سيف الله المسلول، أسرار أعظم عبقرية حربية عرفها التاريخ "سرية بني جذيمة ومعركة حنين"

خالد بن الوليد، رضي الله عنه، هو أعظم عقلية عسكرية، وأخطر عبقرية حربية عرفها التاريخ.. اكتشف رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، مواهبه الفذة في الجندية، والقتال، وأطلق عليه "سيف الله المسلول"، رغم أنه كان عائدا من معركة انهزم فيها جيش المسلمين، وعير الناس الجنود العائدين، آنذاك، بأنهم "فرَّار"، فرد عليهم، صلى الله عليه وآله وسلم: قائلا: "بل الكُرّار إن شاء الله".

خاض خالد بعدها أكثر من 100 معركة أمام قوات متفوقة عدديًا من الروم والفرس وحلفائهم، ولم ينهزم قط.

قال عنه الجنرال الألماني "فون درغولتيس"، أحد أبرز قادة الحرب العالمية الأولى، وصاحب كتاب "الأمة المسلحة": "إنه أستاذي في فن الحرب".

في الحلقات التالية نستعرض جوانب العبقرية الحربية، وأسرارها عند خالد بن الوليد.

سرية بني جذيمة ومعكرمة حنين 

لما رجع خالد بن الوليد من هدم العزى، بعثه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى بني جذيمة داعيا إلى الإسلام، ولم يبعثه مقاتلا، فخرج في ثلاثمائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار وبني سليم، فلما وصل إليهم. سألهم: ما أنتم؟ قالوا: مسلمون، قد صلينا وصدقنا بمحمد وبنينا المساجد في ساحاتنا وأذَّنَّا فيها.
قال: فما بال السلاح عليكم؟! (تحملون السلاح)، قالوا: إنَّ بيننا وبين قوم من العرب عداوةً، فخفنا أن تكونوا هم فأخذنا السلاح، قال: فضعوا السلاح. 

قال: فوضعوه. فقال لهم: استأسروا، فاستأسر القوم (نفذوا الأمر)، فأمر بعضَهم فكتَّف بعضا، وفرقهم في أصحابه (جعلهم يحرسونهم كأسرى)، فلما كان في السَّحَر نادى منادي خالد: من كان معه أسيرٌ فليذافه، والمذافة: الإجهاز عليه بالسيف.

فأما بنو سليم فقتلوا من كان في أيديهم. وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أساراهم (أطلقوا سراحهم). 

وأنكر عبد الرحمن ما فعله خالد، ولامه بشدة، واتهمه بأنه فعل ذلك ليثأر لعمه الفاكه بن المغيرة، الذي قتله بنو جذيمة، في وقت سابق، وقال له: عملت بأمر الجاهلية في الإسلام!!.

كما عارضه عدد من الصحابة، ومنهم سالم مولى أبي حذيفة، وعبد الله بن عمر بن الخطاب.

فبلغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما صنع خالد. فقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد". 

وبعث علي بن أبي طالب فودى لهم قتلاهم (أعطاهم الديات) وما ذهب منهم، ثم رجع إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأخبره.

في يوم حنين

وقعت المعركة في الحادي عشر من شوال من العام 8 هـ، وكانت ضد بني ثقيف من الطائف، وسميت المعركة بهذا الاسم نسبةً إلى اسم الوادي الذي وقعت به (وادي حنين).

وهي أول معركة يكون عدد المسلمين أكثر من الطرف المقابل، حيث بلغ عدد المسلمين حوالي 12 ألف مقاتل، بينما عدد بني ثقيف حوالي 10 آلاف مقاتل.

وحُنين تعد أول معركة يُصاب فيها خالد بن الوليد، وقد شهدت إحدى معجزات رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، حيث تَفل الرسول، صلى الله عليه وسلم، ومسح على جروحه، لتبرأ.

لم تمض أيام معدودة على حادثة بنى جذيمة حتى استعد المسلمون لمعركة حنين. وفيها أسند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قيادة الخيل لخالد على طليعة الجيش.

وكان فتح مكة قد أثار غضب ومخاوف الأعراب، لذلك أخذوا يستعدون لمواجهة فاصلة مع المسلمين.

وتجمعت قبائل همدان من هوازن وثقيف وجشم، وحرض بعضهم بعضا، قائلين: "إن محمدًا قد فرغ من قتال قومه ولا ناهية له عنا. فلنغزه قبل أن يغزونا".
واستنفروا القبائل فلبى دعوتهم من أقربائهم عدد كبير، منهم بنو سعد بن بكر الذين تربى بينهم سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، وهو رضيع.

وتولى قيادتهم شاب جريء هو مالك بن عوف النضري، وكان يناهز الثلاثين، ويجمع إلى غطرسة الإمارة وحمية الفروسية حِدَّة الشباب ولدد الخصومة والعناد.

طالع للمزيد: الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة سيف الله المسلول

فساق أموالهم ونساءهم وأبناءهم، وأمرهم إذا رأوا المسلمين "أن يكسروا جفون سيوفهم ثم يشدوا شدة رجل واحد".. فإما فوز وإما فناء. 
وصُفّت الخيل ثم الرجالة المقاتلة، ثم الإبل عليها النساء، ثم صُفت النعم فى حراسة لئلا تفر والجيش مشتغل عنها. 
وسأله دريد بن الصمة حكيم القوم: ما لى أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير؟!
قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم، فسخر دريد برأيه وقال له: رويعى (راعي) ضأن والله! وهل يرد المنهزم شىء؟! إنها- أى الحرب- إن كانت لك لم ينفعك إلا رجلٌ بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فُضِحت فى أهلك ومالك، فرماه مالك بالخرف ولجَّ فى عناده ولمح فى بنى هوازن ميلًا إلى كلام دريد، فجمع به غضبه العارم، وأقسم: "لتطيعنى يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهرى!".
وهذا يؤكد إصراره على هزيمة المسلمين.
ونمى الخبر إلى الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، فخرج فى ألفين من أهل مكة حديثى العهد بالإسلام وعشرة آلاف من أصحابه الذين قدموا معه من المدينة، وقيل إنهم كانوا جميعًا ثمانية آلاف.
وكان هناك نقص في السلاح، فاستعار من بعض المشركين دروعًا فأعطوه ثلاثين أو أربعين درعًا (وقيل مائة درع) بما يكفيها من السلاح، واستعار من ابن عمه نوفل بن الحارث ابن عبدالمطلب ثلاثة آلاف رمح، فأعاره إياها وهو يقول: كأنى أنظر إلى رماحك هذه تقصف ظهر المشركين.
وعيَّن خالدًا على طليعة الجيش فى مائة فارس من بنى سليم.

ذات أنواط

وكانت لكفار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة خضراء يقال لها "ذات أنواط"، يأتونها كل سنة فيعلقون أسلحتهم عليها ويذبحون عندها ويعكفون عليها يومًا.
فرأى الجيش وهم يسيرون مع رسول الله سدرة خضراء عظيمة، فقالوا: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله: الله أكبر، قلتم، والذى نفسى بيده، كما قال قوم موسى لموسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة!
وكان فى الجيش كثير من أمثال هؤلاء المسلمين المحدثين، ومعهم فى ساقة الجيش جمع من المشركين بين رجال ونساء ينظرون ما يكون، وكان فيهم أبوسفيان الذى قال حين رأى بوادر الهزيمة: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر! وفيهم كلدة بن الحنبل الذى صرخ شامتًا متعجلًا: ألا قد بطل السحر اليوم، وصرخ معه آخرون يقولون: اليوم ترجع العرب إلى دين آبائها.
وكان الغالب على جيش المسلمين فى خروجهم قلة الاكتراث لعدوهم، فقال أبوبكر الصديق: لن نُغلب اليوم من قلة.. وذكر ذلك القرآن الكريم: (إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئًا).
وفى بعض الروايات أن كمينًا من المشركين فاجأ المسلمين من شعبة فى الوادى وقابلهم بنبل كأنه الجراد المنتشر، "وكانوا رماة.. لا يكاد يسقط لهم سهم"، فهربت الخيل وفر المقاتلون وراءها لا يلوون على شىء.
أي أن الخيل فوجئت فى الطليعة بالنبل المنتشرة من الكمين المستتر، فولت منهزمة فى رد فعل طبيعي.
وهكذا بدأت الهزيمة بفرار الخيل ولحاق المشاة بهم واختلاط الحابل بالنابل، وتواتر القول بأن الطلقاء الحديثين فى الإسلام أدبروا منهزمين عمدًا بعد الهجمة الأولى، فأشاعوا الهزيمة فيمن معهم من المهاجرين والأنصار.

أيضا كان بنو سليم هم أصحاب الخيل التى تولى خالد قيادتها، وهم أقارب هوازن، وعز عليهم أن يلاحقهم المسلمون، فكانوا يقولون لبعضهم: ارفعوا القتل عن بنى أمكم. (أي لا تضربوهم). وكانوا ضعاف الإيمان فارتدوا فور انتقال الرسول، صلى الله عليه وسلم.
ولكن، وبسرعة، تغير مجرى القتال ودارت الدائرة على المشركين، حيث تقدم النبى، صلى الله عليه وسلم، بشخصه الكريم إلى مقدمة الصفوف، وثبت فى ذلك الهول الجارف ثبوتًا يجل عن الوصف، وأخذ زمام المعركة كلها فى يديه ليمضى وحده فى القتال.
وكان سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، قد شهد المعركة على بغلته "دلدل" أو "الشهباء"، فانحاز إلى اليمين سريعًا، ليستطيع التقدم بين تلك الصفوف المتدفعة من مدبرين ومقبلين، والتفت إلى اليمين ونادى: يا معشر الأنصار.. ثم التفت إلى اليسار ونادى كذلك يا معشر الأنصار.. فتسامعوا وتجاوبوا وعطفوا- كما وصفهم شاهدو الموقف- عطفة الإبل على أولادها، واجتمع معهم حول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مئات فى لمحة عين.
وجعل رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: "أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب".
ثم أمر عمه العباس أن يصرخ فى الجيش: يا معشر الأنصار.. يا أهل السمرة يا أصحاب سورة البقرة.. يا بنى الخزرج، وكان العباس جهير الصوت يُسمع صوته على مسافات بعيدة.

الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة سيف الله المسلول ( 1 – 3 )

الليلة الأخيرة، مشهد الوداع في حياة سيف الله المسلول (2 - 3)

فإذا بالأنصار والمهاجرين يتجاوبون: يا لبيك يا لبيك.. ويسرعون إلى ناحية الصوت زرافات زرافات، حتى تجمع منهم ثلاثمائة أو يزيد فى لحظات.
وتقدمت النساء للموت غير مباليات، حتى أن إحداهن كالعميصاء أم أنس بن مالك، وكانت وهى حامل تحزم وسطها ببُرد لها وفى حزامها الخنجر للدفاع ضد من يجترئ عليها.
وكان خالد بن الوليد قد ثنى عنان فرسه بعد التوائه فى الهجمة الأولى، فلم يزل يقاتل حتى سقط مُثقلا بالجراح لا يقوى على السير، وهناك وجده الرسول، صلى الله عليه وسلم، حين خرج يتفقد الجرحى بعد المعركة، فواساه.

 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.