رئيس التحرير
عصام كامل

الأديان والحروب.. "فيتو" تحقق في أسطورة ربط رسالات السماء بالعنف وسفك الدماء.. دراسة عالمية: 3% فقط من الحروب عبر التاريخ ذات طابع ديني.. وباحثون: الأرض والنفوذ والتجارة وراء معظم الصراعات

الحروب
الحروب
18 حجم الخط

في وقتٍ تتزايد فيه محاولات ربط الأديان بالعنف والصراعات، جاء صوت فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، حاسمًا وواضحًا أمام وفد شباب الكنائس العالمي، الذي استضافه مؤخرًا بمشيخة الأزهر الشريف، مؤكدًا أن الدين لم يكن يومًا سببًا في الحروب، بل هو الدواء لا الداء، والرحمة لا السيف، حيث قال الإمام الطيب نصًا: “شباب اليوم مطالب بأمرين: أولهما الاعتقاد بأن الأديان مصدرها واحد، وأن جميع الأنبياء إخوة، وأن السلام هو الهدف الأول من نزول الأديان على الناس، وثانيها أن الأديان تحرّم القتل وإراقة الدماء، ولم تكن يومًا سببًا في حروب أو صراعات أو قتل، وأن كل ما يُشاع في الغرب من أن الأديان هي سبب الحروب مزاعم واهية وخاطئة”.

كلمات الإمام كانت بمثابة دعوة جديدة للتأمل في السؤال الذي لم يفقد حضوره عبر العصور: هل الأديان هي التي أشعلت الحروب فعلًا، كما يروج بعض كارهي رسالات السماء بالسليقة، أم أن البشر هم من حرّفوا مقاصدها لتبرير صراعاتهم بحثا عن منافع وأهداف خاصة ولكنهم أسبغوها بصبغة دينية؟.. سؤال حاولت “فيتو” أن تجد له إجابة من خلال آراء علماء الدين الإسلامي والمسيحي وباحثي العلاقات الدولية، الذين اتفقوا على أن الأديان نزلت لتجمع لا لتفرّق، وأن الحروب مهما رُفعت فيها الشعارات الدينية، فإن جذورها دائمًا بشرية وسياسية.

الإسلام دين الرحمة

من جانبه قال الشيخ أحمد خليل، من علماء الأزهر الشريف، إن السؤال حول ما إذا كانت الأديان سببًا في الحروب أو أن تصرفات البشر هي السبب الحقيقي، سؤال قديم ومتجدد، والإجابة عليه لا تُقاس بالشعارات بل بالحقائق التاريخية والدينية، مشيرًا إلى أن الأديان السماوية كلها جاءت رحمةً للإنسانية، لا نقمةً عليها، وجاءت لتضع حدودًا أخلاقية وقانونية تضبط سلوك الإنسان في السلم والحرب، لكن الانحراف في الفهم، والتوظيف السياسي للنصوص، والطمع في السلطة، هي الأسباب الحقيقية التي جعلت من بعض أتباع الأديان وقودًا للصراعات.

وأشار إلى أن الإسلام، كغيره من الرسالات السماوية، لم يشرّع الحرب من أجل القهر أو السيطرة أو التوسع، وإنما جعلها استثناءً دفاعيًا مشروعًا، إذا فُرضت على الأمة دفاعًا عن النفس أو حماية للضعفاء أو صدًا للعدوان، لقوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا﴾، وأن الحرب في الإسلام محكومة بضوابط صارمة: لا تُقتل فيها امرأة ولا طفل ولا شيخ، ولا يُعتدى على شجر أو زرع أو حيوان، حتى قال النبي ﷺ في وصيته للجيش: «لا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلًا صغيرًا، ولا امرأة». فالحرب في الإسلام ليست غاية، بل وسيلة اضطرارية لحفظ السلام.

وأضاف “خليل” في تصريحات خاصة لـ “فيتو” أن هناك فرقًا جوهريًا بين “القتال في سبيل الله” و”الاقتتال باسم الدين”، فالأول هدفه العدل ورفع الظلم وإقرار الحق، أما الثاني فنتاج فكر منحرف يسعى لتحقيق مصالح دنيوية باسم الدين، لافتًا إلى أن الجماعات المتطرفة عبر التاريخ – من الخوارج قديمًا إلى التنظيمات الإرهابية حديثًا – حرّفت المفاهيم المقدسة لتبرير العنف، حتى صار اسم الدين يُستخدم ستارًا لسفك الدماء، وهنا نؤكد أن تشويه صورة الإسلام لم يأتِ من تعاليم القرآن والسنة، بل من تصرفات بشر لم يفهموا الدين على حقيقته أو استغلوه لأهداف سياسية، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، وبقوله ﷺ: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».

وشدد العالم الأزهري على أن الإسلام في جوهره دين إنساني عالمي يعترف بحقوق غير المسلمين ويأمر بحسن معاملتهم، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾، موضحًا أن كل الأديان السماوية – الإسلام والمسيحية واليهودية – تدعو في جوهرها إلى السلم والمحبة، وسيدنا النبي محمد ﷺ قال: «أفشوا السلام بينكم». ولكن في كل زمان يظهر من يحوّل هذه الرسائل الإلهية إلى مشاريع بشرية للصراع، فكم من حربٍ نُسبت إلى الدين، بينما وقودها الحقيقي كان الطمع في الثروة أو النفوذ أو الانتقام السياسي، ولو نظرنا إلى الحروب العالمية في العصر الحديث، سنجد أنها لم تكن دينية، بل قومية واقتصادية، ومع ذلك راح ضحيتها عشرات الملايين، مما يثبت أن المشكلة في الإنسان لا في الدين.

وأكد الشيخ أحمد خليل أن المؤسسات الدينية، وعلى رأسها الأزهر الشريف، تتحمل مسؤولية كبيرة في تفكيك المفاهيم الخاطئة عن الجهاد والدفاع عن النفس، وأن الأزهر منذ نشأته كان منارةً للاعتدال، يجمع بين حماية العقيدة ونشر ثقافة السلام، ويرفض التكفير والعنف والعدوان، كما دعا إلى تعليم الشباب المفاهيم الصحيحة من مصادرها الأصيلة، لأن الجهل هو الوقود الأول للتطرف، والعلم هو الدرع الواقية ضد الغلو، مؤكدًا أن الدين حين يُفصل عن الأهواء السياسية يبقى كما أنزله الله: نورًا وهداية ورحمة، أما حين يُستغل لخدمة أغراض فئة أو جماعة، يتحول إلى أداة فتنة، لذا يجب أن يُعاد للدين مكانه الطبيعي كـ"هداية للإنسان" لا "راية للقتال"، مضيفًا: "لقد خُلقنا شعوبًا وقبائل لنتعارف لا لنتقاتل، والله تعالى لم يرسل رسله لتقسيم البشر، بل لجمعهم على قيم الحق والخير"، مؤكدًا أن السلام ليس خيارًا سياسيًا، بل فريضة دينية في كل الرسالات السماوية، وأن مسؤولية العلماء والمثقفين اليوم أن يُعيدوا للأديان رسالتها الأصلية: أن تكون جسرًا للإنسانية لا سيفًا في يد الجهلاء.

الله محبة

من جانبه أكد الأب رفيق جريش، عضو بيت العائلة المصري ومجمع الكنائس المصرية، أن الأصل في المسيحية هو السلام، ويتميز بأنه ليس سلامًا بصنع البشر أو قرارًا بأيديهم، وإنما السلام من عند الله ويجب علينا تطبيقه في الأرض، مستشهدًا بالموعظة على الجبل: "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يُدعون"، مؤكدًا أن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أخبره أكثر من مرة أنه يُحب تلك الموعظة بشكل كبير ويكاد يبكي عندما يقرأها من شدة تأثره، مشيرًا إلى أنه في بعض الحقب التاريخية حدث خلط بين الأديان والسياسة، وأنه يمكن القول إن الأديان تورطت في بعض الحروب واتخذها البعض ذريعة لشن الحرب على الشعوب، مضيفًا: "حتى في المسيحية الكاثوليكية بعض الملوك تصرفوا تصرفات حربية يمكن تسميتها سعيًا لتحقيق مكاسب مادية أو دنيوية، ونجد مثل تلك الوقائع في كافة الديانات".

وأضاف الأب جريش في تصريحات خاصة لـ “فيتو” أن فكرة استخدام مصطلح "الدفاع عن الأديان" أمر خاطئ، لأن ربنا لا يحتاج لمن يدافع عنه، وهو أمر يحدث فيه خلط في كثير من الأحيان، سواء بحسن نية عند ضعاف التعليم أو نتيجة استغلال بعض جماعات الشر، لافتًا إلى أن مصر شهدت خلال السنوات الأخيرة تطورًا كبيرًا في لغة خطاب رجال الدين من حيث التأكيد على قواسم العيش المشترك وقبول الآخر، وهو أمر نابع من أصولنا المصرية، مضيفًا: "طول عمر المصريين عايشين مع بعض ولا يوجد أي فوارق بين أبناء الشعب الواحد"، فالإنسان المصري بطبيعته وبسبب تراكم الحضارات لديه قناعة بقبول الآخر والتعايش معه في سلام، موضحًا أن كافة الكنائس المسيحية بجميع طوائفها تركز على ترسيخ معنى السلام لدى الأطفال والنشء، ولدينا آية "من لطمك على خدك الأيمن فأعطه الأيسر" وآية "لا تقاوموا الشر بالشر"، والهدف من ذلك هو احتواء الأزمات وعدم تطور الأمر بين البشر حتى لا نصل إلى الحروب والصراعات، مؤكدًا أن حكمة شيخ الأزهر والبابا تواضروس والبابا ليون الرابع عشر بابا الفاتيكان منعت حدوث أي فتنة بين أبناء الشعب المصري، ورسخت معنى السلام بين أبناء كافة الأديان خلال العقود الماضية.

دراسة عالمية

وعلى المستوى العالمي نجد أن هناك دراسة علمية لعالم العلاقات الدولية كاليفي هولستي، الذي وضع أفضل خريطة لفهم الحروب الدولية خلال الفترة الممتدة من عام 1648 وحتى عام 1989 “أي بعيد سقوط الاتحاد السوفياتي”، وتعكس هذه الدراسة بوضوح أن الدين أو الأيديولوجيا لم يلعبا دورًا محوريًا كسبب أساسي لاندلاع الحروب على المستوى الدولي، وتستند الدراسة في ذلك إلى عدة عوامل، على رأسها أن العامل المشترك لأغلبية الحروب على مدار هذه الفترة كان الاستحواذ على الأرض أو نشر النفوذ أو لأسباب استراتيجية مرتبطة بالأرض، ولقد مثّل ذلك ما يقرب من 34% من الأسباب المؤدية لاندلاع الحروب خلال الفترة بين عامي 1648 و1814، سواء كسبب منفرد أو ضمن أسباب أخرى، ويلاحظ أن هذا العنصر بدأ يقل تدريجيًا بعد هذا التاريخ ليصبح قرابة 20% خلال الفترة من عام 1814 إلى عام 1945 “أي بنهاية الحرب العالمية الثانية”، ثم تنحدر هذه النسبة لتصل لقرابة 8% خلال حقبة “الحرب الباردة”، وهو ما يعني أن عامل التوسع الجغرافي بدأ يقل تدريجيًا مع انخفاض نسبة الحروب الدولية، ويرجع ذلك – في التقدير – إلى أن في العالم اليوم حدودًا دولية معروفة تحظى بالاعتراف والاحترام الدوليين، ومن ثم ما عاد عنصر الأرض يشكّل سببًا قويًا في الحروب الحديثة.

بالإضافة إلى عامل التجارة والاستحواذ على الطرق التجارية الدولية، قرابة 15% من الأسباب المؤدية للحروب خلال الفترة من عام 1648 وحتى عام 1814، وهو أمر طبيعي بسبب الصراع الدولي على هذه الطرق خلال هذه الفترة وانتشار مفهوم «المركانتيلية» أو قصر التجارة بين الدولة الأم ومستعمراتها، ولكن بمرور الوقت أصبحت هذه النسبة منعدمة مع تطور الظروف الدولية، وإقرار مبدأ حرية التجارة الدولية وانتهاء السيطرة على الطرق الدولية للتجارة، بجانب أن وراثة العروش مثّلت سببًا ملحوظًا في بعض الحروب – وبالذات في أوروبا – خلال الفترة من عام 1648 وحتى عام 1814، وصلت إلى قرابة 12%. ولكن مع تغير السياسة الدولية واستقرار مفهوم الدولة وسبل الحكم فيها اندثر هذا العنصر كسبب للحروب الدولية بشكله التقليدي.

كذلك من دوافع الحروب عنصر الحفاظ على الدولة وأنظمتها، وهو من أكثر العناصر المستقرة على مر الفترات الزمنية بمعدل يصل إلى 7.5% تقريبًا، وهذا أمر مفهوم، إذ إن بقاء الدول يعد عاملًا مستمرًا في السياسة الدولية ويؤدي إلى الحروب، فالتحالفات الدولية وأهداف كل دولة تمثل سببًا مباشرًا حتى اليوم في الحفاظ على الدولة أو تغيير نظامها السياسي، كما لم تمثل الأيديولوجيا كعنصر مسبب للحروب إلا نسبة ضئيلة للغاية من أسباب الصراع الدولي، لم تتخطَّ في أحسن الحالات أكثر من 3% من أسباب اندلاع الصراعات، وهذا ما يعكس حقيقة أساسية، وهي أن الدين وحده ليس محركًا للحروب، بل لا بد من البحث عن المسبّب الحقيقي بدل التركيز على الأسباب الشكلية، كما تشير الدراسة إلى أنه خلال الحقبة الباردة تلاحظ وجود تفتّت ملحوظ في الأسباب المؤدية للصراعات، إذ لم يعد هناك سبب واحد مهيمن على أسباب اندلاع الحروب، فغدا عنصر الإبقاء على الدولة أو النظام الحاكم يمثل قرابة 9%، بينما صارت العناصر الأخرى مثل الأراضي والحركات التحرّرية وبناء الدولة أكثر ظهورًا من غيرها بنسب غير بعيدة عن الرقم سالف الذكر.

عند التوقف أمام مفهوم "الشالوم" في الديانة اليهودية، يبدو واضحًا أن هذا المصطلح لم يكن مجرد كلمة مرادفة للسلام، بل كان يحمل دلالات روحية وسياسية واجتماعية عميقة، تمتد جذورها في نصوص العهد القديم، وتتشابك مع معاني العدل والطمأنينة والحق، حتى أصبح "الشالوم" أشبه بمبدأ شامل ينظم علاقة الإنسان بنفسه وبمجتمعه وبالبيئة التي يعيش فيها.

يؤكد الكاتب والمحلل أميل أمين، ناقلًا عن اللاهوتي الألماني غوتفريد فانوني، أن فكرة السلام في اليهودية ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بذكر الله ذاته، ففي مواضع عدة من الكتاب المقدس، يجتمع ذكر الإله والسلام في سياقات تحمل مغزى كبيرًا، ويشير في هذا السياق إلى ما جاء على لسان النبي أشعياء في العهد القديم: «ما أجمل على الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام، المبشر بالخير، المخبر بالخلاص، القائل لصهيون: قد ملك إلهك»، وهي عبارة تكشف عن ارتباط وثيق بين الإيمان وقيام مملكة السلام الإلهية التي تتجاوز النزاع الأرضي.

وفي مزامير داود، أو "الزبور"، يكتسب السلام بُعدًا آخر، إذ يُقدَّم بوصفه وجهًا آخر للعدالة، فالمزمور الخامس والثمانون يقول بوضوح: «الرحمة والحق تلاقيا، البر والسلام تعانقا»، وهي إشارة رمزية تُظهر أن العدالة هي الشرط الأول لتحقيق السلام، وأن الظلم، بكل أشكاله، هو نقيض الشالوم. ويرى باحثون أن هذا التصور له جذور كنعانية سابقة على نشأة إسرائيل نفسها، ثم انتقل إلى الفكر العبري لاحقًا، ليصبح من ركائز العهد الجديد أيضًا.

ولا يتوقف الشالوم عند مفهوم السلام بين البشر فقط، بل يمتد ليشمل حالة من الطمأنينة الداخلية والسكينة المستقرة في النفوس، لكنه ليس سلام الضعف أو الرخاوة، بل سلام القوة القائم على البرّ. فالكتاب المقدس يربط دائمًا بين العدالة والطمأنينة، إذ يقول: «ويكون عمل البر سلامًا، وفعل البر راحة وطمأنينة إلى الأبد، ويسكن شعبي في مقر السلام، وفي مساكن الطمأنينة وفي أماكن الجلبة». وهنا يظهر بوضوح أن الشالوم ليس حالة عابرة من الهدوء، بل نظام حياة قائم على العدل والحق، تُبنى عليه طمأنينة المجتمع.

كما يعكس العهد القديم في مواضع عدة، لا سيما في نبوءات أشعياء، تصورًا متكاملًا لطريق السلام بوصفه طريقًا تعليميًا وأخلاقيًا في آن واحد، إذ يفرق بين الساعين إلى السلام وبين الأشرار الذين لا يعرفونه. فحين عاد شعب إسرائيل من السبي البابلي إلى أورشليم، شبّه النبي مسارهم بذلك الطريق المزدوج، فقال: «أرجلهم تسعى إلى الشر، وتسارع إلى سفك الدم البريء، أفكارهم أفكار الإثم، وفي مسالكهم دمار وتحطيم، لم يعرفوا طريق السلام». وهنا تتجلى رؤية نبوية تعتبر أن غياب العدل يؤدي بالضرورة إلى غياب السلام، وأن العنف والدمار لا يولدان إلا من فساد الضمير الإنساني.

ولم تقتصر فكرة السلام في التراث اليهودي على العلاقات بين البشر فحسب، بل امتدت إلى علاقة الإنسان بالبيئة والطبيعة من حوله، إذ تشير النصوص القديمة إلى أن الخراب الذي يصيب الأرض ليس إلا انعكاسًا للظلم الاجتماعي، فالأنبياء الكبار تحدثوا عن نتائج تعامل الأغنياء المتجبرين مع الفقراء والمستضعفين، وكيف أن الأرض المأهولة والمزروعة قد تتحول إلى برية خالية إذا فقد الإنسان اتزانه الأخلاقي وعدله الاجتماعي. وتلك النظرة، رغم قِدمها، تكاد تُوازي في عمقها الفكر البيئي الحديث الذي يربط بين فساد الإنسان ودمار الطبيعة.

أما على مستوى الحكم والدولة، فإن العهد القديم يقدم رؤية مختلفة تمامًا عن السلام، إذ يربطه بالملك الصالح العادل، لا بالسلطة القائمة على القوة. ففي سفر زكريا نجد وصفًا دقيقًا لملك السلام الذي يأتي وديعًا راكبًا على جحش، فيقول النص: «ابتهجي جدًا يا بنت صهيون واهتفي يا بنت أورشليم، هوذا ملكك يأتيك بارًا مخلصًا وديعًا راكبًا على حمار وعلى جحش ابن أتان، ويكلم الأمم بالسلام ويكون سلطانه من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض». في هذا المشهد الرمزي تتجلى المفارقة بين الملك المتواضع الذي يحمل رسالة السلام، وبين الملوك الداووديين الذين فرضوا السلم بقوة السلاح، على غرار الملوك الفراعنة أو القياصرة الرومان. وهنا يظهر بوضوح أن "شالوم" زكريا لا يعرف السيف، بل يعرف العدل كطريق وحيد للسلام الحقيقي.

ويبلغ هذا المفهوم ذروته في نبوءة النبي أشعياء التي تمثل الخلاصة اللاهوتية للشالوم، إذ يقول: «فيطبعون سيوفهم محاريث ورماحهم مناجل، ولا ترفع أمة على أمة سيفًا، ولا يتدربون على الحرب فيما بعد». وهي العبارة التي حُفرت اليوم على جدار الأمم المتحدة في نيويورك لتكون تذكرة دائمة بأن غاية الإنسانية الكبرى هي السلام، وأن الطريق إليه لا يُرصف بالحديد والنار، بل بالحق والعدل والإنصاف.

وهكذا يمكن القول إن مفهوم الشالوم في اليهودية لا يدعو إلى الحرب ولا يبررها، بل يقف منها موقفًا نقديًا واضحًا، مؤكدًا أن العنف مظهر من مظاهر الانحراف عن إرادة الإله. غير أن المفارقة التاريخية المؤلمة تكمن في ابتعاد إسرائيل الحديثة عن هذا الجوهر الروحي، بعدما تحولت إلى دولة تسعى للسلام بالسلاح، متناسية أن الشالوم الذي نادت به التوراة لم يكن أبدًا سلام الغلبة، بل سلام العدل والمساواة.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية