رئيس التحرير
عصام كامل

الآن أرى حقيقتك يا أبي

على امتداد البصر بمحاذاة البحر الهادئ كانت مملكة المختارين تطفو على أرض سائلة، بينما كان إيلي طفلًا صغيرًا يعيش في عالم مليء بالسعادة والأمان.. والده، الجنرال كوبي، كان بطلًا في عينيه، يخوض المعارك ويحارب الأشرار الذين يختبئون في أعماق الأنفاق. وكانت والدته، مورجي، تغمره بحبها ودفئها في كل لحظة.

 

في عقله، رسم إيلي صورة أسطورية لأبيه البطل، الذي يحمي الأبرياء ويقود الجيش إلى النصر. لهذا كان إيلي يحلم بأن يكبر سريعا ليصبح مثل والده، يدافع عن الضعفاء ويحقق العدالة.. لقد كان كوبي جنرالا مهيبا، يحارب الأشرار الذين يعيشون في الأنفاق، ويهددون أمن مملكة المختارين، بحجة أنهم أصحاب الأرض.

Advertisements

 

صحيح أن سكان الأنفاق هم من سكنوا تلك الأرض قبل آلاف السنين، وهم من عمرها وغرس في أرضها أشجار الزيتون، لكن المختارين هم من يحكمونها بعدما نجحوا في طرد السكان الأصليين إلى الصحراء، وأيدهم في ذلك جماعة من اللصوص ذوي النفوذ، وآخرون يركبون الأحصنة المعدنية.

 

مضت الأمور على خير ما يرام، لكن الحياة كانت تحمل لإيلي الصغير اختبارًا صعبًا، إذ أصيب بمرض خطير في عينيه، وكان الأطباء يحذرون والده ويقولون له إن الصغير قد يفقد بصره في غضون شهور قليلة. ذلك الخبر الصادم هز قلب الصغير وألقى بظلال من الحزن على حياته الطفولية وحطم آمال والديه.

وحشية كوبي

لقد شعر الجنرال كوبي بالألم العميق عندما سمع خبر مرض ابنه المحبوب، كان يعلم أن عيونه هي مصدر أمله في المستقبل، إذ يحلم الطفل بأن يصير مثل والده، قناصا ماهرا يستطيع صيد العصفور في عشه.. وفي لحظة من اليأس والجنون، قرر الجنرال أن يفعل أي شيء لإنقاذ ابنه، وقاده الخوف والحزن إلى القرار الغريب.

 

قرر أن يستخدم عيني أحد الأطفال الأشرار الذين يعيشون رفقة أسرهم في الأنفاق ليعيد النظر إلى عيني إيلي المحبوب، تأججت نار الانتقام في قلبه، وتحول إلى وحش يسعى للانتقام من الظلام الذي حطم حياة ابنه البريء.

 

فعل الجنرال كوبي ما لا يمكن تصوره.. لقد قتل طفلًا واقتلع عينيه بلا رحمة. ثم عاد إلى ابنه محملًا بثقل الذنب والخيبة.. أجريت العملية الجراحية بنجاح، وعاد إيلي إلى المنزل برفقة والده، ولكن عندما فتح الصبي عينيه لأول مرة بعد العملية، كانت المفاجأة صاعقة.

رأى إيلي والده في صورة تختلف تمامًا عما كان يتوقع.. لم تكن العيون التي نظر من خلالها تحمل له الحنان والحماية، بل كانت تعكس وحشية الجنرال كوبي. قطرات الدم تتساقط من يديه، وكأنه يحمل عبئًا ثقيلًا من الذنوب.

 

 

تمزق قلب الصغير إيلي عندما فهم حقيقة والده. صرخ بكل قوة قائلًا: الآن أرى حقيقتك يا أبي!  دون تفكير، قام الطفل إيلي بفقأ عينيه بأصابع يديه الصغيرتين، ثم قفز من شرفة المستشفى التي أُجريت فيها العملية الجراحية. وسقط جسده الصغير بجوار جثة الطفل الشرير الذي قتله والده.  

الجريدة الرسمية