رئيس التحرير
عصام كامل

فساد في وسط القاهرة (مستندات).. وزراء ومحافظون عجزوا عن مواجهة مافيا مول البستان خلال 10 سنوات.. إهدار 712 مليون جنيه.. الأباطرة يتحدون أحكام القضاء.. واستغاثات من الشركة المسؤولة برئيس الوزراء

مول البستان
مول البستان
18 حجم الخط

إذا كنت من مرتادي منطقة وسط البلد، فإنك حتمًا تعرف مول البستان، ذلك الصرح التجاري الشهير المكون من عشر طوابق واسعة تضم عشرات المحلات التجارية المتخصصة فى صيانة وتجارة الأجهزة الإليكترونية، ولعلك ابتعت منه جهاز كمبيوتر أو لاب توب.. وإذا كنت من أصحاب السيارات فمن المرجح أنك لجأت إلى جراجه متعدد الطوابق لركن سيارتك.. ولكنك قد لا تدرك أن هذا المبنى الذى يقف شامخا وشاهدا على حركة التجارة فى منطقة وسط البلد، تحول إلى مسرح لواحدة من أغرب قضايا الفساد وإهدار المال العام..

الحكاية بدأت بفوز الشركة الذهبية جروب للاستثمار العقاري، بحق إدارة وتشغيل المول والجراج لمدة عشر سنوات، من خلال مزاد علنى قانوني، إلا أن الشركة وجدت نفسها فى مواجهة محتدمة مع حصون من الفساد والتعنت الإداري، وبدلا من أن تدخل المول وتبدأ فى تطويره وتشغيله، دخلت أروقة المحاكم بحثا عن حقوقها، وحصلت على أحكام نهائية بتمكينها من المول، ولكن هذه الأحكام ظلت حبرا على ورق.

لجأت الشركة إلى جميع المسئولين فى الهيئات ذات الصلة، ومن بينهم 3 محافظين للقاهرة، ووزيران للأوقاف، وقدمت المئات من الأوراق والمستندات الصحيحة التى تؤكد أحقيتها فى استلام المول وإدارته، إلا أن كل هؤلاء لم ينجحوا فى تمكينهم من المول وتشغيله.. وهنا يبرز السؤال الأهم: من يملك القوة ليتحدى القضاء وكل المسئولين ويهدر أكثر من 700 مليون جنيه من أموال الدولة على مدار عشر سنوات كاملة دون حساب؟

مزاد قانونى يتحول إلى كابوس

قضية فساد مول البستان عمرها الآن عشر سنوات و5 أشهر وبضعة أيام، فقد بدأ فصلها الأول فى 18 مارس عام 2015، عندما انتهى عقد الشركة مستغلة المول وقتها، وأعلنت محافظة القاهرة بصفتها صاحبة حق إدارة المول المملوك فى الأساس لوزارة الأوقاف، عن مزاد علنى لتأجيره لمدة 10 سنوات قادمة، وتنافست فى المزاد الذى أقيم فى 26 نوفمبر 2015، عدة شركات من بينها “الشركة الذهبية جروب للاستثمار العقاري”، والتى رسى عليها المزاد باعتبارها صاحبة أكبر عطاء لقيمة إيجارية وقدره 36 مليونا و300 ألف جنيه سنويا.. التزمت الشركة الذهبية بدفع كافة المبالغ المستحقة عليها وأنهت الإجراءات الإدارية الخاصة بها تمهيدا لتسلم المول.. ثم تلقت الشركة إخطارا من سكرتير عام محافظة القاهرة وقتها، بالحضور يوم 10 مارس 2016 مع موظفى الشركة، لاستلام المول من اللجنة المشكلة من محافظة القاهرة برئاسة السكرتير العام.. إلى هنا والأمور تسير بصورة طبيعية وقانونية، غير أن مستأجرى المحلات رفضوا التسليم وافتعلوا مشاجرات عنيفة مع مسئولى الشركة الذهبية ولجنة محافظة القاهرة ولم يتم تسليم المول فى ذلك اليوم.. وعندما علم محافظ القاهرة وقتئذ الدكتور جلال السعيد، أصدر قرارا فى ذات اليوم حمل رقم 2488 بإخلاء المول بالطريق الإدارى وتسليمه للشركة التى رسى عليها المزاد، إلا أن الامور انقلبت رأسا على عقب بعد أن وقع الاختيار على الدكتور جلال السعيد ليكون وزيرا للنقل وترك منصبه كمحافظ للقاهرة.

رحيل المحافظ يفتح أبواب التلاعب

مع مغادرة المحافظ جلال السعيد لمنصبه، بدأ الفصل الثانى لقضية فساد مول البستان الشهير بمنطقة وسط البلد، فقد ظلت المحافظة بلا محافظ لمدة تزيد على 5 أشهر، تولى خلالها نائب المحافظ للمنطقة الشرقية مهمة القائم بأعمال المحافظ، وهنا سنحت الفرصة لمستغل المول السابق كى يتواطأ مع مسئولى الإيرادات والأملاك والتعاقدات بالمحافظة، بحيث يظل مستغلا ومسيطرا على المول بالمخالفة للقانون.. وفى سبيل تحقيق ذلك تلاعبوا فى الأوراق والمستندات المقدمة من الشركة الذهبية، وزعموا أن هناك مخالفات شابت المزاد الذى رسى على الشركة، وادعوا على غير الحقيقة أن الشركة الذهبية لم تقدم سابقة أعمال أو مستندات تؤكد خبرتها فى مجال إدارة المولات، كل ذلك على الرغم من أن السجل التجارى للشركة هو الوحيد من بين السجلات التجارية لباقى الشركات التى دخلت المزاد، المثبت به بند واضح وصريح ينص على تخصصها فى إدارة وتشغيل المولات والمحلات التجارية الكبرى.. وبعد أن تلاعب المسئولون المشار إليهم فى الأوراق، قدموا مذكرة إلى القائم بأعمال محافظ القاهرة، طلبوا فيها إلغاء المزاد، على الرغم من أنه ليس من اختصاصه إلغاء مزاد بعد اعتماده من الجهة المختصة.. هذا الإجراء غير القانونى جاء بعد أن أعدت الشركة الذهبية كافة المخططات والدراسات والرسومات الهندسية لتطوير المول، وبعد أن اتفقت مع وكلاء شركات عالمية للتواجد والاستثمار داخل المول الذى يحظى بموقع استراتيجى مميز وسط العاصمة.

قرار فض المنازعات وأحكام القضاء.. حبر على ورق

ووفقا لتسلسل الأحداث فى تلك القضية الغريبة، فقد قرر مسئولو الشركة الذهبية للاستثمار العقاري، عدم الاستسلام وواصلوا رحلتهم الشاقة للحصول على حقوقهم وفقا للقانون، ومن هنا بدأ الفصل الثالث من القضية، حيث توجهوا إلى لجنة فض منازعات الاستثمار، وقدموا لها كافة الأوراق والمستندات التى تثبت صحة موقفهم القانوني، وأن الشركة الذهبية هى صاحبة الحق فى تولى إدارة وتشغيل مول البستان لعشر سنوات مقبلة، بعد أن حصلت على هذا الحق من خلال مزاد علنى قانوني.. وطالبوا بسرعة تسليمهم المبنى خاليا للبدء الفورى فى تشغيله ووقف نزيف الخسائر اليومية الضخمة، والأموال الطائلة المهدرة والضائعة على خزينة الدولة.. وبتاريخ 10 ديسمبر 2017، صدر قرار اللجنة الفنية لفض منازعات الاستثمار، بإلزام محافظ القاهرة بتسليم مبنى المول كاملا إلى الشركة الذهبية، وهو القرار الذى تمت الموافقة عليه من قبل مجلس الوزراء، وأيضا تعنت مسئولو محافظة القاهرة وامتنعوا عن تسليم المول، بحجج واهية غرضها تعطيل التسليم لحين اتخاذ إجراءات مخالفة أخرى تمنع تسليم المول للشركة الذهبية نهائيا، ضاربين عرض الحائط بنزيف وإهدار المال العام المتمثل فى قيمة الإيجارات الشهرية بداية من عام 2015 وحتى الآن، أمام كل هذا التعنت الذى أضاع حقوقهم وعطلهم لسنوات، قرر مسئولو الشركة الذهبية جروب للاستثمار العقاري، اللجوء للقضاء المصرى للحصول على حقوقهم، وفى عام 2018 أقاموا دعوى قضائية أمام المحكمة الإدارية العليا، ضد مسئولى محافظة القاهرة، وتم تداول الدعوى فى جلسات عديدة إلى أن أصدرت المحكمة حكما بإلزام المحافظة بتسليم مول البستان إلى الشركة الذهبية، وتم تنزيل هذا الحكم بالصيغة التنفيذية أى أنه أصبح واجب النفاذ، إلا أنها ظلت حبرا على ورق.

مزاد مشبوه يتحدى القانون

ويبدو أن مسئولى محافظة القاهرة فى ذلك الوقت، لم يعتدوا بحكم المحكمة البات والنهائي، فواصلوا تعنتهم غير المبرر وامتنعوا عن تنفيذ الحكم فى تحد صارخ للقضاء المصرى الشامخ، ولم يكتفوا بذلك بل واصلوا ألاعيبهم ومخالفاتهم ليكتبوا الفصل الرابع من هذه القضية، وهذه المرة أعلنوا عن مزاد جديد لتأجير مول وجراج البستان بالمخالفة للقانون ورغم علمهم بصحة موقف الشركة الذهبية وأحقيتها فى استلام المول منذ سنوات، ودفعوا بأحد مستأجرى المحلات من الموالين للمشغل السابق للمول، وتمت ترسية المزاد غير القانونى عليه فى شهر أبريل عام 2021، وسلموه المول فى يوليو من نفس العام.. ومن المفارقات المثيرة فى هذا الشأن، أن المزاد الوهمى أجرى تحت إشراف ورعاية السكرتير العام لمحافظة القاهرة آنذاك، وكذلك مديرة الأملاك فى ذلك التوقيت.. ومن عجائب وغرائب هذه القضية أيضا أن الشركة الذهبية ما زالت حتى الآن تدفع قيمة خطاب الضمان الذى يتم تجديده سنويا باعتبارها صاحبة الحق الشرعى فى إدارة المول، وهذا الخطاب تم تجديده مؤخرا حتى عام 2026، ولأن القائمين على الشركة الذهبية لديهم يقين تام بأحقيتهم فى استلام المول، فقد لجأوا إلى القضاء مرة أخرى، وأقاموا دعوى أمام محكمة القضاء الإدارى طالبوا فيها ببطلان إجراءات المزاد غير القانونى الذى أقيم فى 2021، وحصلوا على حكم ببطلان هذا المزاد الذى لم يوقع على إجراءاته سوى مديرة الأملاك المحبوسة حاليا، وموظفة فى الشئون القانونية، ما يؤكد صحة موقف الشركة الذهبية القانوني.

دعاوى عزل وحبس المحافظ

لم تنته فصول تلك القضية عند هذا الحد، فقد واصل مسئولو الشركة الذهبية نضالهم من أجل الحصول على حقوقهم وفقا للقانون، وفى الفصل الخامس من فصول القضية سعوا بكل قوتهم لتنفيذ أحكام القضاء التى حصلوا عليها بتمكينهم من مول البستان، فأرسلوا إنذارات إلى محافظة القاهرة طالبين سرعة تنفيذ تلك الأحكام، وأيضا واصلت إدارة الشئون القانونية تعنتها وقدمت استشكالات لوقف التنفيذ لكسب مزيد من الوقت، ليتواصل نزيف المال العام وإهداره بصفة يومية، وعندما رفض القضاء كل تلك الاستشكالات، أقامت الشركة الذهبية دعاوى قضائية ضد محافظ القاهرة بصفته لامتناعه عن تنفيذ أحكام القضاء وطالبت فى تلك الدعاوى بتطبيق القانون على المحافظ باعتباره مسئولا تنفيذيا، والذى يقضى بعزله من منصبه وحبسه لامتناعه عن تنفيذ أحكام القضاء.

الفتوى والتشريع بمجلس الدولة تنصف أصحاب الحق

وفى الفصل الأخير من هذه القضية أرسلت الشئون القانونية بمحافظة القاهرة، ومسئول الأملاك والمحلات خطابا إلى اللجنة الفنية للفتوى والتشريع بمجلس الدولة، للحصول على فتوى قانونية تؤكد استحالة تنفيذ الأحكام الصادرة لصالح الشركة الذهبية جروب للاستثمار العقاري، غير أن لجنة الفتوى والتشريع صدمت مسئولى المحافظة، وأرسلت ردها القاطع إلى محافظ القاهرة بتاريخ 10 أغسطس 2024، والذى يلزم المحافظ بتنفيذ أحكام القضاء، وتسليم مول البستان إلى الشركة الذهبية، وكما حدث فى المرات السابقة، امتنعت المحافظة عن تنفيذ الأحكام، وتركت المول فى حوزة مندوب الشركة التى رسى عليها المزاد الباطل والملغى بحكم محكمة، والذى يرتكب مخالفات جسيمة، ويحصل أموالا طائلة دون وجه تقدر بنحو 300 مليون جنيه، تحت سمع وبصر مسئولى محافظة القاهرة.

استغاثات لرئيس مجلس الوزراء

بعد كل هذه السنوات وإهدار مئات الملايين من أموال الدولة والتى تقدر بنحو 712 مليون جنيه على مدار 10 سنوات كان من المفترض أن تصل وزارة الأوقاف باعتبارها مالكة المول، والتى لم تتعامل مع القضية بالطريقة المناسبة. لم يجد مسئولو الشركة الذهبية أمامهم سوى اللجوء إلى رئيس مجلس الوزراء، ووزيرى الأوقاف والتنمية المحلية وقدموا لهم استغاثات مدعومة بالمستندات، طالبوا فيها بإنصافهم وتمكينهم من مول البستان والجراج الخاص به، وهو حقهم القانوني، واتخاذ ما يلزم لوقف نزيف المال العام.. وبعدها فوجئوا بسكرتير عام محافظة القاهرة فى أول يونيو 2025 يطلب منهم الحضور إلى المحافظة ومعهم كافة الأوراق والمستندات، فذهبوا وعقدوا اجتماعا موسعا ومطولا فى حضور مسئولى الأملاك والشئون القانونية والإيرادات، وانتهى الاجتماع بالاتفاق على تسليم المول إلى الشركة الذهبية خلال أسبوعين على الأكثر، وهو ما لم يحدث حتى الآن رغم مرور أكثر من شهرين، بل بدأ المسئولون يتهربون من الرد أو مقابلة مسئولى الشركة.

وفى النهاية يتساءل القائمون على الشركة الذهبية: بعد مرور 10 سنوات من حصولهم بشكل شرعى على حق إدارة مول البستان.. ماذ يفعلون حتى يتسلموه ويشرعون فى العمل.. لجأوا لكل المسئولين.. وإلى كافة الوزراء المعنيين.. حصلوا على أحكام قضائية باتة ونهائية.. استغاثوا برئيس مجلس الوزراء.. وكل ذلك لم يشفع لهم عند محافظة القاهرة.. فماذا هم فاعلون؟

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية