رئيس التحرير
عصام كامل

ممنوع من النشر

على غير العادة كان الاشتباك داخل غرفة الأخبار أكبر من اعتباره حوارا جانبيا حول قضية مهنية أو فكرة صحفية أو اعتراض على تقرير أو خبر أو تحقيق.. طرفا الحوار زميلان صحفيان أحدهما يسأل عن جواز نشر خبر أرسله أحد الوزراء ومضمونه "الوزير يهنئ الرئيس بعيد الأضحى المبارك".


قال أحدهم: نجمع كل التهاني في تقرير وننشرها جملة واحدة وقال آخر: أرى نشرها واحدا واحدا.. بينما كان رأي الثالث الذي أثار جلبة: ولماذا تنشر أصلا؟ هل فيها ما يهم القارئ؟ هل نقدم خدمة للناس بنشر مثل هذه الأخبار؟ هل يقرأها الناس أصلا؟

Advertisements


أعرف وزارة كانت تمتلك واحدا من أهم المراكز الإعلامية والصحفية تحول مركزها بقدرة قادر إلى مجرد ماكينة لا تنتج إلا أربعة أخبار سنويا أولها أن الوزير يهنئ الرئيس بعيد الفطر والثاني بالطبع أن الوزير يهنئ الرئيس بعيد الأضحى المبارك والثالث أن سيادته يهنئ فخامة الرئيس بشهر رمضان المبارك ورابعه أن الوزير يهنئ الرئيس بعيد انتصارات أكتوبر المجيدة.

 

تهنئة الرئيس


ينتهي دور المركز الإعلامى الكبير والقديم عند هذا الدور.. أربعة أخبار كلها ترتبط بتهنئة الوزير للرئيس ودمتم.. الوزارات الأخرى تفعل نفس الشيء بالطبع ولكن لديها أخبار أخرى والمثير أن الوزير قد يرفع هاتفه ليعاتبك لأنك لم تنشر خبر تهنئة سيادته لفخامة الرئيس!


بعض الوزراء والمحافظين يرون أن هذه التهنئة قد تكون أهم من أن يشغل بال سيادته بما يقدمه للجماهير، وبعضهم يحرص عليها أكثر من حرصهم على العمل وسط الناس، وقليل منهم إنما يفعلها بروتوكوليا وليس أكثر من ذلك وهناك من يعتبرها إشارة ولاء.


وبعيدا عن اعتبارات الوزراء في تهانيهم للسيد الرئيس فإن القارئ لا ينظر من قريب أو بعيد إلى مثل هذه الأخبار في حال نشرها وقد ينظر إليها بعين الريبة والشك في الصحيفة وفي مقدم التهنئة أو قد يراها نفاق رخيص لا معنى له وقد يعتبرها البعض علامة على تخلف ما.


أذكر أن مسئولا إعلاميا في وزارة مهمة هاتفني وهو يلح في نشر تهنئة من هذا النوع بالعدد الورقى وعلى الموقع الإليكترونى وعندما صارحته بأننا لا ننشر مثل هذه الأخبار إلا بين زعماء الدول لأنها تحمل دلالات بعينها كاد أن يغمى على الرجل. 

 

وشرحت له الأمر بهدوء: هل تعتقد أن جماهير الشعب المصرى تنتظر على أحر من الجمر تهنئة الوزير للرئيس ؟ وهل تظن أن هذه الجماهير قد تصيبها خيبة أمل لو أن الوزير لم يهنئ الرئيس ؟ وهل تظن أن الجماهير سيزداد تقديرها للوزير لو أنه هنأ الرئيس ؟ 

 


من حق الوزير أن يهنئ الرئيس وقد يكون ذلك من تراث نظام الحكم في بلادنا وبلاد غيرنا ولكن يجب أن تتوقف هذه التهاني عند حدود أنها من راسل إلى مرسل إليه ولا تخرج إلى الجماهير عبر وسائل الإعلام خصوصا وأن هذه الوسائل لديها ما تقدمه إلى قرائها وبالطبع ما لديها أهم بكثير من خبر الوزير الذي يهنئ الرئيس!

الجريدة الرسمية