غزة بين الإعمار والهيمنة: كيف تُدار الطاقة بعد الحرب؟
لم تَعُد غزة أولوية استراتيجية للأطراف الإقليمية والدولية بقدر ما تمثل عبئًا تفاوضيًا، في مقابل تركيز الأطراف الرئيسة في معركتها على تثبيت مكاسبها الأمنية والسياسية والاقتصادية لا سيما البنية الطاقوِيّة كأحد مرتكزات الموارد السيادية في منظومة الإمدادات الإقليمية بمنطق المقايضة الصامتة.
منذ دخول وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ وفق الخطة الأمريكية وقرار مجلس الأمن 2803، انتقل النقاش الدولي من ساحة المعركة إلى فضاء إعادة الإعمار. غير أنّ هذا الانتقال يُخفي تحوّلًا أعمق: من إدارة الصراع بالسلاح إلى إدارة غزة عبر الموارد والطاقة، بما يحدّد شكل القطاع وموقعه في المعادلة الفلسطينية والإقليمية في مرحلة ما بعد الحرب.
في هذا السياق، لم يَعد الغاز الطبيعي مسألة اقتصادية، بل أداة سياسية مركزية. وتتجسد هذه الأداة في مفارقة واضحة بين حقلين متجاورين في شرق المتوسط: حقل لفيتان قبالة ميناء حيفا الإسرائيلي الفاعل والمتوسع، وحقل غزة مارين الفلسطيني المُعطّل منذ أكثر من عقدين.
لم يَعد الاحتلال يُمارَس بالقوة العسكرية وحدها، بل عبر التحكم بشروط الحياة الأساسية: الكهرباء، الوقود، وشبكات الطاقة. هذا هو جوهر ما يمكن تسميته بـ الهيمنة الطاقيَّة، حيث تُدار المجتمعات عبر ضبط مقومات بقائها اليومية. وفي حالة غزة، يجري تأطير المسألة بعد الحرب بوصفها أزمة إنسانية تتطلب إدارة تقنية، لا قضية سيادة وحقوق سياسية. وهنا تكمن الخطورة: تحويل الصراع من مسألة تحرر إلى مسألة إدارة.
في المقابل، يمثل حقل لفيتان أحد أهم التحوّلات الاستراتيجية لإسرائيل خلال العقد الأخير. فهو لا يوفر مصدر طاقة فحسب، بل يُنتِج فائض قوة اقتصاديًا وأداة اندماج إقليمي، إذ تُصَدِّر إسرائيل الغاز إلى مصر والأردن وتطمح لتعزيز حضورها في السوق الأوروبية خصوصًا بعد التراجع الملحوظ في اعتماد أوروبا على الغاز الروسي.
وبهذا المعنى، يتحول الغاز إلى أداة هيمنة ناعمة، تُطَبَّع من خلالها مركزية إسرائيل في منظومة الطاقة الإقليمية، بحيث يبدو تجاوزها مُكْلفًا أو مستحيلًا.
أمّا على الضفة الأخرى من البحر، فيرقد حقل غزة مارين منذ اكتشافه عام 2000 دون استغلال. وتُقَدَّر احتياطاته بنحو تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وهي كمية كافية لتلبية احتياجات غزة لعقود، وتوليد فائض اقتصادي مهم.
ومع ذلك، لم يُشَغَّل الحقل يومًا، ليس بسبب عجز تقني أو غياب استثمار، بل نتيجة قرار سياسي واضح. فتشغيله يعني استقلالًا طاقيًا يحرّر القطاع من التحكم الإسرائيلي في إمدادات الكهرباء والوقود، ويوفّر دخلًا سياديًا يُقلّص الارتهان للمساعدات الدولية، ويُؤسس لاعتراف عملي بالحقوق الفلسطينية في البحر.
وتوسعت القضية لتشمل مفاوضات ثلاثية بين إسرائيل وأميركا ودول نفطية وازنة ومؤثرة حول إدارة أي عائدات محتملة من حقل غزة مارين في عملية إعادة إعمار القطاع.
وفق تقارير دبلوماسية تهدف هذه المفاوضات، إلى ضمان إبقاء غزة مرتبطة بالتمويل الخارجي، كما تسعى إلى ضمان أنْ تظل السيطرة النهائية على الموارد والقرارات الاقتصادية بيد الأطراف الثلاثة، وليس الفلسطينيين أنفسهم.
بعد الحرب، يُعاد إنتاج هذا المنطق ذاته. فخطط الإعمار المطروحة تُصَمَّم على أساس إبقاء غزة مرتبطة بمصادر طاقة خارجية، وإعادة بنائها كمستهلك دائم لا كمنُتِج. هكذا تتحول الطاقة من حق طبيعي إلى أداة ضبط سياسية، وتُدار الحياة اليومية في القطاع عبر صمامات الإمداد والتصاريح السياسية، لا عبر قرار ذاتي.
تأكيدًا على ذلك، يرى خبراء اقتصاديون وقانونيون أنّ منع الفلسطينيين من استغلال مواردهم الطبيعية، مثل احتياطيات الغاز في حقل غزة مارين، يُعيق استقلالية القطاع الطاقيِّة والسيادية. فقد أشار تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) إلى أنّ الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك السواحل البحرية قبالة غزة، تزخر بخزانات من النفط والغاز الطبيعي، غير أنّ الفلسطينيين لم يتمكنوا من تطويرها واستغلالها لصالح تنمية اقتصادية واجتماعية..
ما يعني حرمانهم من موارد كان يمكن أنْ تُموِّل طموحهم الطاقي والاقتصادي وتقلص اعتمادهم على التمويل الخارجي. وفق التقرير، إنّ استمرار منع الفلسطينيين من تطوير هذه الموارد يزيد من التكاليف الاقتصادية ويفرض اعتمادًا على الخارج بدلًا من بناء اقتصاد مستقل، ويُعيد إنتاج الهشاشة نفسها ويُعطّل فرص الاستقرار بأدوات أكثر حداثة.
في ذات السياق تتقاطع الاتصالات الهاتفية والتحركات العسكرية وحسابات المصالح الكبرى، في لحظة تؤكد أنّ قواعد اللعبة تغيَّرت: أمام الانصياع لتوازنات القوة أو السقوط تحت ضغطها، فيما تُرسم النهايات بشأن غزة ومصير القضية الفلسطينية بُرمّتها خلف الأبواب المغلقة أكثر مما تُحسم في أرض المعركة.
السؤال الجوهري إذن: هل ستبقى غزة تحت الحصار عبر وصاية دولية متجددة، تُمارَس مرة أُخرى عبر حرمانها من مواردها؟، وإلى متى سيبقى القادة الفلسطينيون متمسكين بنظرية البقاء، خشية الإقصاء عن المشهد السياسي؟
الإجابة لن تحدد مستقبل القطاع وحده. بل ستحدّد نموذج الصراع العربي–الإسرائيلي كله في عصر ما بعد النفط، حيث لم تَعُد الأرض وحدها ميدان النزاع، بل ما تحتها من موارد طاقيَّة ومعادن نادرة، والتسابق على سطحها نحو الطاقة الخضراء، وما قِبالتها في البحر.
ولكي تتمكن الأطراف الرئيسة في المنطقة من كسر دائرة الهيمنة الطاقيَّة وارتداداتها السياسية لا بد أولًا من بناء استراتيجية تكاملية بين دول الترويكا العربية "السعودية ومصر والإمارات"، وثانيًا يتطلب الأمر اعتراف حركة حماس بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني بلا مواربة ودون اشتراطات، تعضيدًا ودعمًا لدور الترويكا العربية، ولمنظمة التحرير في مواجهة تصفية القضية الفلسطينية والهيمنة السياسية والاقتصادية.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

