رئيس التحرير
عصام كامل

ساعة العصارى


أتذكر أمى أمد الله بعمرها، عندما كنت صغيرة وكانت هى فى شبابها تعمل العديد من الأعمال التى أعجز أنا الآن عن عمل أبسطها، فقد كانت تعمل وفى طريق عودتها للمنزل كانت تشترى جميع لوازم البيت ثم تقوم بالطبخ والتنظيف مع مراعاتها الفائقة لى ولأخى فى دارستنا، وبعد كل هذا يبقى الوقت الذى تجلس فيه مع العائلة ساعة العصارى، نحتسى الشاى مع البسكويت ونتكلم ونضحك ونستمتع بالجو الأسرى الرائع، مع العلم أنها لم تكن تشتكى قط من تعب أو ملل بعد عناء هذا اليوم الطويل.

أما هذه الأيام فلدينا من وسائل الراحة ما لم تحلم به أمهاتنا، فأصبح كل شىء فى متناول أيدينا بل كما يقول أصدقائى اللبنانيين كل شىء أصبح بكبسة زر، نعم فنطلب كل المستلزمات المنزلية بالتليفون وتأتى من تقوم بالمهام المنزلية عنّا بل وتساعدنا فى الطبخ أيضا، ولدينا كل الأجهزة الحديثة فى المنزل والتى لو تعطل منها شىء تعطلت معها الحياة بأكملها.. وياله من يوم حزين لو لم تأت الخادمة، لا سمح الله!
ولو كانت الأم تعمل أولا فأولادها هم شاغلها الشاغل على مر الأزمان، ويأخذون من وقتها الكثير ومع كل هذا ومع كل وسائل الرفاهية لابد أن هناك وقتاً كبيراً للعائلة، ومن المؤكد أن الروابط الأسرية أصبحت أقوى وأعمق ولكن ما حدث هو العكس تماما! سؤالى الآن: هل عندما تكون الحياة أسهل تكون أجمل؟
ماذا حدث لنا؟ أين ذهبت العائلة؟ لماذا لا نجلس سويا كما كنا نفعل من قبل؟ لماذا هذا الفتور الأسرى؟ هناك عدة عوامل أدت إلى هذا التدهور فى العلاقات الأسرية ووصل الجفاء إلى الأسرة الواحدة بين الأبناء والآباء.
فقد زادت الفجوة بين أفراد الأسرة الواحدة فنجد أن كلاً منهم مشغول بدراسته أو عمله. أنا أرى أن كل الأفراد يعيشون تحت سقف واحد لكن كل فى عالمه الخاص به. فالأب مشغول ليل نهار فى عمله يلهث ليوفر احتياجات أسرته التى لا تنتهى. والأم تعمل أو لا تعمل فهى متعبة مرهقة فى تربية أبنائها، مع ملاحظة أن هذا الجيل من الأبناء ليس من السهل أبدا التعامل معه. ولكننى فى الحقيقة أشفق على أبنائنا من التوغل التكنولوجى السريع والمرعب فهم يتواصلون عبر عالم إلكترونى يخلو من المشاعر. فمواقع التواصل الاجتماعى هى بوابتهم الوحيدة للتواصل مع العالم الخارجى. فيكفى أن نرسل رسالة للتهنئة بالعيد وكلمتين للمواساة فى المواقف المؤثرة. ولو حدثت المعجزة وتجمعت الأسرة فسوف تجد أن الجميع لا يراعون أصول الإتيكيت فى اللقاءات الاجتماعية، فمنهم من يتلقى المكالمات ويتحدث باسترسال وسط الجميع ومنهم من ينشغل بتصفح الإنترنت للتواصل مع العالم الزجاجى مع أصدقائه وينتهى اللقاء بلا أى فائدة والاسم فقط "التواجد"!
الحل هو أنك أنت من تستطيع تنظيم حياتك ليكون دائما هناك وقت للعائلة، أعرف أن إيقاع الحياة السريع يجعل الأمر صعبا ولكنه ليس مستحيلا وتذكر دائما:" إذا كان هناك إرادة فهناك وسيلة "اجعل هذه الوسيلة هى التواصل الفعلى مع كل أفراد أسرتك الكبير منها قبل الصغير، فالحياة أقصر مما نتصور ويوما ما سيرحل بعض الأشخاص من حولنا وعندها سوف تندم أنك لم تخصص لهم بعضا من وقتك ويكون قد فاتك الكثير. اغلق الآن شاشة الكمبيوتر واتصل ببعض أفراد أسرتك الذين لم ترهم منذ فترة ورتب لأقرب لقاء واستمتع معهم بأحلى الأوقات والذكريات وربما تعود ثانية "ساعة العصارى" التى ذابت مع هذا الزمن المجنون.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يبسط له فى رزقه وينسأ له فى أثره فليصل رحمه." متفق عليه.







الجريدة الرسمية