رئيس التحرير
عصام كامل

إعجازا غير ذى عوج!

لعلنا جميعا مسلمين وغير مسلمين سمعنا بمعجزات الأنبياء السابقين وقرأنا عنها سواء في كتبهم أو صحفهم، أو حتى في كتابنا الذى تؤمن به إيمانا يقينيا أنه كلام الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه.. 

 

لكن.. يبقى ذكر كل المعجزات من باب الخبر التاريخى الذى سمعنا عنه ولم نراه ولم نخبره أو نمر به، والذى إنتهى وإنقضى أجله وطواه الزمن، وهناك من يشكك به وبعقلانية حدوثه.. لكن الأمر فى القرآن الكريم يختلف تماما ومعجزة محمد خاتم الأنبياء هى المعجزة الوحيدة الحية والقابلة للتصديق فى كل زمان ومكان.. كيف ذلك؟

Advertisements

صدق ما قبل البداية

نزل الكتاب على رجل أمى لا يقرأ الكتب ولا يكتب، فكانت شبهة إتيانه بهذا الكتاب أو إفتراه على الله صفرية الاحتمال، ثم أن هذا الرجل، أو يتيم دار عبد المطلب مكث أربعين عاما يحتفى به الدانى والقاضى بصدقه وأمانته، فحرى بمن لا يكذب على الخلق أربعة عقود من عمره أن يتجرأ ويكذب على إله الكون ورب البيت وخاصة فى هذه السن التى تتصف برجحان العقل وكمال الفكر..

 

كما أن الأمين الذى كان أشد كارهيه يستحفظ عنده ممتلكاته الثمينة ويأمنه عليها، لا يمكن أن تسول له نفسه أن يخون أمانته مع خالقه الذى كانت يتحنث له فى غار بعيد فى سفح جبل إخلاصا وتوحيدا وصدقا فى العبادة بعيدا عن الرياء والنفاق وطلب السمعة.

معجزة البداية الحضارية التقدمية

فى وسط أمة أمية تعيش على التجارة ورعاية بيت الله الأزلى الذى دنسوا محيطه بالأوثان، ووسط مجتمع ظالم طبقيا، يستعبد الضعيف ويستقوي على من لا منعة له، يهبط الوحى بكتاب تكون أول وصاياه وأولى آياته إقرأ!


تقدمية ونقلة إعجازية حضارية تخرج الإنسان من ظلمات الجهل لنور المعرفة.. يستجيب الرسول الصادق فيخبر الروح الموحية له بأنه ليس بقارىء، فيكون رد الوحى أن تكون القراءة والترتيل وراءه بإسم الرب الذى خلق الجميع من علقة والذى علم مخلوقات بالقلم.. 

 

الرب الأكرم الذى يدرك حالهم المزرى فيمن عليهم برحمة منهم فى كتاب يعلمهم أصول كل شىء، ليس عن طريق معجزة زمنية يراها البعض ثم يموتون وتموت المعجزة ويواريها الدهر، بل بمهناج للحياة قوامه العلم والتقدم والمساواة والتحرر من الأوهام، وتحرير الإنسان من كل أغلاله التى قيد نفسه بها ولم يردها له الرب الخالق الواحد الأحد.

قرآن يقرأك

ثم يجاهد الرسول دون قوة مادية أو سطوة قبيلية حتى بنشر دينه، قوامه كلمات تقرأ وسط أمة لا تجيد سوى الفصاحة اللفظية والمعرفة الشعرية.. لكنها ليس كلمات عادية هى آيات مقدسة إعجازية، يتحداهم منزلها سبحانه بأن يأتوا بمثلها ولو حتى سورة واحدة.. لكن هيهات أن يتحدى المخلوق خالقه ويأتيه بمثل ما أنزله وهو صانعه وإن يشأ أهلكه قبل أن يلفظ ببنت شفه.

 

كتاب عقلاني لم يدعم مبلغه بمعجزة تذهل منها الأبصار كإحياء الموتى مثلا أو إبراء الأكمه والأبرص، لكن بمعجزات أكبر تدفع العقل لبلوغ أرقى العلوم بالتفكر والتدبر، كتاب يمتدح العلماء وأولى الألباب ولا يساو بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون..

 

 

كتاب تقرأه، فتقرأ شفرات نفسك وتسبر غور أعماقها، كتاب معجز وليس رواية تقرأها مرة أو مرات فتملها، لكن تقرأه وتحفظه ولا تطيب نفسك إلا بقراءته كل يوم وكل حين ولا تمل ولا ترتوى أبدا إلا به.. معجزة شيدت حضارات، وتنهار الأمم والحضارات بهجره إنه إعجاز سرمدي دائم غير ذى عوج.
Fotuheng@gmail.com

الجريدة الرسمية