رئيس التحرير
عصام كامل

حكاوي زمان، أنيس منصور يكتب عن «الدوخة» في حياة الصحفيين

حكاوى زمان، فيتو
حكاوى زمان، فيتو

في كتابه “معنى الكلام” كتب الكاتب الصحفي أنيس منصور مقالا تحت عنوان (دائخون والسبب عدم الراحة) قال فيه: جلست أعد الكثير مما كتبت من مقالات للنشر، فوجدت عددا كبيرا منها على مدى عدة سنوات يتحدث عن ضرورة الراحة، ضرورة أن يهرب الإنسان من عمله، من الناس إلى أي مكان بعيد لا يرى أحدا فيه يعرفه، ولا يتكلم لغته ولا يأكل طعاما ولا يقرأ صفحة واحدة، أو لا يقرأ ولا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، ولا يكتب.


الدوخة أحد أمراض الصحفيين وهي ناتجة عن الشقاء وعدم الراحة، وهي شائعة كثيرا بين الصحفيين دون أن يعرفوا أسبابها.. إما لأنهم يسمعون كثيرا والذي يسمعونه يتركونه مدة طويلة في آذانهم، أو لأن الذي يسمعونه يديرونه في رؤوسهم حتى تدوخ.

Advertisements


تمددت أمام الطبيب الكبير وقال: إن الدوخة بسبب تعب في أذنيك من كتر ما سمعت من كلمات.. وكان التشخيص سليما ذهبت إلى طبيب آخر، وكأنني سمكة ألقى بها الموج بين فكي قطة.. ذهبت أشكو من الدوخة، وبدت السعادة على وجهه، أنه مشغول بكتابة بحث عن الدوخة لينشره في إحدى المجلات العالمية، وبسرعة دخلت في غرفة مظلمة، وتمددت والتفت الأسلاك الكهربية حول رقبتي وحول أذني وأضيئت الأنوار الحمراء والخضراء في السقف.

 

ولم أعد قادرا على الحركة، وتذكرت ملابس رواد الفضاء، وكان المطلوب مني أن أقلب عيني يمينا وشمالا، وكنت أسمع عبارات الاستحسان كلما قلت شيئا ولم أفهم ما الذي يستحسنه، ولكن كانت هناك أصوات غريبة.


بعد ذلك انتقل الدكتور الكبير إلى تدويخي، فراحت المياه الباردة تصب في أذنى اليسرى وأدوخ ومطلوب مني أن أتكلم وأدلي بمعلومات، وانتقلت المياه الباردة إلى أذني اليمنى.


وتكررت الدوخة ولا أعرف ماذا أقول، لكن هناك أجهزة تسجل كل حركات العين وتدحرجت على الأرض كأي رائد فضاء بلا مظلة. وجلست أمام الطبيب لأعرف النتيجة.. ما الذي حدث وكيف حدث؟ وما الحل؟ وكان يقوم بعمليات حسابية معقدة لردود فعل الأذنين وحركات العين. 

 

والنتيجة وهذا هو الأهم لنا جميعا: ليس هناك غير علاج واحد.. الراحة.. الراحة. كل إنسان من الضروري أن يستريح على قدر ما يستطيع.. تعبت من المشي.. مدد رجليك، وإذا لم تستطع أن تنام فأجلس، وإذا لم تستطع أن تذهب إلى السينما فاخرج إلى الشارع. 

المهم أن تكون على راحتك وعلى مهلك.. هذه ضرورة لتستريح الأذن وتذهب الدوخة.. وأكثر الناس الدائخون هم الصحفيون لكنهم لا يعرفون السبب.. وهذا هو أهم الأسباب. إنني كلما تذكرت ما حدث لي فإننى أدوخ.. ولذلك لن أتذكر ما حدث.

الجريدة الرسمية