رئيس التحرير
عصام كامل

هنا القاهرة.. فيتو تحتفل بـ«91 سنة إذاعة».. قيادات سابقة وحالية وأكاديميون يتحدثون عن التحديات الجسيمة.. ويكشفون خطة تطوير الأثير في زمن الثورة التكنولوجية

الإذاعة المصرية،
الإذاعة المصرية، فيتو
18 حجم الخط

هنا القاهرة.. كانت هذه هي الكلمات الأولى التي انطلقت مساء يوم 31 مايو عام 1934 عبر أثير الإذاعة المصرية على لسان أحمد سالم، أول مذيع مصري، في تمام  الساعة السادسة وخمس وأربعين دقيقة مساء هذا اليوم، لتبدأ معها رحلة إعلامية خالدة جعلت من الراديو منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى الآن خير رفيق للمصريين، وجزءًا أصيلا من الروتين اليومي للأسرة في المحروسة، يجمع أفرادها حول برامجه، ويغذي وجدانهم بالفن والفكر والدين والسياسة. 

حين بدأ العالم يلتقط أولى ذبذبات الأثير، كانت مصر وأهلها في طليعة الدول العربية الساعية إلى مواكبة هذا العالم الجديد، فاتخذ عدد من المصريين خطوات رائدة نحو دخول عصر الإذاعة، لتكون المحروسة من أوائل الدول التي احتضنت هذا الوسيط الإعلامي الواعد.

في عشرينيات القرن العشرين، بدأت الإذاعة تجد طريقها إلى مصر، بعد سنوات قليلة من ظهورها عالميًا عام 1920، واختلف الباحثون حول تحديد التاريخ الدقيق لبداية البث الإذاعي في مصر وأول محطة إذاعية ظهرت فيها، وفي هذا السياق، يشير الدكتور عاطف العبد في كتابه "الإذاعة والتليفزيون في مصر" إلى أن مصر قد عرفت الإذاعة قبل عام 1926، مستدلًا بالمادة التاسعة عشرة من المرسوم الملكي الصادر في 10 مايو 1926، والتي نصت على تعيين القيود التي يمكن بمقتضاها الترخيص بتركيب واستعمال أجهزة المواصلات بواسطة الموجات الأثيرية في القطر المصري، فقد نصت على أن نصوص هذا المرسوم تسري على الأجهزة والتراكيب والمحطات والنقط اللاسلكية الموجودة الآن، ويجب على أصحابها أو الحائزين بها أن يراعوا تسوية حالتهم فيما يختص بها في خلال ثلاثين يومًا من تاريخ سريان مفعول هذا المرسوم. 

كانت المحطات الإذاعية التي نشأت في هذا التوقيت تُعرف بالإذاعات الأهلية التي أطلقها أفراد وتجار يرغبون في التسويق لسلعهم. امتازت الإذاعات الأهلية في هذا التوقيت بتنوع لغاتها، إذ كانت تبث بعضها باللغة العربية للجمهور من المصريين، وبعضها كان يبث بالإنجليزية والفرنسية والإيطالية لتلبية احتياجات الجاليات الأجنبية المقيمة في مصر آنذاك، وكانت معظم الإذاعات الأهلية تعتمد على موجات قصيرة المدى لا يتجاوز بثها الشوارع المحيطة بمكان الإرسال عدا بعض المحطات مثل وادي الملوك التي كانت تُسمع بوضوح في فلسطين. 

ومن أبرز الإذاعات الأهلية التي ظهرت في مصر: إذاعة حبشي جرجس، التي تشير المصادر إلى أنها أول إذاعة أهلية في البلاد، وإذاعة سابو الأوروبية، وراديو فؤاد الذي أسسه عزيز بولس، وراديو فاروق الذي أنشأه إلياس شقال عام 1932، بالإضافة إلى راديو الأميرة فوزية، وإذاعة الأميرة فاطمة، وإذاعة هليوبوليس، وإذاعة وادي الملوك، وإذاعة مصر الملكية، وإذاعة بورسعيد، وإذاعة القاهرة، وإذاعة صايغ، وإذاعة فيولا، وراديو ماجازين اجيبسيان، وإذاعة رمسيس، وإذاعة أمير الصعيد، وراديو لويس، وكان هناك تنافس شديد بين هذه المحطات. 

وفي أكتوبر 1932 طلب وزير المواصلات من أصحاب هذه المحطات توقيع تعهدات بإغلاق محطاتهم على إثر إتمام الحكومة محطتها. وبالفعل في اليوم الموعود 29 مايو 1934 توقفت الإذاعات الأهلية عن البث نهائيًا، وكان عددها آنذاك إحدى عشرة محطة، لتُفسح المجال أمام انطلاق الإذاعة الحكومية الرسمية إيذانًا ببدء مرحلة جديدة أكثر تنظيمًا واحترافية في تاريخ الإعلام الإذاعي المصري. 

وخلال نحو قرن من الزمان..كانت الإذاعة المصرية ولا تزال رافدًا مهمًا من روافد الثقافة والوعي والإلهام. جرى في النهر مياه كثيرة، فظهر التليفزيون، وتعددت الفضائيات، ومن بعدهما ثورة تكنولوجية هائلة اختزلت الزمان والمكان، ورغم ذلك لا تزال الإذاعة قوية صامدة لا تلين، تقاوم في صمت، تتشبث بالحياة. 

“فيتو” تحتفل مع الإذاعة المصرية بعيد ميلادها الحادي والتسعين من خلال إلقاء الضوء على تاريخ لا ينسى، وواقع صعب لا يمكن غض الطرف عنه، وتطرح عبر روادها وعدد من قياداتها السابقين والحاليين والأكاديميين البارزين خطة الأخذ بيديها إلى الأمام.   

أهل مكة أدرى بشعابها

قيادات حالية وسابقة وأساتذة إعلام يرصدون تحديات الإذاعة ويطرحون خطة تطويرها في زمن الثورة التكنولوجية

لا يختلف اثنان على أن الإذاعة المصرية تواجه تحديات جسيمة، بعضها يتعلق بضعف الإمكانات وقلة التمويل وتراجع الدعم، وبعضها يتصل بالطفرة التكنولوجية الهائلة واختلاف الأذواق والطبائع والميول والأهواء والرغبات.."فيتو" التقت عددًا من القيادات الحالية والسابقة بالإذاعة، فضلا عن عدد من الأكاديميين البارزين لاستعراض هذه التحديات بشيء من التفاصيل، وسبل القفز عليها وتجاوزها؛ بهدف تقديم رسالة إذاعية لا تتخلى عن ريادتها، ولا تتخلف عن الزمن الذي نعيشه بتقلباته المتسارعة.

 

لطفي: غياب تام للرؤية وعدم رغبة في التطوير

يرى نائب رئيس الإذاعة المصرية محمد لطفي أن الإذاعة المصرية تعاني من تحديات كبيرة تتمثل في غياب الرؤية الواضحة، وعدم وجود آليات للتقييم، ونقص التطوير، مما أثر سلبًا على مكانتها ودورها في المجتمع، مشيرًا في تصريحات لـ"فيتو" إلى أن الإذاعة في ثلاثينيات القرن الماضي كانت مصدر المعلومة والمعرفة والتوثيق الأساسي، حيث لم يكن هناك تليفزيون أو وسائل إعلام أخرى منافسة سوى الصحافة المطبوعة، وكانت تعمل وفق خطة واضحة وأهداف محددة، سواء كانت تجارية أو تهدف إلى تغيير الوعي العام. 

يرى "لطفي" أن السبب الرئيسي في تدهور حال الإذاعة هو "غياب الرؤية" وعدم وجود "أداة للتقييم"؛ فليس هناك جهة تقيّم أداء الإذاعة أو الصحافة أو التلفزيون في مصر بشكل عادل وموضوعي، مضيفًا: الإذاعة لم تتطور منذ 30 أو 40 عامًا، ولا توجد خطط بعيدة المدى للتطوير، ورغم وجود برامج فردية "جميلة وقيمة وحلوة"، إلا أن هذا التفرد لا ينبع من رؤية موحدة وشاملة.

أشار لطفي إلى أن الإذاعة المصرية لم تستفد من التطور التكنولوجي الهائل ووسائل التواصل الاجتماعي، فبينما استغلت الإذاعات العالمية مثل: BBC السوشيال ميديا وتطورت الصحف لتصبح إلكترونية، بقيت الإذاعة المصرية متأخرة، متابعًا: "لازم أركب على التطور ده.. الناس لم تعد تشغل الراديو في البيوت بكثرة إلا لسماع القرآن الكريم أو الأغاني كخلفية أو في السيارة لتضييع الوقت".

وأكد "لطفي" أن العقبات الإدارية والبيروقراطية من أبرز التحديات التي تواجه الإذاعة المصرية، فالمعدات والتطوير في مجال الراديو أصبح سهلًا ومتاحًا، حيث يمكن تسجيل البرامج بالموبايل وتحريرها بسوفت وير على أي لاب توب. ورغم وجود "كوادر بشرية" ممتازة في الإذاعة المصرية، إلا أن "الإداريات العقيمة" تمنع التطور والإبداع، مستطردًا: الإذاعة المصرية لم تشهد تعيين مذيعين جدد منذ عام 2011، وأصغر مذيع بها يبلغ من العمر 45 عامًا، مما يعكس غياب ضخ دماء جديدة وتجديد الأفكار فيها، كما أن بعض الإذاعيين والعاملين في الإذاعة المصرية أصبحوا "موظفين" يأخذون رواتبهم كل شهر بينما يفتقرون للإبداع والرؤية.

نائب رئيس الإذاعة شدد على أن التحديات لا تقتصر على المحتوى فقط، بل تمتد أيضًا إلى الجانب الهندسي، حيث تعاني الموجات من مشاكل في التغطية والصيانة الدورية، مبينًا أن الإنفاق على الإعلام يجب أن يكون كاستثمار، مثل: الإنفاق على التعليم والصحة؛ فالهدف من الإعلام ليس الربح المادي، بل توعية وتثقيف المواطن.

أكد "لطفي" أن الإذاعة المصرية تمتلك "كنوزًا" من الكوادر البشرية والإرث التراثي الضخم، بما في ذلك المسلسلات التاريخية النادرة، داعيًا إلى وضع خطة واضحة المعالم، وتحديد أهداف قابلة للقياس بزمن محدد، للخروج من "الروتين" والبيروقراطية.

"لطفي" رفض وصف الإذاعة بـ"الموضة القديمة" التي لا تناسب الأجيال الجديدة، مؤكدًا "الإذاعة تستطيع جذب الشباب بمحتويات معينة، حال تم ربطها بكل وسائل التواصل الحديثة وإنشاء منصات خاصة بها لتصل إلى الشباب في كل مكان".

 

أمل مصطفى: دور محوري في تشكيل الوعي.. ولكن! 

شددت رئيس شبكة البرنامج العام الإذاعية أمل مصطفى، على الدور المحوري الذي لعبته الإذاعة المصرية ولا تزال في تشكيل الوعي العام وخدمة المجتمع.

تطرقت "مصطفى" في حديثها لـ"فيتو" إلى تاريخ الإذاعة، بدءًا من بثها الأول في 31 مايو 1934 بصوت المذيع أحمد سالم الذي افتتح الإرسال بعبارته الشهيرة: "هنا القاهرة، الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية"، وصولًا إلى مكانتها الراهنة كوسيلة إعلامية موثوقة وشعبية ولا تزال تحظى بجماهيرية كبيرة. 

أشارت رئيس "البرنامج العام" إلى أن الإذاعة تسهم في تقديم المعلومات بأنواعها المختلفة سواء كانت ترفيهية، إخبارية، دينية، أو توعوية، مما يعزز من مكانتها كمصدر موثوق للمعرفة، كما إنها كانت ولا تزال الوسيلة الرئيسية في التثقيف ومحو الأمية السياسية. 

شددت رئيسة شبكة البرنامج العام على الدور الحيوي للإذاعة كمؤسسة اجتماعية تسهم بفعالية في محو الأمية السياسية للمواطنين من خلال استضافة المسئولين والسياسيين والكتاب والشعراء والمثقفين في برامج حوارية، مما يعزز من الوعي المجتمعي ويوفر تثقيفًا سياسيًا هامًا، فضلًا عن دور خدمي متطور. 

كما أبرزت أمل مصطفى الأهمية التوعوية للإذاعة بالنسبة للأطفال، حيث تسهم في تحسين تركيزهم على اللغة المنطوقة وتوفر لهم معلومات صحيحة من خلال النطق السليم للغة العربية، كما تشجع الأطفال والكبار على الإبداع وتفتح لهم عالمًا جديدًا من الخيال، من خلال الأعمال الدرامية الصوتية التي تعتمد على الأداء الصوتي لنقل المشاعر والأحداث. 

وعلى عكس ما يعتقده البعض بأن التقنيات الحديثة والإنترنت تشكل تهديدًا لوجود الإذاعة، حيث أكدت "مصطفى" أن التطور الرقمي كان منقذًا للإذاعة ومساهمًا في انتشارها، حيث أصبحت متاحة عبر منصات التواصل الاجتماعي، والهواتف المحمولة، و"البودكاست"، مما يوسع من نطاق وصولها ويضمن استمراريتها. 

ودعت رئيسة شبكة البرنامج العام إلى ضرورة الحفاظ على أصول وقواعد مهنة المذيع، مؤكدة أنها ليست مهنة من لا مهنة له، كما شددت على أهمية إتقان اللغة العربية، وسلامة مخارج الحروف، والثقافة الواسعة للمذيع لضمان إيصال المعنى الصحيح، كما أكدت أهمية الحيادية في تقديم الأخبار والمعلومات، وعدم إظهار الرأي الشخصي للمذيع.

 وفيما يتعلق بالظواهر الإعلامية الحديثة مثل: البودكاست، أوضحت "مصطفى" أن الإذاعة المصرية مارست هذا النوع من الحوارات منذ زمن طويل. 

وأكدت أمل مصطفى أن الإذاعة المصرية تحارب المحتوى الهابط وأغاني المهرجانات، وتقدم دائمًا محتوى راقيًا يشمل الأغاني الجديدة والقديمة، لتلبية رغبات المستمعين المتنوعة. كما أن الإذاعة تواكب الأحداث الجارية وتغطي أنشطة الرئاسة والوزارات والمعارض، وتقدم برامج جماهيرية وخدمية ومسلسلات إذاعية هادفة تناقش قضايا المجتمع وتسعى لحل مشكلاته.

ودعت "مصطفى" إلى ضرورة تطوير آليات العمل الإذاعي وتحديث التقنيات والمعدات التي تمثل الإذاعة المصرية والتي بدورها تمثل الدولة، وتحويل الكنوز الإذاعية من تسجيلات قديمة إلى صيغ رقمية للحفاظ عليها، مشددة على أهمية زيادة الميزانية لتمكين الإذاعة من مواكبة التطورات التقنية وتقديم أفضل محتوى، فقالت: "احنا في الاذاعة محتاجين نظرة من الحكومة، بالأخص في موضوع الميزانية التي تمكن المذيع من تقديم أفضل ما يمكن". 

واختتمت أمل مصطفى حديثها بالتأكيد على أن الإذاعة تظل المنصة الأكثر ثقة واستخدامًا في العالم، حيث يتوجه إليها المستمعون للتحقق من الأخبار والمعلومات. وتخلق الإذاعة مساحة واسعة للمستمعين للتعبير عن آرائهم من خلال صفحات الشبكات الإذاعية على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يعكس ذكاء المستمع ورغبته في المشاركة، وتواصل الإذاعة مسيرتها في تقديم محتوى توعوي، ترفيهي، تثقيفي، وتنويري يخدم كل أفراد الأسرة، مع مواكبة العصر الرقمي للوصول إلى جمهور الشباب عبر المنصات الحديثة.

لمياء محمود: تحديات العصر تتطلب التجديد

أكدت الرئيس الأسبق لإذاعة صوت العرب الدكتورة لمياء محمود أن الإذاعة صمدت أمام التطور التكنولوجي الهائل الذي يشهده العالم، مُشددة على أن وسائل الإعلام لا تلغي بعضها البعض بل تستفيد منها، موضحة أن سرعة العصر الحالي تصب في صالح المستمع، وأن الراديو يتمتع بمميزات فريدة تجعله الوسيلة الأسهل والأسرع للمتابعة، خاصة عندما يكون المستمع منشغلًا بأمور أخرى.

وأشارت لمياء محمود إلى أن الإذاعة تستفيد حاليًا من منصات التواصل الاجتماعي لعرض محتواها وبث برامجها مباشرة، مما يتيح للمذيعين التواصل مع جمهورهم بشكل أسرع وأسهل لتلقي الأسئلة والشكاوى عبر الصفحات الرسمية، وشددت على إمكانية استغلال الإنترنت لتغطية الكرة الأرضية بأكملها، بدلًا من الاعتماد على الوسائل التقليدية مثل "الشورت ويف" أو الأقمار الصناعية، مؤكدة: "الإذاعة ولدت لتستمر وتعيش، والتطور في مجال الاتصالات هو في مصلحة الإذاعة بشكل خاص وليس ضدها".

الرئيس السابق لإذاعة "صوت العرب" أوضحت أهمية الاعتراف بتطور الأفكار وليس فقط التكنولوجيا، لافتة إلى أن جيل الأطفال والشباب الحالي يختلف تمامًا عن الأجيال السابقة، ولديهم احتياجات مختلفة في تلقي المعلومات والأخبار، وضربت مثلًا ببرنامج "أبلة فضيلة" الشهير، مشيرة إلى أنه لن يجذب أطفال اليوم لأن طريقة العرض والأسلوب أصبحا مختلفين تمامًا عن جيل يمتلك الأطفال ذوو السنوات الخمسة القدرة على التعامل مع الهواتف الذكية وتنزيل الألعاب.

واقترحت ضرورة الاستفادة من هذه المتغيرات لإنتاج محتوى جذاب ومناسب لهذا الجيل، داعية إلى تقطيع البرامج الإذاعية والتلفزيونية الطويلة إلى مقاطع قصيرة (دقيقة أو دقيقتين أو ثلاث دقائق) تحتوي على معلومة متكاملة ووضعها على وسائل التواصل الاجتماعي، كما شددت على أهمية إنتاج "البودكاست" بالطريقة العلمية الصحيحة، ووضعه على منصات الاستماع مثل "سبوتيفاي" و"أنغامي"، ليتسنى للشباب حفظه والاستماع إليه في أي وقت يناسبهم.

وأوضحت أن هذا التوجه لا يمثل فقط تحديثًا للمحتوى، بل يمكن أن يعود بعائد مادي على الإذاعة من خلال الإعلانات التي تظهر على المحتوى المجاني، مما يوفر دخلًا إضافيًا للمساعدة في إنتاج مواد جديدة.

 وأكدت أن الإذاعة والتلفزيون يمتلكان تراثًا برامجيًا ضخمًا يضم مئات الآلاف من الساعات المحفوظة، ويمكن استغلالها لإعادة تدويرها وتقديمها بشكل جذاب للجمهور الجديد، مشيرة إلى تجربة "الدحيح" التي حققت ملايين المشاهدات بتقديم معلومات علمية بطريقة جاذبة للشباب.

تطرقت الدكتورة لمياء محمود إلى التحديات التي تواجه الإذاعة المصرية والإعلام بشكل عام، خاصة بعد عام 2011، مشيرة إلى حالة من التخبط ظهرت مع دخول جهات إعلامية جديدة لم تخضع للتقنين الذي كان موجودًا في اتحاد الإذاعة والتلفزيون سابقًا، ووصفت "بيع الوقت" على القنوات التلفزيونية بأنه أزمة رئيسية أدت إلى ظهور برامج غير متوافقة مع القيم والعادات المصرية.

وفيما يتعلق بدور المجلس الأعلى للإعلام، أوضحت أن اختصاصه، كما ينص الدستور، هو منح التراخيص ومتابعة أداء وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية والرقمية التي تبث من داخل مصر، وأشارت إلى أن المجلس ليس له سلطة إنتاجية أو إدارية مباشرة على هذه الوسائل، لكنه يضع ضوابط ويتابع أي تجاوزات من خلال مراصده والشكاوى التي ترد إليه، مما ساهم في بدء نوع من الضبط.

وشددت على ضرورة أن تلتزم كل إذاعة بأهدافها العامة التي أنشئت من أجلها، وأن تقدم رسالتها بشكل واضح وخدمي للجمهور المستهدف، كما انتقدت البرامج الحية التي تعتمد بشكل كبير على مداخلات الجمهور، مشيرة إلى أنها أدت إلى نوع من السيولة في الألفاظ والاستخفاف بالكلام، مما لا يليق بالدور الذي تلعبه الإذاعة كقدوة للمستمعين.

وأرجعت الدكتورة لمياء محمود جزءًا من التحديات التي تواجه الإذاعة إلى عدم إدراك القائمين عليها لأهمية التطور التكنولوجي منذ عام 2005 مع ظهور الفيسبوك وتويتر، وعندما بدأ الإدراك، اصطدموا بنقص الإمكانيات المالية والتقنية، مشددة على ضرورة توفير شبكات إنترنت قوية في الاستوديوهات لإجراء اتصالات فورية مع الجمهور حول العالم، واستخدام تطبيقات الإنترنت لخفض تكاليف الاتصالات.

وشددت على أهمية دعم الدولة المادي والمعنوي لوسائل إعلام ماسبيرو، مؤكدة أنها "الأصح والأكثر وطنية"، وأنها دفعت وستظل تدافع عن كيان الدولة. وأعربت عن أملها في أن تعود الأعمال الدرامية الإذاعية والتلفزيونية إلى سابق عهدها من حيث القيمة والتأثير، وأن تساهم في تعزيز الحس القومي والانتماء والوعي لدى الأجيال الجديدة. 

منى الحديدي: الإذاعات المحلية لا تقوم بدورها 

تحدثت منى الحديدي أستاذة بقسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام بجامعة القاهرة عن مكانة الإذاعة وتطورها ومستقبلها، مشيرة إلى أنها على الرغم من مرور سنوات طويلة على بدايتها، إلا أنها شهدت تطورات كبيرة في النواحي التقنية، مثل قوة الإرسال ووضوح الاستقبال، وتنوع أجهزة الاستقبال من الراديو الذي يعمل بالكهرباء إلى الترانزستور. 

وأوضحت "الحديدي" أن الإذاعة تطورت أيضًا في مخرجاتها، من خلال تعدد القوالب البرامجية، مما أدى إلى انتشارها وتعدد استخداماتها بين الأخبار والترفيه والتسلية، بالإضافة إلى التعلم من خلال البرامج التعليمية والمشاركة وإبداء الرأي في البرامج الجماهيرية. 

وأكدت أن الإذاعة اكتسبت مكانة جماهيرية واسعة نظرًا لعدم حاجتها إلى قدرات وإمكانيات خاصة كالقراءة، واعتمادها على حاسة الصوت بكل مكوناتها، بما في ذلك الموسيقى والمؤثرات الصوتية الجذابة. 

وفي سياق المشهد الإعلامي الحالي، أشارت الأكاديمية البارزة إلى أن الإذاعة تُعد إحدى الوسائل الموجودة إلى جانب وسائل أخرى أكثر حداثة وتكنولوجية، مثل راديو الإنترنت والمنصات ومواقع التواصل الاجتماعي والصحافة، مؤكدة أن الإذاعة تتطور باستمرار، وليس فقط في عصر الإعلام الرقمي، بل على مدى تاريخها الطويل. 

وفيما يخص مواجهة الإذاعة للتطور السريع والمنافسة، أوضحت أن كل وسيلة إعلامية يجب أن تراجع أجندة اهتماماتها، فإذا كان راديو الإنترنت هو الوسيلة الأولى للأخبار حاليًا، فلا تزال الإذاعة التقليدية تحتفظ بوظائف أخرى، مثل الإذاعة الخدمية، خاصة الإذاعات المحلية التي يمكن أن تقدم خدمات لسكان منطقة معينة في الدول النامية، كونها تعكس اهتماماتهم وتلبي احتياجاتهم. 

وانتقدت دكتورة الإذاعة والتلفزيون عدم قيام الإذاعات المحلية في مصر بدورها، معتبرة أن العيب يكمن في المنتج وليس في الوسيلة نفسها،وشددت على أهمية الجودة ومعرفة الجمهور المستهدف لتقديم ما يناسبه ويلبي احتياجاته. وأوضحت أن غياب الشخصية المحددة للإذاعات وتكرار المحتوى يقلل من جاذبيتها. 

وأكدت ضرورة أن تكون لكل إذاعة شخصيتها وأهدافها الواضحة، وأن تخاطب جمهورًا محددًا لتقدم له ما يحتاجه ويشبع رغباته، مثل إذاعة المباريات التي لا تُذاع على التلفزيون أو تُعرض على قنوات مدفوعة. وأشارت إلى أن التكنولوجيا الحديثة مكلفة، مما يحد من قدرة بعض الإذاعات على تحديث استوديوهاتها. كما أكدت أن البث من خارج الاستوديو يُعد ميزة للإذاعة تزيد من شعبيتها. 

وفي سياق تطوير العمل الإذاعي، شددت "الحديدي" على ضرورة ضخ دماء جديدة في المؤسسات الإعلامية، خاصة مع وجود شريحة كبيرة من الشباب في المجتمع المصري، مؤكدة أهمية أن يكون المتحدثون قريبين من هذا الجيل. وأضافت أن العلوم والمعرفة تتطور باستمرار، لذا يجب أن يكون هناك تدريب مستمر للعاملين في الإذاعة على جميع المستويات، ليس فقط التدريب التقني، بل أيضًا على إدارة الإعلام والتخطيط الإعلامي وبحوث المستمعين والمشاهدين. 

وأعربت عن أسفها لانحسار إعلام النشء والطفل في الإذاعات والقنوات التلفزيونية الرسمية، مشيرة إلى أن الهيئة الوطنية للإعلام تعمل على إعادة النظر في عودة قنوات وإدارات برامج الأطفال، وأن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام استحدث لجنة لإعلام النشء لدعم إنتاج محتوى إعلامي ودرامي خاص بالأطفال، في ظل غياب الأعمال المصرية الموجهة لهم. 

وربطت أستاذ الإعلام بين إعادة بناء الإنسان المصري ودور الإعلام، مؤكدة ضرورة أن يهتم الإعلام بجميع الشرائح العمرية منذ الولادة، وليس فقط ببرامج الشباب والمباريات، كما شددت على أهمية تخصيص مساحات وبرامج وأفلام ومسارح تناسب جميع الأعمار، بما في ذلك مرحلة الطفولة، تمامًا كما يتم الاهتمام بالحضانة والتعليم الأساسي.

 وأكدت أن الإعلام ومصادر الثقافة حق من حقوق الطفل، يجب توفيرها ضمن اهتمامات مؤسسات الدولة، وتشجيع الاستثمار الخاص للمشاركة في ذلك، لاسيما في ظل غياب القنوات الخاصة الموجهة للأطفال في مصر. 

 

حسن مكاوي: غياب الدعم الرسمي انعكس على دورها ورسالتها

أكد أستاذ الإذاعة والتلفزيون وعميد كلية الإعلام الأسبق الدكتور حسن عماد مكاوي أن الإذاعة المصرية لعبت دورًا محوريًا في تنوير المجتمع المصري وتزويده بالمعلومات التوعوية والتوجيهية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن تقديم الترفيه الراقي الذي يرفع من مستوى الذوق العام، مشيرًا إلى أن هذا الدور تحقق من خلال مختلف أشكال المحتوى الإذاعي كالدراما والأغاني والموسيقى والمواد الفكاهية، والتي كانت تُقدم بأسلوب راقٍ يحافظ على قيم وعادات وتقاليد المجتمع. 

لم يقتصر تأثير الإذاعة المصرية على الشعب المصري فحسب، بل امتد ليشمل الوطن العربي بأكمله من المحيط إلى الخليج، وحتى العديد من الدول الأفريقية والآسيوية التي استفادت وتعلمت من المحتوى الذي تقدمه، بحسب "مكاوي" الذي أوضخ أن دور الإذاعة لا يمكن إنكاره، فبعد ظهور التلفزيون الذي استقطب جزءًا من مستمعيها، استطاعت الإذاعة استعادة جمهورها وتقديم مواد إعلامية لا يستطيع التلفزيون أو الصحافة منافستها فيها. 

تطرق "مكاوي" إلى التحديات التي تواجه الإذاعة حاليًا، وفي مقدمتها الحاجة إلى التمويل وتدريب وتأهيل العاملين، وتطوير معدات الإرسال والاستقبال لضمان وصول البث بوضوح ونقاء إلى كافة المناطق الجغرافية في مصر والدول المجاورة. كما أكد على أهمية التفاعل مع الجمهور، والذي يتحقق بشكل كبير حاليًا من خلال الاتصالات الهاتفية المباشرة ورسائل "الواتساب" التي يقرأها المذيعون، مما يخلق تفاعلًا أكبر بين الجمهور والقائمين على الاتصال في الإذاعة. 

أبدى "مكاوي" أسفه لتراجع الدور الرسمي في رعاية الإذاعة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، مما أفسح المجال أمام الإذاعات الخاصة التي تهدف إلى تحقيق الأرباح أكثر من تقديم مضامين جيدة أو مفيدة أو توعوية، وقد أدى ذلك إلى "إهمال كبير جدًا لبرامج الأطفال والبرامج الموجهة لكبار السن والفئات المختلفة"، لحساب البرامج الترفيهية والأغاني والبرامج الحوارية التي لا تقدم فائدة للمستمع سوى "تضييع الوقت". 

ودعا "مكاوي" الحكومة إلى النظر إلى الإعلام بصفة عامة، والإذاعة بصفة خاصة، باعتباره "خدمة ترتقي بعقول المستمعين والمشاهدين والقراء"، مشددًا على ضرورة تقديم الدعم للإعلام التنموي الذي يثري العقول، تمامًا كما تقدم الحكومة الإعانات للخبز والسلع الغذائية.

ورغم تراجع الدعم، أشار مكاوي إلى وجود إذاعات حكومية مثل "البرنامج العام"، و"صوت العرب"، و"إذاعة الشباب والرياضة"، و"إذاعة القرآن الكريم" التي لا تزال تقدم مضامين جيدة جدًا ومهمة وفيها إضافة وتوعية، لكنه لفت إلى وجود محطات إذاعية أخرى تحاول محاكاة القطاع الخاص سعيًا وراء الإعلانات التي تحقق مصادر دخل عالية، وهذا السعي لتحقيق الانتشار الجماهيري الكبير قد يدفع بعض هذه المحطات إلى استخدام "مضامين هزلية أو مبتذلة أو فيها إسفاف"، مما يحقق شعبية جارفة ونسبة استماع عالية، ولكن "على حساب المضمون وعلى حساب غذاء العقل وعلى حساب التنمية". 

وفي سياق التطورات الحديثة، أشار "مكاوي" إلى البودكاست، موضحًا أنه "إذاعة بشكل متقدم أو متطور" يستخدم التقنيات الحديثة ويحقق التفاعل بدرجة أكبر. وأكد أن البودكاست يمكن أن يتفوق على المحطات الإذاعية التقليدية إذا "أجاد اختيار الأفكار التي تلبي احتياجات ورغبات المستمعين" وقدمها بأسلوب سهل وشيق وبسيط يصل إلى أكبر عدد من الناس ويؤثر فيهم. 

وفي ختام حديثه، شدد الدكتور حسن مكاوي على أهمية تحويل الأرشيف الإذاعي الهائل الذي يضم برامج قديمة لرموز كبار من المفكرين والأدباء والكتاب والصحفيين إلى التقنية الرقمية، مؤكدا أن هذا التحويل سيحافظ على هذا التراث من الاندثار، كما سيحقق للإذاعة المصرية "دخلًا ماديًا كبيرًا" من خلال المنصات الإلكترونية التي ستقدم هذه المضامين، مع الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية للإذاعة. 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية