«مكان تحت الشمس».. مشروع نتنياهو “السرطاني” لإعادة صياغة الشرق الأوسط تحت هيمنة إسرائيل.. الكتاب يزعم أن فلسطين «قنبلة موقوتة» لتفكيك الكيان من الداخل!
كتاب “مكان تحت الشمس” لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، يعد واحدا من أهم النصوص التى تعكس العقل السياسى والفكرى السرطانى الذى يقف خلف المشروع الصهيونى فى مرحلته الحديثة، حيث يمثل الكتاب ـ ـ مزيجا بين السيرة السياسية والرؤية الأيديولوجية والدفاع الصريح عن المشروع الإسرائيلي، باعتباره امتدادا تاريخيا ودينيا وواقعيا لما يزعمه الكاتب “حق الشعب اليهودى فى أرض إسرائيل”.
الكتاب لا يطرح فى سياق أكاديمى بارد، وإنما جاء كبيان سياسى طويل كتبه نتنياهو، قبل أن يترسخ فى موقع القيادة التنفيذية داخل إسرائيل، فقد كان فى تلك المرحلة يسعى إلى تبرير الوجود الإسرائيلى الشيطانى على الأرض المحتلة، والتأكيد على أن أى تسوية سلمية لا يمكن أن تبنى على ما يسميه “التنازلات الخطيرة” التى تمس أمن إسرائيل وحدودها التاريخية المزعومة، وهو بذلك يقدم نفسه ليس فقط كسياسى منتخب، بل كمفكر أيديولوجى يرى أن الصراع العربي- الإسرائيلى ليس مجرد نزاع حدود أو موارد، وإنما هو صراع وجودى لا يمكن حسمه إلا بترسيخ اعتراف شامل ومطلق بإسرائيل كدولة يهودية.وهو فى ذلك كاذب ومدع دون أدنى شك
من الصفحات الأولى يعتمد نتنياهو أسلوبا دفاعيا هجوميا فى آن واحد، فهو يخصص مساحة واسعة لتفنيد ما يعتبره “أساطير معادية لإسرائيل”، مثل القول بأن الفلسطينيين هم السكان الأصليون أو أن الاحتلال بدأ عام 1967، ويعيد سرد التاريخ من وجهة نظره، ليؤكد أن اليهود هم الذين عاشوا على هذه الأرض منذ آلاف السنين، وأن ما جرى لاحقا من وجود عربى لا يلغى “الحق التاريخي”. هذه النقطة تشكل لبنة أساسية فى خطاب نتنياهو الملفق، إذ إنه لا يكتفى بطرح الرؤية التوراتية، بل يسعى لإضفاء طابع “علمي” عبر اقتباس بعض الدراسات الغربية التى يختار منها ما يخدم أطروحته، متجاهلا السياق الأشمل للتاريخ.
الحلم اليهودى
يتطرق الكتاب إلى مسألة الأمن باعتبارها الركيزة المركزية فى السياسة الإسرائيلية، حيث يرى نتنياهو أن أى دولة فى العالم يمكنها أن تتحمل بعض الأخطاء الاستراتيجية، أو أن تعيش ضمن حدود جغرافية غير محصنة، إلا أن إسرائيل لا تملك هذه الرفاهية، لأنها دولة صغيرة محاطة بما يسميه “بحر من الأعداء”، لذلك يبرر رفضه المتكرر لأى انسحابات واسعة النطاق من الأراضى المحتلة، ويصر على أن السيطرة على الضفة الغربية والجولان وقطاع غزة سابقا ليست فقط مسألة عسكرية مؤقتة، بل ضمانة استراتيجية لبقاء إسرائيل نفسها.
كما يهاجم نتنياهو فى الكتاب بقوة فكرة “حق العودة” للفلسطينيين، معتبرا أن مجرد طرحها يعنى نهاية إسرائيل ديموغرافيا، ويصفها بأنها “قنبلة موقوتة” صممت لتفكيك الكيان من الداخل، ومن هنا يدعو الغرب والولايات المتحدة إلى الوقوف بحزم ضد هذا الحق، مؤكدا أن أى تنازل فى هذه القضية يفتح الباب أمام ما يسميه “تدمير الحلم اليهودي”.
اللافت فى الكتاب أن نتنياهو لا يخاطب فقط الجمهور الإسرائيلي، بل يتوجه بالأساس إلى الرأى العام الغربي، فهو يكتب بالإنجليزية ويستحضر باستمرار مفردات تتناسب مع الحساسية الغربية مثل “الديمقراطية” و”حقوق الإنسان” و”الدفاع عن النفس”.
وفى هذا السياق يحاول أن يقدم إسرائيل كجزء من الحضارة الغربية المتقدمة فى مواجهة “التهديدات الشرقية”، وهو ما يربط كتابه بخطاب أوسع ظل يردده فى لقاءاته السياسية حتى بعد أن تولى الحكم.
فى الفصول اللاحقة من كتاب “مكان تحت الشمس” يتوقف نتنياهو عند محطات محددة يصفها باعتبارها الدليل على ما يسميه “حتمية الصراع” بين المشروع الصهيونى وبين الشعوب العربية المحيطة.
ويخصص مساحة واسعة لتفنيد ما يعتبره “أسطورة حقوق الفلسطينيين”، فيسعى إلى إقناع القارئ بأن الشعب الفلسطينى وفق روايته ـ لم يكن سوى جماعة متناثرة لم تتبلور فى إطار قومى مستقل قبل قيام إسرائيل، وأن الهوية الفلسطينية قد ولدت كرد فعل على الحركة الصهيونية لا كنتاج تاريخى طويل.
ومن خلال هذا الطرح يحاول نسف الأساس الذى تقوم عليه المطالبة الفلسطينية بدولة مستقلة، باعتبار أن هذه المطالب من وجهة نظره تفتقر إلى “جذور حقيقية”، وهو ما يكشف بوضوح عن استراتيجية إنكار الهوية التى تبناها التيار اليمينى الإسرائيلى على امتداد عقود.
ويستغل هذه القراءة الانتقائية للتاريخ ليقول إن إقامة دولة يهودية لم تقم على أنقاض دولة قائمة، بل جاءت لتملأ فراغا سياديا. غير أن هذه الحجة تتجاهل الوجود السكانى والاجتماعى والاقتصادى للفلسطينيين الذين كانوا، رغم غياب الدولة المركزية، يشكلون مجتمعا متماسكا له أرضه وتقاليده ومؤسساته المحلية.
ويتطرق الكتاب إلى محاولات السلام التى جرت منذ اتفاقيات كامب ديفيد فى نهاية السبعينيات حتى مطلع التسعينيات، إذ يحلل نتنياهو اتفاق أوسلو من زاويته الخاصة، ويرى فيه “خطأ استراتيجيا” ارتكبته القيادة الإسرائيلية اليسارية آنذاك، لأنه منح الفلسطينيين اعترافا دوليا وإداريا لم يكونوا ليحصلوا عليه عبر الصراع العسكري.
ويعتبر أن ذلك الاتفاق لم يجلب الأمن لإسرائيل بل فتح الباب أمام مزيد من العمليات التى استهدفت المدنيين، وفق وصفه. وفى هذا السياق يسعى إلى تقديم نفسه كممثل للتيار الحريص على الأمن أولا، ولو على حساب أى تسوية سياسية.
ويولى نتنياهو مساحة بارزة لمناقشة الدور الأمريكى فى الصراع العربى الإسرائيلي، إذ يضع واشنطن فى موقع الحليف الاستراتيجى الذى ينبغى لإسرائيل أن تحافظ على ارتباطه العضوى معها، ليس فقط عبر المصالح المشتركة بل من خلال الخطاب القيمى القائم على “الديمقراطية الغربية”.
ويشير إلى أن اللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة ليس مجرد أداة ضغط، بل امتداد طبيعى للتحالف الحضارى بين إسرائيل وأمريكا، ويذهب أبعد من ذلك ليعتبر أن أى ضعف فى هذه العلاقة يشكل تهديدا مباشرا لبقاء إسرائيل. هذه الرؤية تعكس إدراكا عميقا لنتنياهو بأهمية العامل الأمريكى فى تثبيت أركان مشروعه السياسي.
أما على مستوى العالم العربي، فيصوغ نتنياهو سردية تقوم على ثلاث ركائز: الأولى هى أن الأنظمة العربية غير معنية حقيقة بالسلام، بل تستخدم القضية الفلسطينية كورقة سياسية داخلية وخارجية. والثانية أن الشارع العربى كما يصفه ـ مشبع بثقافة العداء لإسرائيل، ما يجعل أى سلام هشا وقابلا للانهيار. والثالثة أن قوة إسرائيل العسكرية والاقتصادية هى الضامن الوحيد لبقائها فى محيط “معادٍ”.
هذه الركائز الثلاث ليست مجرد توصيف، بل تتحول فى الكتاب إلى برنامج عمل سياسى يحدد أولويات نتنياهو خلال مسيرته اللاحقة، ومن المثير أن نتنياهو لا يكتفى بقراءة الحاضر، بل يخصص فصولا لرسم ملامح المستقبل كما يتصوره، فهو يرى أن السلام الحقيقى لا يمكن أن يتحقق إلا إذا اقتنع العرب بأن إسرائيل حقيقة راسخة لا يمكن تجاوزها أو إسقاطها. ويعنى بذلك أن الشرط المسبق لأى تفاهم هو “الاعتراف الكلى بشرعية إسرائيل”، وهو اعتراف لا يقتصر على الوجود، بل يشمل قبول تعريفها كدولة يهودية. هنا يضع نتنياهو العقبة الأساسية أمام أى مفاوضات، لأنه يشترط من الطرف الآخر أن يسلم بالرواية الصهيونية كاملة قبل الدخول فى تسوية.
وفى تناوله للعلاقة مع الفلسطينيين، يطرح نتنياهو فكرة “الحكم الذاتى الموسع” كبديل عن الدولة المستقلة، ويبرر ذلك باعتبارات أمنية وديموغرافية. فهو يخشى أن تؤدى الدولة الفلسطينية إلى تهديد دائم لإسرائيل سواء عبر الحدود أو عبر عودة اللاجئين.
مقومات الاقتصاد الاسرائيلي
ويمتد الحديث فى الكتاب ليشمل النظرة إلى الاقتصاد الإسرائيلى باعتباره ساحة أخرى للصراع. فيؤكد نتنياهو أن قوة إسرائيل ليست عسكرية فحسب، بل قائمة أيضا على الابتكار العلمى والتكنولوجي، وأن التفوق الاقتصادى هو الضمان لبقاء الدولة فى وجه محيط عربى أكبر عددا وأوسع مساحة. لذلك يدعو إلى سياسات ليبرالية جديدة تقوم على تشجيع الاستثمار، تقليص دور الدولة فى الاقتصاد، وتعزيز الشراكة مع الأسواق الغربية. وهذه الرؤية كانت بالفعل مقدمة لبرنامجه الاقتصادى الذى نفذه حين تولى وزارة المالية فى مطلع الألفية، والذى ترك بصمته على شكل الاقتصاد الإسرائيلى المعاصر.
ويستفيض المؤلف فى استدعاء التاريخ اليهودى الطويل ليضفى على أطروحاته بعدا حضاريا وروحيا، فيذكر بمآسى الشتات والاضطهاد الأوروبى ومعاناة اليهود عبر القرون، ليجعل من إقامة إسرائيل تتويجا لتجربة جماعية فريدة. لكنه يوظف هذه السردية التاريخية لتبرير سياسات معاصرة، فيربط بين معاداة السامية الأوروبية القديمة وبين رفض العرب لإسرائيل، ليصل إلى نتيجة مفادها أن الصراع ليس سياسيا فقط بل جذوره أعمق، ما يعنى وفق منطقه ـ أن الحل لا يكمن فى التنازلات بل فى تعزيز القوة والردع.
هذا الخطاب يضع القارئ أمام مزيج من التاريخ والسياسة والأيديولوجيا، حيث يتقاطع فيه الدفاع عن المشروع الصهيونى مع رسم ملامح استراتيجية طويلة الأمد. وفى حين يقدم نفسه باعتباره حاميا لأمن إسرائيل، فإنه يغفل تماما الحقوق التاريخية والقانونية للشعب الفلسطيني، ويختزلهم فى إطار ديموغرافى يهدد مستقبل الدولة العبرية. وهنا تتجلى خطورة الكتاب، ليس فقط فى أفكاره، بل فى كونه يعكس ذهنية تيار كامل داخل إسرائيل لا يزال حتى اليوم يمسك بزمام السلطة ويؤثر فى صناعة القرار.
فى السياق الذى يحاول فيه نتنياهو أن يرسخ مقولاته كمسلمات لا جدال فيها، يتعمد أن يرسم صورة الفلسطينى على أنه مشكلة دائمة بلا حلول، وأن يقنع القارئ بأن التنازل أمام هذه “المشكلة” يعنى نهاية المشروع الصهيونى برمته. ولذلك فإن الخطاب فى الكتاب لا يتوقف عند حدود التحليل السياسي، بل ينزلق إلى مستوى أيديولوجى صريح، حيث يقدم الرواية الإسرائيلية على أنها الحقيقة الوحيدة الممكنة، بينما يختزل الرواية الفلسطينية فى صورة “إنكار للتاريخ” أو “دعاية معادية”. هذا الطرح لم يكن غريبا فى سياق الفكر اليمينى الإسرائيلى الذى تربى فيه نتنياهو، لكنه فى الكتاب يأخذ طابعا ممنهجا، أقرب إلى ما يشبه “مانيفستو” أيديولوجي، يهدف إلى توجيه الرأى العام الغربى تحديدًا نحو قناعة أن إسرائيل هى الطرف المهدد لا المهدّد، وهى الضحية لا المعتدي.
ولعل من أبرز الملامح التى تكشف هذه الرؤية أن نتنياهو يخصص فصولًا مطولة لتأكيد أن فكرة “الانسحاب” أو “إقامة دولة فلسطينية” ليست سوى أوهام سياسية ستقود إلى تفكك إسرائيل وتعرضها لما يصفه بـ”الخطر الوجودي”. فهو يرى أن أى دولة فلسطينية فى الضفة الغربية أو غزة ستكون مجرد قاعدة متقدمة لقوى معادية، وأنها ستفتح الباب أمام استمرار العداء العربى ضد إسرائيل. بهذا الخطاب يتجاهل تماما أى اعتراف بالحقوق الوطنية للفلسطينيين، ويضع القارئ أمام خيارين لا ثالث لهما، إما القبول بالرواية الصهيونية كما هي، أو الوقوع فى فخ ما يسميه بـ”التهديد الاستراتيجي”.
فى هذا الإطار أيضا يتناول نتنياهو ما يسميه “الازدواجية الدولية”، فينتقد المؤسسات الغربية والأمم المتحدة التى تدين إسرائيل بسبب سياساتها فى الأراضى المحتلة، بينما تتغاضى - بحسب زعمه - عن أنظمة استبدادية فى مناطق أخرى من العالم.
ومن زاوية أخرى، يحاول نتنياهو أن يعيد قراءة التاريخ اليهودى كله عبر عدسة المشروع الصهيوني. فهو يربط بين المآسى التى تعرض لها اليهود فى أوروبا، من مذابح القرون الوسطى إلى الهولوكوست، وبين ضرورة وجود إسرائيل كملاذ آمن وحيد. ورغم أن هذه الفكرة تكررت كثيرا فى الأدبيات الصهيونية، فإن نتنياهو يوظفها بطريقة مباشرة فى تبرير كل سياسة إسرائيلية، حتى وإن كانت تتناقض مع القانون الدولي. فالهولوكوست بالنسبة له ليس فقط مأساة تاريخية، بل هو مبرر دائم لكل ما تفعله إسرائيل، من بناء المستوطنات إلى خنق المدن الفلسطينية. وهنا تبرز الإشكالية الكبرى، إذ يتحول التاريخ إلى أداة سياسية حية يستدعى فى كل مرة لتبرير الحاضر والمستقبل.
ويمتد نتنياهو فى كتابه إلى الحديث عما يسميه “الخطر الإسلامى العالمي”. فهو يضع حركات المقاومة الفلسطينية ضمن إطار أوسع، يعتبره تهديدا للحضارة الغربية برمتها. فى هذا السياق، يستخدم لغة تضع الصراع الإسرائيلى فى صدارة الحرب الفكرية بين الغرب والإسلام السياسي. وبذلك، يحاول ربط المعركة المحلية فى غزة أو الضفة الغربية بمصالح واشنطن ولندن وباريس، لتبدو إسرائيل كأنها الحصن الأمامى للغرب فى مواجهة هذا الخطر الموصوف.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
