملك الشجاعة لأن نقول بوضوح.. وبوضح تام إنه لا حرية مع تطبيق قوانين دينية تستمد سلطة مطلقة لا تقبل الرفض أو التأويل أو المراجعة!
حسنا.. كاتب تلك السطور يدعى أنه يملك القليل منها ليقول إنه لا يمكن أن تطبق الشريعة الإسلامية.. بل علينا برفضها رفضا قاطعا، أى تقدم وأى حرية تلك نجدها عندما نجد انتهاكا لسلامة جسد الإنسان سواء بالتقطيع أو بالجلد أو بالرجم.
أى حرية تلك تتحقق عندما تقحم الدولة أنفها فى أفكار وسلوكيات والحريات الشخصية للمواطن، أى حرية تلك نصل لها إذا ما تمادت الدولة فى التدخل فى حرية الاعتقاد، عليكم أن تكونوا متسقين مع أنفسكم، فإما أن تتنازلوا عن الحرية ولا تطلبوها وهنا نجد أن مطالبتكم بتطبيق قانون مستمد من نص دينى أمر منطقى حتى إن رفضناه، وإما أن نسعى وراء الحرية ونعلم أنه لا يمكن ولا ينبغى لنا أن نضع قانونا يرسخ للدولة أو نظام دينى، وإذا تحدثنا عن المساواة لطالما حلمنا بها تسود فى مجتمعنا.. لطالما نادينا بها وإذا بنا نلهث خلف تطبيق واضح للشريعة !
أى مساواة تلك إذا لم تُعل قيمة المواطنة فوق أى تمييز دينى، أى مساواه تلك إذا ما تعاملت المرأة فى المجتمع على أنها نصف الرجل وأنها ناقصة عقل ودين، أى مساواة تلك إذا ما تم حظر ترشح الأقباط للوظائف العليا فى الدولة وتحديدا رئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع.. والبعض تمادى لما هو أكثر من ذلك عندما أشار لعدم جواز ترشحهم فى مجلس الشعب ... والإشارة هنا لعبدالمنعم الشحات!
أى مساواة تلك التى نتحدث عنها عندما يتم إقصاء البهائيين والشيعة المصريين وعدم اعتراف الدولة بهم، إنه الفساد المجتمعى يا سادة، والفساد المجتمعى هو ما ينتج ويختار نظاما فاسدا، والفساد ليس قصرا على الاختلاس أو تبديد الأموال أو استغلال النفوذ.
الفساد الأسوأ هو الفساد العقلى.. فساد الوجدان.
لا أريد أن أتعامل مع العلمانية على أنها الملاذ وأن فيها الحل لكل مشاكلنا وأن ما إن نطبق نظاما علمانيا سنصل لدولة الرفاهية.
لا أريد أن أسقط فى مستنقع الدوجماطيقية وأتعامل مع العلمانية على أنها الحل السحرى لحوادث القطار والعشوائيات والفقر والمرض والتلوث، ولكننى سأكون واقعيا إذا ما صيغت قيمة الدولة العلمانية على حقيقتها، أرى أنه لا يمكن أن ننهض أو نقوى أو أن نلحق بركب العالم المتحضر والمتقدم دون أن نكون دولة علمانية ومجتمع علمانى، يقبل التعايش والتعدد وينشد الحرية علينا أن نعى أن العلمانية هى البداية والحد الأدنى لنا للانطلاق نحو تغيير حقيقى وشامل، وبالعودة للفساد العقلى والذى منه تتفرع كل أذرع الفساد، الفساد السياسى والإدارى والأخلاقى والاقتصادى.
نؤكد أنه لا يخفى علينا أن إذا ما تحرر العقل من سلطان رجال الدولة ورجال الدين، سيستطيع أن يتعامل مع مشكلاته اليومية .. العامة منها والخاصة بفاعلية أكثر وأريحية أكبر .. والأهم أنه لن يستنزف الكثير من وقته بالاعتماد على دجال يشرع له حل المشكلة أو سلطوى يقهر إراداته وقدرته على الابتكار والإبداع .
بعد سنتين من العبث ومن التضارب ومن التخبط علينا أن نقر أننا فشلنا، وأن الثورة لم تحقق التغيير.. بل على العكس تغيرنا بشكل سلبى وعدنا للخلف، الطريق ضللناه ومازال إلى اليوم من يتحدث عن مبارك وعن شفيق والفلول والعسكر!! ولا يرى المشهد بعمق وبنظرة للأمام مازالوا يتخبطون ولا يعلمون ماذا يريدون، يا سادة علينا أن ننسف كل هذا العبث ولنحدد هدفنا بوضوح وبدقة الهدف الذى من خلاله نضع أقدامنا على أول طريق التغيير، أول طريق التقدم، ثورة لتغيير المجتمع لينتج ويختار لنا نظاما ينهض بنا، ثورة على النفس، ثورة من أجل علمنة المجتمع فيصل بنا إلى علمنة الدولة.. لماذا لا يكون هدفنا الثورة العلمانية !
