رئيس التحرير
عصام كامل

صنع الله إبراهيم.. ملحمة أدبية عابرة للزمان.. أعماله ليست مجرد نصوص إبداعية ولكنها وثائق حية تسجل التحولات السياسية والاجتماعية

صنع الله إبراهيم
صنع الله إبراهيم
18 حجم الخط

لم يكن صنع الله إبراهيم يومًا كاتبًا يسعى إلى التصفيق، ولا مثقفًا يلهث وراء الأضواء، بل كان قبل كل شيء إنسانًا يحمل فى قلبه قلقًا صادقًا على الوطن، وحلمًا لم يخفت بمرور السنوات، عاش حياته على الحافة، متمسكًا بضميره، لا يهادن ولا يساوم، وفى كل مرة أبدع فيها بالكتابة، كنا نسمع عبر كلماته صوتًا لا يشبه إلا نفسه.

ففى زحام عالم الأدب، كان صوت صنع الله مميزًا، مختلفًا، لا يكتب بالحبر فقط، بل بروحٍ متمردة، فهو رجلٌ لم يساير التيار، بل اختار طواعية أن يسير عكسه، فقدم أدبًا بطابعٍ فريد ومذاقٍ خاص، فاستحق أن تكون أعماله موضوعًا للقراءة والتأمل، كما استحق أن تتصف رحلته بـ”الاستثنائية”، تلك الرحلة التى بدأت فى أحد أحياء القاهرة، وبالتحديد فى 24 فبراير عام 1937 داخل أحد البيوت المصرية التقليدية، حينما كان هناك أب ينتظر مولودًا جديدًا، فقرر فى لحظة روحانية خاصة أن يصلى صلاة استخارة لاختيار اسم مناسب، ثم فتح القرآن الكريم ووضع إصبعه على آية بسورة النمل والتى تقول: “صنع الله الذى أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون” ليأتى له الإلهام بأن يطلق على صغيره اسمًا فريدًا وهو “صنع الله” ذلك الاسم الذى لم يكن سوى مقدمة لمسيرة حياة مميزة لرجل مختلف.

كان الأب هو البوابة الأولى التى دخل منها صنع الله إلى عالم الكتب، فقد كان يغذيه بالمعرفة كما كان يغذيه بالحب، ويزرع فيه بذور الفضول وحب القراءة والاطلاع، وساهم فى تكوين شخصيته الفكرية والأدبية، وحينما اشتد عوده وأصبح شابًا يافعًا التحق صنع الله بكلية الحقوق ولكنه انصرف عن دراستها واهتم أكثر بالكتابة والسياسة، ولقد كان يميل إلى الفكر اليساري، وكاد أن ينضم إلى الحزب الاشتراكى عام 1954، لكن اختلاف الرؤى دفعه للالتحاق بمنظمة الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى “حدتو”، وبعد انضمامه للمنظمة بـ 5 سنوات تم اعتقاله عام 1959 ضمن الحملة التى تم شنها على الشيوعيين والماركسيين آنذاك، وتم سجنه فى سجن الواحات، حيث قضى خمس سنوات من حياته.

فى السجن وُلد الكاتب الحقيقى داخل صنع الله إبراهيم حيث كتب هناك ملاحظاته الأولى، وبدأت تتشكل ملامح مشروعه الأدبي، ثم خرج من السجن مشبعًا بالمرارة ومثقلًا بالحكايات، لكنه لم يتخل عن حلم الكتابة، لذا فقد عمل فى وكالة أنباء الشرق الأوسط عام 1967، وفى نفس العام أصدر عمله الأدبى الأول “تلك الرائحة”، التى قدم لها الكاتب الكبير يوسف إدريس قائلًا: “إن تلك الرائحة ليست مجرد قصة، ولكنها ثورة، وأولها ثورة فنان على نفسه… وهى ليست نهاية، ولكنها بداية أصيلة لموهبة أصيلة”، حيث كانت “تلك الرائحة” متجاوزة للقوالب التقليدية، وبمثابة إعلان عن ولادة كاتب جديد يكتب خارج السائد.

فى عام 1968، سافر صنع الله إلى برلين الشرقية للعمل بوكالة الأنباء الألمانية لمدة 3 سنوات، بعدها انتقل إلى موسكو حيث درس التصوير السينمائي، وعاش هناك ثلاث سنوات، قبل أن يعود إلى مصر عام 1974 ليعمل فى إحدى دور النشر، وبعدها يقرر التفرغ الكامل للكتابة منذ عام 1975.

لم تكن أعماله مجرد نصوص أدبية، بل وثائق حية تسجل التحولات السياسية والاجتماعية، كما أنه كتب عن القمع، والسجون، عن المرأة، والعزلة، والغربة، والاحتلال، والانفتاح، والفقر، وكان دائمًا صوتًا منحازًا للناس وللحقيقة.

ولقد كانت إبداعاته متعددة ومتنوعة، ومن أبرز ما ألف صنع الله إبراهيم: إنسان السد العالي، ونجمة أغسطس، ووردة، وأمريكانلي، والتلصص، والعمامة والقبعة، والقانون الفرنسي، والجليد، وبرلين 69، ورواية 1970، وبيروت بيروت التى قدم فيها صنع الله إبراهيم صورة لبيروت إبان الحرب الأهلية اللبنانية، ويوميات الواحات، ورواية ذات التى رصد فيها حياة المرأة فى مصر عبر عقود من التحولات الاجتماعية، ورواية شرف التى تنتمى لأدب السجون والتى تحتل المركز الثالث فى قائمة أفضل مائة رواية عربية، كما أن لصنع الله إبراهيم أيضًا تجربة فى كتابة السيناريو، حيث شارك فى كتابة فيلم القلعة الخامسة عام 1979 وهو عمل سورى من إخراج بلال الصابونى وبطولة نادين خورى وعبد الفتاح المزين، كما تم تحويل روايته ذات إلى مسلسل تلفزيونى ناجح بعنوان بنت اسمها ذات عام 2013 وكان المسلسل من بطولة نيللى كريم وباسم سمرة وإخراج كاملة أبو ذكري.

نال صنع الله عدة جوائز رفيعة، منها جائزة غالب هلسا من اتحاد الكتاب الأردنيين عام 1992، كما حصل على جائزة أفضل رواية مصرية عام 1998 عن روايته الشهيرة “شرف”، وجائزة ابن رشد للفكر الحر عام 2004، وجائزة كفافيس عام 2017، وتُرجمت أعماله إلى لغات عدة.

لكن مسيرته لا تُختزل فى مؤلفاته فحسب، بل فى مواقفه اللافتة، وأشهرها ما حدث مساء الأربعاء 22 أكتوبر 2003، حينما امتلأ المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية بالمثقفين والضيوف، وتصاعد التصفيق عندما أُعلِن صُنع الله إبراهيم فائزًا بجائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائى التى يمنحها المجلس الأعلى للثقافة، فقد بدأ حينها كل شيء مرتبًا، وصعد الروائى إلى المنصة وسط تصفيق حار، لكن المفاجأة كانت فى الكلمة التى ألقاها، حيث وجه نقدًا لاذعًا للوضعين العربى والمصرى آنذاك تجاه القضية الفلسطينية وتدهور الثقافة والتعليم، وفى ختام كلمته غير المتوقعة، فاجأ الجميع برفضه للجائزة التى كانت تبلغ قيمتها المالية 100 ألف جنيه.

ومؤخرًا، عاد اسم صنع الله إبراهيم إلى الواجهة من جديد، ليس بسبب عمل إبداعى حديث، بل إثر تعرضه لأزمة صحية، حيث أصيب بكسر فى عنق عظمة الفخذ الأيمن وهى إصابة تطلبت تدخلا جراحيا عاجلا بمستشفى معهد ناصر الحكومي، ولقد هب الوسط الثقافى للاطمئنان عليه، ووقف إلى جانبه الجميع من وزارة الثقافة، ووزارة الصحة، حتى أن رئاسة الجمهورية تابعت حالته ووجهت بعلاجه،  كشفت أزمته الصحية تلك عن موجة حب واحترام فى قلوب الكثيرين تجاه هذا الأديب الذى سيعود بعد فترة النقاهة ليستكمل رحلته مع القلم، وليواصل ما بدأه منذ عقود فى التأثير بكلماته وترك بصمته الفريدة فى وجدان محبيه بمصر والوطن العربي.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية