رئيس التحرير
عصام كامل

سلفية المناطق الرمادية.. السلفيون حولوا الإسلام لـ «كتيِّب تعليمات» وأغلقوا أبواب العقل وألغوا الاجتهاد.. لا يرون الخلاف الفقهى مجالا للاختلاف المشروع ويعتبرون المختلفين معهم مبتدعين وضالين

الدعوة السلفية
الدعوة السلفية
18 حجم الخط

منذ اللحظة الأولى التى قررت فيها الدعوة السلفية أن تخلع عباءة الزهد فى السلطة ودخلت الميدان السياسي، لم يكن الهدف الواضح هو التغيير ولا حتى المشاركة، فالسلفيون لم يأتوا للسياسة ليكونوا جزءًا منها، بل ليعيدوا تشكيلها وفق منطق «الاستثناء الشرعي» أو ما يعرف بالعامية المصرية «الحضور الرمادي».  ولأن السلفية لا تلعب السياسة وفق قواعدها، فتح الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية النار على الفكرة التى يمثلها، بعد أن دخل ـ متأخرًا بعام كامل ـ على الخط فى أزمة غزة، وحمّل المقاومة ثمن ما يحدث من تدمير ممنهج منذ أكتر من عام كامل.

وفات على الرجل مراعاة التهاب المشاعر والكبرياء العربى بسبب الانتهاكات المستمرة، والقتل على الهوية الذى يمارسه الاحتلال، ولم يفرق بين امرأة وطفل وشيخ، بل طال الانتقام الصهيونى الضفة الغربية، البعيدة كل بعد عن مسرح الأحداث.

والسؤال الذى يفرض نفسه: لماذا تفضل السلفية البقاء فى المناطق الرمادية، وماذا قدمت أصلا منذ ظهورها حتى الآن، على جميع المستويات: الدينية والسياسية والاجتماعية وغيرها، حتى ينتظر الجمهور منها ما هو مختلف؟

 

يؤسس التيار السلفى فهمه للإسلام على قاعدة العودة إلى ما كان عليه السلف الصالح، وهى عبارة كثيرًا ما تتكرر فى كتبهم ومجالسهم وخطبهم، دون تحديد واضح لمن هم السلف، أو كيف يمكن تطبيق فهمهم فى ظروف متغيرة، وهذه المقولة التى تبدو من الوهلة الأولى دعوة إلى الإسلام الأول الذى كان فى عهد النبى محمد، لكنها ترجمت إلى رؤية جامدة، تقصى الاجتهاد، وتضع النص فى مواجهة الواقع، بدلًا من إدماجه فيه.

يكشف ملامح هذه الأزمة، كتاب معالم المنهج السلفى للدكتور ياسر برهامي، أحد أبرز منظرى التيار، حيث يرى نائب رئيس الدعوة السلفية أن الإسلام الصحيح هو اتباع الكتاب والسنة بفهم الصحابة وتابعيهم دون تأويل أو تعطيل، وبهذا المعنى، يصبح كل فهم مخالف لفهم الجيل الأول مرفوضًا، حتى لو اقتضته تطورات العصر أو ضرورات الحياة.

وهذا الفهم المنغلق، يقدم كطريق وحيد للخلاص، ويربط بالتقوى والنجاة، فيما يتم تصوير غيره كابتداع وضلال، وهذا ما يؤكده أيضًا الدكتور محمد إسماعيل المقدم أحد مؤسسى الدعوة السلفية الكبار بالإسكندرية، فى سلسلة شرح العقيدة الطحاوية، حيث يقول: “الانحراف فى فهم الدين يبدأ بتقديم العقل على النقل، وهذه أولى خطوات الهلاك”.

هذه النظرة لأهم رموز السلفية تختزل الإسلام فى أفعال شكلية، وتقفز على مقاصده الكبرى، فالعقل السلفى لا يقبل فكرة المقاصد الشرعية إلا فى إطار ضيق، حيث يعلى من ظاهر النص على روحه ليصبح الدين عند السلفيين منظومة من الأوامر والنواهي، لا مساحة فيها للاجتهاد الإنساني.

طبيعة الخطاب الدينى السلفي

الخطاب الدينى السلفى قائم فى جوهره على التحذير والتخويف، وليس على التفسير أو التنوير، لذا يعادى التجديد ويجرم الاجتهاد وخاصة فى ظل تصنيف المجتمع إلى فئتين، أهل السنة، وأهل البدعة، وهذا التصنيف ينعكس على اللغة المستخدمة داخل الخطب والدروس السلفية، حيث تتكرر عبارات مثل احذر من فلان فإنه مبتدع، ومن أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، ويؤكد على ذلك كتب مثل القول المفيد لابن عثيمين وشرح السنة للبربهاري، والتى يعتمد عليها السلفيون كمراجع مركزية.

كما يظهر هذا الخطاب بوضوح أكثر على أرض الواقع فى مواقع ذائعة الصيت مثل “صوت السلف” الذى يديره الشيخ ياسر برهامي، والذى ينقل الفتاوى السلفية يوميًا، وكلها تركز على قضايا شكلية مثل حكم حلق اللحية، أو زيارة الكنائس، أو المصافحة بين الجنسين، مع غياب لافت لأى معالجة لملفات الفقر، أو العدالة الاجتماعية أو غيرهما من القضايا التى تمس الناس.

من السلف الصالح.. لـ  «السلف الصالح وحده»

من المشكلات المعقدة أيضا فى الخطاب السلفي، تحويل السلف الصالح إلى نموذج مقدس، وكل محاولة لفهم جديد، حتى لو انطلقت من القرآن نفسه “مرفوضة” إذا لم تروَ عن الأوائل، فالسلفية فى جوهرها لا تؤمن بفكرة التعلم، بل بالتلقين.

والسلفى حسب ما هو معروف عنه، لا يسأل عن رأيه، بل عن مشايخه، والمعرفة بالنسبة للعقلية السلفية سلسلة من المصطلحات والكتب والأسانيد، والطالب الجيد فى المدرسة السلفية هو من يحفظ جيدًا ويشك فى كل ما هو خارج المنهج، بل إن بعض المراجع السلفية تعتبر أن القراءة لغير علماء المنهج خطرا على العقيدة، وتضع قوائم كتب لا يجوز قراءتها إلا بعد “التمكين العلمي”!

وهم الفرقة الناجية

ربما لا يوجد مفهوم تم استهلاكه وتضخيمه فى أدبيات التيار السلفى مثل “الفرقة الناجية”، فالسلفيون يرون أنفسهم الورثة الشرعيين للإسلام الصحيح، بينما الآخرون، حتى من أهل السنة، مشبوهون فى عقيدتهم، أو على الأقل ناقصو الفهم.

وهذا التصنيف العقيدى تتحول فيه كل مساحة للاختلاف إلى معركة تصنيف وتبديع، ويصبح الانتماء للمنهج أهم من الانتماء للأمة، ومن هنا يأتى التبرير الدائم للمواقف التى يتخذها كبار الحزب والدعوة تحت مظلة “درء الفتنة” أو “سد الذرائع”، وكأن كل رفض أو معارضة لأرائهم هى فتنة بالضرورة.

المرأة.. الكائن الغائب

فى العقل السلفي، لا تمثل المرأة نصف المجتمع، بل نصف الفتنة، كائن يجب تحجيمه، تغطيته، مراقبته، ولا حديث عن تمكين المرأة، أو مشاركتها، أو استقلالها، بل إن بعض شيوخهم ما زالوا يرفضون أن تلقى المرأة السلام على الرجال، أو تظهر فى وسائل الإعلام، أو تدرس التخصصات “غير المناسبة”.

ورغم أن الواقع أثبت أن المجتمعات تنهض بمشاركة المرأة، إلا أن التيار السلفى لا يزال يتعامل معها ككائن مشكوك فى نواياه، محتاج دائمًا للضبط والتقويم.

البرجماتية الدينية عند السلفيين

رغم الصرامة التى يتسم بها الخطاب السلفي، إلا أن التيار أظهر مرونة لافتة عند نزوله إلى المجال العام بعد ثورة 25 يناير، التى كانت السلفية قبلها تعتبر السياسة “فتنة”، حتى ظهر حزب النور السلفى بقوة فى الانتخابات البرلمانية التى أعقبت رحيل الرئيس الأسبق حسنى مبارك وحقق مفاجأة سياسية لم تكن متوقعة.

وهذا التحول من العزوف إلى المشاركة لم يتم التنظير له دينيًا بشكل واضح، بل تم تبريره لاحقًا بقاعدة “جلب المصالح ودرء المفاسد”، وهى القاعدة التى لم تكن تستخدم كثيرًا فى أدبيات التيار قبل الثورة.

لكن مع مرور الوقت، بدأت الفتاوى تتغير، واللغة الدينية تعاد تشكيلها، ففى حين كانت التهنئة بالأعياد المسيحية محرمة عند معظم مشايخ الدعوة السلفية، استخدم ياسر برهامى مؤخرًا عبارات تدعو لعدم إثارة الفتن فى المجتمع، وهذا التدرج البراجماتى يعكس قدرة التيار على المناورة وهو ما يجعل خطابه متناقضًا فى أحيان كثيرة.

تشريح العقل السلفي

العقل السلفى  يتسم بخصائص أربع رئيسية: النصية، القطعية، التبجيلية، والانكفائية، والنصية تعنى تقديم النقل على العقل بشكل مطلق، فلا مكان عند السلف للجدل العقلى أو النقاش المنطقى أمام حديث ينسب للنبى أو أثر يروى عن أحد الصحابة، حتى ولو كانت دلالته محل خلاف فقهي، وهذا ما يجعل الخطاب السلفى يبدو مكررًا، لا يتطور، ولا يتفاعل مع الأسئلة الجديدة.

والقطعية هى الإصرار على امتلاك الحقيقة المطلقة فى كل مسألة، دينية كانت أو دنيوية، وهذه السمة تنتج خطابًا إقصائيًا، لا يرى فى الخلاف الفقهى مجالًا للاختلاف المشروع، بل يعتبره فتنة ويصنف المختلفين كمبتدعين أو ضالين.

أما التبجيلية فهى حالة من التقديس المبالغ فيه للعلماء السابقين، خصوصًا ابن تيمية وابن القيم وابن باز وابن عثيمين، حيث لا ينظر لهؤلاء كرجال اجتهدوا، بل كناقلين للحقيقة المطلقة، وأى نقد لأفكارهم يعد خيانة للدين، وهذا ما ينص عليه كتاب “منهج أهل العلم فى الرد على المخالف” للشيخ صالح آل الشيخ أحد كبار منظرى السلفية،

أثر الفكر السلفى على وسطية الإسلام

لا يمكن الحديث عن وسطية الإسلام فى حضور السلف، فهذا التيار رغم حديثه المتكرر عن “المنهج”، لا يتورع عن اختزال الإسلام فى سلوكيات شكلية، ويقصى كل من يحاول فهم النصوص فى ضوء المقاصد.

أحد أبرز الأمثلة هو تعامل السلفيين مع المرأة، حيث يرفض التيار تعليمها الفلسفة، أو مشاركتها السياسية، أو حتى ظهورها فى وسائل الإعلام، ويحصر دورها فى الزواج وتربية الأبناء، مستشهدين بحديث “لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة”، وهو حديث صحيح لكن استخدامه خارج سياقه التاريخى والاجتماعى يفقده دلالته الأصلية.

وبنفس الطريقة يتعامل التيار مع غير المسلمين.

حتى فى الاقتصاد، لم ينتج الفكر السلفى أى مشروع يواكب العصر، بعد أن رفضوا البنوك، واعتبروا الضرائب “مكوسًا” دون أن يقدموا بدائل واقعية تناسب دولة معاصرة، ويكشف عن الكثير من حدود هذه المشكلة الشيخ محمد حسين يعقوب، الذى يعترف بعدم وجود رؤية اقتصادية واضحة لدى التيار، مكتفيًا بالدعوة إلى التورع والنية الصالحة كمخرج حسب زعمه.

من خلال هذه الرؤية، تتراجع صورة الإسلام كدين رحمة وعدالة،  لتعلى من صورة المسلم السلفى المرتبط فقط بالتحريم، والمظهر، والانعزال عن الحياة، وهذا التشويه أنتج أجيالًا من الشباب المغترب عن واقعه، حيث يرى العالم بلونين فقط إما أبيض أو  أسود.

من كل ما سبق، يمكن القول إن التيار السلفى ليس مجرد حركة دعوية، بل هو حالة ذهنية أثرت بشكل كبير على صورة الإسلام فى العالم العربى بل والعالم أجمع، إذ رغم شعاراته عن العودة إلى “ما كان عليه السلف”، إلا أن الواقع أثبت أن هذا التيار أنتج خطابًا منغلقًا، وبرجماتية سياسية، وانكفاءً اجتماعيًا، وتشويهًا للمقاصد العليا للدين.

 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية