رئيس التحرير
عصام كامل

الجرافيتي أنطق الجدران بلسان 25 يناير و30 يونيو... رسوم هتفت مع الثوار ضد مبارك والإخوان.. الحكومة تهاجم الجرافيتي كرها لرسائل تفضح خطايا الدولة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كانت الجدران منذ قديم الأزل هي لوحة التعبير عما يدور بخلد الكاتب وصفحات لتوثيق الأحداث المهمة... وبتطور الزمان أصبحنا نعيش حاليا نفس المرحلة لكن مع اختلاف وظيفة الجارد الذي أصبح وسيلة للأخبار ليس عن طريق الكتابة أو النقش وإنما عن طريق فن الجرافيتي.


والجرافيتي هو فن يعبر عن لغة الإنسان في حالة صمته وتعود تلك النوعية من الرسوم إلى عهد الفراعنة القدماء منذ عهد الحضارة الفرعونية والإغريقية والرومانية، وتطورت عبر الزمن وبرزت ملامحه الفنية في الستينات من القرن الماضى في نيويورك بإلهام من موسيقى الهيب هوب، ويستخدم الجرافيتى لإيصال رسائل سياسية واجتماعية وكشكل من أشكال الدعاية، واشتهر بأنه فن الثورة الذي تألق وشارك الشعب في أيام غضبه، فكان أكثر تأثيرا من الأغانى والأشعار، ونظرا لما تحمله هذه الرسومات من انتقادات ساخرة، ظهرت أغلب رسوم فناني الجرافيتي بأسماء مستعارة خوفا من الملاحقة الأمنية، ومن أشهر رسامى الجرافيتى في ثورة 25 يناير "جنزير" و"ملكة جمال الأزاريطة" و"كتائب الموناليزا" و"هيما" و"زفتاوى" و"التنين".

الكثير من رسامي الجرافيتي يرفضون التصوير أو حتى الحديث للإعلام، وبعضهم يخشى مطاردة الشرطة، إذ يتعرضون لاتهامات عديدة منها التخريب والتحريض على التظاهر، وأحيانا يتضمن إهانة بعض الشخصيات، لكن مع ذلك، أسهمت تلك الرسومات في تسجيل أحداث الثورة، كما قاد رسامو الجرافيتى حملات عديدة منها حملة «مافيش جدران» والتي عبروا من خلالها عن رفضهم للجدران الأسمنتية في الشوارع المؤدية لوزارة الداخلية، ورسم الفنانون على الجدران رسوما عديدة، وحملات أخرى مثل "امسح واحنا نرسم تانى" و"أسبوع الجرافيتى العنيف".

وعاد الجرافيتي مرة أخرى مع تظاهرات 30 يونيو 2013، وحتى اليوم يجده المارة بالميادين وعلى الجدران بشوارع مصر، عشرات اللوحات التعبيرية التي رسمها فنانون وهواة على الجدران تجسيدا لروح ومبادئ الثورة المصرية البيضاء، وأخرى كاريكاتيرية تعبر عما يواجه الثورة من مؤامرات تحاك ضدها، وما يقابلها من تحديات تستلزم مزيدا من الهمة والصبر.

برز الجرافيتي في تاريخ مصر الحديث بشكل واضح في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات أثناء ثورة 1977 والتي أطلق عليها السادات انتفاضة الحرامية عندما استخدم المتظاهرون الأقمشة والأحبار في نقش رسائلهم المحرضة على الثورة على جدران مبانى وسط القاهرة وميدان التحرير، أيضا بعد حرب أكتوبر انتشرت بعض الرسومات المناهضة لإسرائيل، كما أن هناك جرافيتي من نوع خاص يزين به المصريون منازلهم بعد عودتهم من الحج.

ومن أشهر رسوم الجرافيتي بالعالم في العاصمة البريطانية لندن نجد رسومات "بانكسى" الرسام الإنجليزى صاحب أشهر جرافيتى في العالم الموجود على سور الفصل العنصرى الذي شيدته إسرائيل، وكذلك رسمته الموجودة في مدينة القدس التي تجسد فتاة صغيرة تفتش ذاتيا جنديا مُسلحا يرتدى زى الاحتلال الإسرائيلى.

والجرافيتي في بريطانيا وسيلة لفنان ينتقد كل شىء، بداية من المجتمع وحتى الملكة إليزابيث الثانية التي تحكم البلاد، ولا أحد يعرف صورة هذا الفنان إلا القليل، لأنه يحرص على عدم الظهور في وسائل الإعلام.

وفي عام 2007 عندما زاد إنتاج بانكسى على جدران مبانى لندن بدأت هيئة النقل البريطانية بمسح أعماله بحجة أنها تؤذى المارة وتشوه المنظر العام للمدينة وتحرض على الجريمة، ظل عمال الإزالة يلاحقون جرافيتى بانكسى من شارع إلى آخر حتى توقفت أعمال الإزالة وحصل بانكسى على دعم معنوى من زملائه الفنانين، وواصل الرسم بأفكار مختلفة وأصبحت رسوماته مزارا سياحيا مثل ساعة «بيج بين» ومتحف «مدام تسو».

وتعد البرازيل من أشهر البلاد التي ساهمت في نشر فن الجرافيتى حول العالم، ويستخدمون التراث البرازيلى وتاريخهم في أعمالهم الفنية، مثلما يحرص دائما المصريون على إظهار عظمة الحضارة المصرية القديمة برسومات فرعونية صريحة على الجدران.

وفي مصر عقب ثورة 25 يناير استغل بعض المتظاهرين بقايا رماد إحدى المدرعات المحروقة واستعملوه في كتابة رسالة على إحدى جدران ميدان التحرير ينتقدون فيها بعنف حُكم الرئيس الأسبق مبارك وشراكة ابنه في السلطة، ولم يكن هذا الجرافيتى يأخذ طابعًا فنيا قدر ما كان تفريغا لشحنة غضب عارمة.

وتعد الحكومة المصرية من أكثر الحكومات التي تهاجم رسومات الجرافيتي نظرا لأنها تكره الرسائل القصيرة التي تفضح خطايا الدولة ومشكلات المجتمع، أيضا ورثت حكومة الإخوان مخلفات مبارك وطنطاوى في معظم الأشياء، أرادت أيضًا ألا تتخلى عن مهمة مسح رسومات الشوارع، خاصة شارع محمد محمود، ربما شعروا أن هذا الشارع شاهد عيان على تجاهل الإخوان للثوار في أكثر من معركة كان أهمها أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، وظن الإخوان أن فنانى الجرافيتى سيستسلمون لهذه الحماقة، لكن حماس الرسامين ازداد بعد هذه الواقعة وأعادوا رسم ما كان على الجدران بشكل مختلف وضموا صورا وانتقادات للجماعة المحظورة، وضعوا صورة مُرشدها بجانب صورة طنطاوى ومبارك وعبارة "اللى كلف ما ماتش".

ومن أبرز رسوم الجرافيتي بعد ثورة يناير صورة سعد الدين الشاذلى قائد أركان حرب أكتوبر، أحد أهم أبطال النصر الذي تعرض لاضطهاد دام لأكثر من 35 عامًا بداية من حُكم السادات وحتى يوم تنحى مبارك ووفاته، هناك أيضا إحدى اللوحات صورت وجها من نصفين، الأول للرئيس المعزول محمد مرسي والآخر للرئيس المخلوع “حسني مبارك” للإشارة إلى استمرار نفس أسلوب الحكم والإدارة، ولوحة أخرى نفذتها مجموعة تسمى رابطة فناني الثورة تصور مقطعا لوجه بائس للرئيس مرسي، يخرج بين جدار حبيس، وبجواره لوحة للشهيد محمد كريستي، وجرافيتي آخر للشهيدين إسلام وجيكا وتحته عبارة إنهم يقتلون المستقبل.

الجرافيتي فن يتطلب مجموعة من الأدوات عبارة عن بخاخ البوية في المرسوم وأيضا تستطيع استخدامه للتوقيع، بالإضافة إلى أن قلم البوية يستخدم للتواقيع ولكنك لا تستطيع استخدامه للمرسوم، هذا إلى جانب أغطية خاصة للتحكم في مساحة الرش وشكل البقعة للبخاخ وتباع على حدة، وتسمى بالقبعة، هذا بالإضافة إلى أدوات الجرافيتي المرسوم التي تتكون من قلم البوية المعروفPaint Marker، وأقلام البوية المصنوعة مخصصة للجرافيتي وتأتي بمقاسات مختلفة Graffiti Marker وعلب معبأة ببوية وذي منفذ إسفنجي مقوى وتكون مصنوعة ومخصصة Graffiti Mop.
الجريدة الرسمية