العزل السياسى وخيبة الأمل
حكم مبارك عقودا اتسمت بالفساد والاستبداد وإفساد الحياة السياسية وإلغائها، وفقا لحكم أمنى شمولى تدخلى مارس القمع والاستبداد والفساد والإفساد عبر حالة الطوارئ والمحاكم الاستثنائية وقوة الأمن وبطشه وتغوله على الحقوق والحريات، ليتحول البلد إلى عزبة خاصة من جهة وإلى دولة أمنية بامتياز من جهة أخرى.
والعزل السياسى يرتبط أساسا بمحاكمات النظام السابق، فأهداف العزل ليست فقط تطهير(المؤسسات)، من بقايا البنية الاستبدادية الفاسدة التى كان يستند عليها نظام مبارك فى أفعاله وتجريد العناصر التابعة له من الشرعية وضمان استبعادها من العملية السياسية الوطنية وبالتالى القطع مع الاستبداد والديكتاتورية بشكل نهائى وحاسم. ولكن يجب النظر إلى العزل السياسى فى سياق أوسع وأشمل فى دستور مصر الجديد نص المادة 232 والتى تعرف بالعزل السياسى مخيبة للآمال إذ هى تنص على: (تمنع قيادات الحزب الوطنى المنحل من ممارسة العمل السياسى والترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية لمدة عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور، ويقصد بالقيادات كل من كان عضوا بالأمانة العامة للحزب أو بلجنة السياسات أو بالمكتب السياسى أو كان عضوا بمجلس الشعب أو الشورى فى الفصلين التشريعين السابقين على ثورة الخامس والعشرين من يناير)، هذه المادة فى حقيقتها هى التى كانت سببا فى الأحداث الأخيرة فى مصر وهى أيضا لم تحقق العزل السياسى بالمعنى المطلوب.
فكان الأحرى بها أن تنص على العزل كل من كان عضوا فى مجلس الشعب أو الشورى فى أى فصل من الفصلين التشريعين السابقين ويشمل كل من حمل حقائب وزارية أما وأن هذه المادة لم تنص على ذلك فهى حملت تناقضت غريبة جدا. إحدى هذه العجائب أن هذه المادة على سبيل المثال لا تعزل شفيق لأنه لم يكن عضوا فى الحزب الوطنى وهو ذراع مبارك اليمنى والكارت الأخير الذى كان يستخدمه مبارك قبل التنحى وآخر رئيس وزراء لمبارك المخلوع، وهذه المادة تعزل عصام شرف الذى تولى رئاسة الوزارة بعد الثورة من الفترة 3 مارس إلى 22 نوفمبر 2011 وبارك هذا الأمر ثوار التحرير، فالعجب كل العجب ألا يعزل شفيق آخر رئيس وزراء لمبارك ويعزل عصام شرف أول رئيس وزراء الثورة فالثورة طالبت بإسقاط شفيق وإبعاده عن المشهد السياسى ومادة العزل السياسى لا تطوله، وعصام شرف الذى رفع على الأعناق تعزله هذه المادة، وعندما نجد أن هذه المادة تطول فاروق العقدة محافظ البنك المركزى السابق أو هشام رامز الحالى وصديق جمال مبارك ففى حقيقة الأمر أن منصب محافظ البنك المركزى وكذلك منصب رئيس الوزراء وأيضا منصب الوزير هى مناصب سياسية بحتة وليس السياسة قاصرة على الترشح للرئاسية أو التشرعية، فرجال النظام السابق يرسمون السياسة لمصر فى ظل قانون العزل فمنهم من يرسم سياسة الاقتصاد ولم يعزل ومنهم من يعتلى مناصب وزارية بعد الثورة وكان يجب النظر إلى العزل السياسى فى سياق أوسع وأشمل كوسيلة للحفاظ على مكتسبات الثورة من جهة ومن جهة أخرى كوسيلة لعقاب الأفراد على الخلل السياسى الذى تسببوا فيه. فهو أداة يعبر فيها المجتمع على الرفض العام والشعبى لهذا السلوك الإجرامى فى إدارة الدولة وتوجيه تحذير قاسى لمن يتقلد تلك المناصب بالإضافة إلى أنه يجب أن يكفل العزل السياسى توفير قدر من العدالة للضحايا ويمكن الضحايا من استعادة كرامتهم المهدرة والمفترض أن يعزز العزل السياسى ثقة المواطنين فى مؤسسات الدولة وقدرتها على إنفاذ القانون.
ولكن مادة العزل السياسى جاءت ركيكة للغاية ولا تحقق الأهداف منها، فنجد أن المادة لم تحقق الغرض منها فلم تعزل رجال النظام السابق من تقلد المناصب الهامة فى الدولة ولم تعزل الأحزاب التى كان النظام السابق يستخدمها فى رسم الشكل الواهم للدولة فهى كانت أحزاب مؤيدة لنظام مبارك فى حقيقتها وتلبس لباس المعارضة لم تنص على المحاكمة الجنائية بجانب العزل السياسى حتى يتحقق العدل ويثق الشعب فى مؤسسات الدولة، وكان يجب أن تنص هذه المادة على أن يحرم كل شخص من ممارسة العمل السياسى والإدارى سواء بالحق فى الترشح والترشيح فى الانتخابات بمختلف أنواعها وكذلك حرمانهم من تولى مناصب قيادية أو مسئوليات وظيفية أو إدارية أو مالية فى كل القطاعات الإدارية العامة والشركات أو المؤسسات المدنية أو الأمنية أو العسكرية وكل المؤسسات والهئيات الاعتبارية المملوكة للدولة وكذلك بالنسبة للمشاركة فى تأسيس الأحزاب السياسة ومؤسسات المجتمع المدنى حتى يتحقق الغرض من العزل السياسى.
