رئيس التحرير
عصام كامل

خواجة من شارع الجمهورية.. حكاية صاحب حلم السد العالي الذي غيّر مستقبل مصر

عاش هنا المهندس أدريان
عاش هنا المهندس أدريان دانينوس
18 حجم الخط

في قلب القاهرة العامرة الزاهرة، عاش رجل يوناني اسمه أدريان ألبير دانينوس، لم يكن مجرد مهندس، بل كان حالمًا سبق عصره، وصاحب الفكرة الأولى لبناء السد العالي

رجل أحب مصر حتى صار جزءًا من نسيجها، أنفق ميراثه وحياته ليحميها من الفيضان والجفاف، ثم رحل من دون أن يحظى بالتكريم الذي يليق بحلمه الكبير.

العمارة التي احتضنت الحلم

في شارع الجمهورية، تقف عمارة قديمة شاهدة على زمن ذهب ولم يعد. عمارة فخمة خاضعة للأصول العقارية اليوم، تقاوم قسوة وتدهور الزمن. أبوابها الخشبية الثقيلة تشبه مداخل القصور، تقود إلى ردهة واسعة تضم مصعدين قديمين وسلمًا للخدم لا يزال محتفظًا بآثاره.

الطراز الداخلي يميزها بتصميم موحد لأبواب الشقق، حيث يضم كل طابق 12 شقة، في مبنى ضخم مكوّن من 10 طوابق. 

شبابيك خشبية عالية تفتح على قلب وسط البلد، تسمح بدخول الضوء وتكشف عن مزيج معماري يجمع بين الفخامة الأوروبية وروح القاهرة.

في إحدى هذه الشقق عاش دانينوس. شقة متواضعة رغم فخامة المبنى، لكنها كانت ورشة أحلامه. بين جدرانها جلس يرسم الخرائط والخطوط الأولى لمشروع سيغيّر مصير مصر السد العالي.

دانينوس.. اليوناني الذي أحب مصر

ولد دانينوس يوناني الأصل، لكنه لم يتعامل مع مصر كبلد عبور. وقع في غرامها منذ اللحظة الأولى، أحب النيل وناسها وشوارعها وأسواقها. كان يرى فيها وطنًا حقيقيًا، يعيش فيه ويموت على أرضه. بلغ حبه لها أن أنفق ميراثه بأكمله على أبحاثه ودراساته، مؤمنًا بأن مشروعه سيحمي هذا البلد من أخطار الفيضان والجفاف.

 

الفكرة التي سبقت عصرها

منذ الأربعينيات، كان دانينوس يخطط لبناء سد عالٍ في أسوان. حلم ضخم يوفّر الحماية من الفيضان، ويخزّن المياه لمواجهة سنوات القحط، ويوفر الكهرباء للتنمية. كان يردد دائمًا أن مستقبل مصر مرهون بالتحكم في نهرها العظيم.

وعندما قامت ثورة يوليو 1952، وجد فرصته ليعرض فكرته. جلس مع قادة الثورة، وكان جمال عبد الناصر أكثرهم اقتناعًا بما يقوله. رأى عبد الناصر في مشروع دانينوس أساسًا لمستقبل مصر الصناعي والزراعي.

 

لماذا لم يشارك في بناء السد؟

رغم أنه صاحب الشرارة الأولى، لم يكن دانينوس ضمن فريق التنفيذ. كان حالمًا، مفكرًا أكثر من كونه قائدًا لمشروع ضخم بهذا الحجم. السد العالي احتاج إلى دولة كبرى بقدراتها التقنية والمالية، وهو ما تحقق عندما دخل الخبراء السوفييت على خط التنفيذ بالتعاون مع المهندسين المصريين.

العوامل السياسية لعبت دورها أيضًا. في خضم الحرب الباردة، لم يكن من الممكن أن يقود أجنبي مثل دانينوس مشروعًا بهذا الثقل، رغم تقدير عبد الناصر لفكرته وإخلاصه.

علاقة خاصة مع عبد الناصر

شهادات عدة أكدت أن جمال عبد الناصر كان يحترم دانينوس، ويرى فيه رجلًا مخلصًا لمصر. لكن عبد الناصر كان يدرك أن تنفيذ المشروع يحتاج إلى تحالفات سياسية كبرى، فمضى في طريق التعاون مع السوفييت. ومع ذلك ظل دانينوس مرتبطًا بالحلم، يتابع تفاصيل المشروع الذي وُلد من فكرته الأولى.

 

"لعنة الخواجة".. رواية عن رجل منسي

لم يحظ دانينوس بكثير من الاهتمام في كتب التاريخ، لكن الكاتب وائل السمري أعاد الاعتبار له في روايته لعنة الخواجة. الرواية مزجت بين الوثائقي والروائي، لتضيء حياة رجل يوناني عاش لمصر، وأنفق ميراثه على مشروعها، ثم مات بصمت.

رمزية العمارة والحلم

اليوم، كما تقاوم عمارة شارع الجمهورية قسوة الزمن وتحاول الاحتفاظ بروحها الأصلية، يقاوم حلم دانينوس النسيان. العمارة بأبوابها الخشبية الثقيلة، وشبابيكها العالية، وأصوات سكانها التي تعانق شوارع وسط البلد، تحمل في طياتها جزءًا من تاريخ رجل اختار أن يكون مصريًا بالهوى والانتماء.

إرث لا يُمحى

قد لا يكون دانينوس هو الذي أشرف على بناء السد العالي، لكنه سيظل صاحب الرؤية التي غيّرت مستقبل مصر. إرثه الإنساني والفكري أكبر من جدران شقته، وأعمق من أوراقه ورسوماته. لقد كان شاهدًا على لحظة مفصلية في تاريخ الوطن، وأحد رجال الظل الذين لم ينصفهم التاريخ.

وربما آن الأوان أن يُستعاد اسمه، ليُكتب بجوار السد العالي، لا كمنفّذ، بل كصاحب الحلم الذي سبق زمنه.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية