رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

حكاية من ألف ليلة وليلة.. شركة باتا

كان ياما كان في سالف العصر والأوان، في قرية صغيرة من قرى جمهورية التشيك تسمى زلين في عام 1895، وكانت قرية فقيرة، وتضم عددا قليلا من السكان الذين يفلحون الأرض، وبعضهم يعمل بالحدادة، ومن العاملين بالحدادة كانت عائلة باتا الذين ورثوا المهنة منذ ثلاثة قرون، ولم يبق من العائلة في مجال الحدادة سوى الأشقاء توماش باتا وشقيقه أنطونين باتا وشقيقتهم أنّا باتا.. 

 

وكانت معيشتهم تقوم على تصنيع أدوات الزراعة أو ما يحتاجه المنزل من مغاليق وكلها أشياء بسيطة، لكن في صيف 1895 عانى أهالي القرية كلها من شظف العيش وشدة الحر غير الطبيعية التي حالت دون الزراعة، وبالتالي لم تعد مهنة الحدادة مجدية، فكانت الأسرة تقتات بالدين، وتراكمت الديون حتى أن توماش عندما بلي حذاءه لم يستطع شراء غيره، مما اضطره لأن يستخدم قماش الخيش مع نعل حذاءه القديم ليصنع حذاء يستعمله في الخروج، فكانت الفكرة جديدة..

Advertisements

 

وكان الحذاء مريحا خاصة بالصيف مع متانة القماش، فراق الحذاء شقيقه وشقيقته فصنع لهما حذاءين، وشعروا بخفتهم مع راحتهم للأقدام، وكان الدَّيانة كثيرا ما يقفون بابهم يسبونهم ويطالبون بحقوقهم، فعرض توماش على بعضهم أن يصنع له ولأولاده أحذية كالتي يرتديها وأراها له فراقت للرجل، وبالفعل صنع الأحذية التي أعجب بها الأولاد، فطالب أبناء باقي الدَّيانة والديهم بأحذية مماثلة، فتنازل هؤلاء لعائلة باتا عن الديون في مقابل الأحذية التي يصنعها توماش.


ومن هنا تغيير نشاط العائلة لصناعة الاحذية القماشية، ولما راقت هذه الأحذية أهالي القرية بدؤوا في طلبها من العائلة، فاستقرت العائلة على تأسيس مصنع لإنتاج هذه الأحذية تحت اسم مصنع باتا، والتي كان توماش يخيطها بيديه وتساعده شقيقته، ويجلب شقيقهما لهما ما يريدان من الخارج من جلد أو قماش خيش، وكان رخيصا جدا، أو ما تحتاجه الأسرة من طعام وشراب.. 

 

وراجت حركة البيع بصورة كبيرة، فاضطرت الأسرة أن تستعين بسبعة أفراد آخرين لعمل دائم وراتب ثابت أسبوعي، وكان ذلك شيء نادر جدا، وأن تستعين بورشة الحدادة لتكوين أول مصنع للأحذية باتا، وانتشر هذا النمط من الأحذية بصورة واسعة، وساعد على نمو الشركة بحيث أصبحت تشغِّل 50 شخصًا. 

تطوير شركة باتا

وبعد أربع سنوات من ذلك ركَّبت الشركة أولى الآلات البخارية بادئة عهدًا من التطوير التقني السريع. وفي عام 1904 أدخل توماش باتا طرائق مكننة الإنتاج التي سمحت لشركة باتا للأحذية بأن تصبح أحد أوائل منتجي الأحذية بالجملة في أوروبا. 

 

كان أول منتجاتها الرائجة على نطاق واسع هو "باتوفكي" المصنوع من الجلد والقماش والموجه للعمال، وقد تميز ببساطته وتصميمه الجميل بالإضافة لوزنه الخفيف وسعره المناسب. ساعد نجاح هذا الحذاء على نمو الشركة فأصبح عدد العاملين فيها بحلول عام 1912 نحو 600 شخص بالإضافة إلى عدة مئات من العمال الخارجيين الذين يعملون ضمن بيوتهم في جوار قرية زلين.


مع بدء الحرب العالمية الأولى في عام 1914 حققت الشركة تطورًا ملحوظًا مع زيادة الطلب على الأحذية العسكرية مما نتج عنه زيادة في عدد عمال شركة باتا بين عامي 1914 و1918 عشر مرات، وأثناء الكساد العالمي الذي تلى الحرب العالمية الأولى، ومع هبوط قيمة العملة بنحو 75% قلَّ الطلب على البضائع بقدر كبير وهبط مستوى الإنتاج كثيرًا وبلغت البطالة أعلى مستوياتها. 

 

وقد ردَّ توماش باتا على الأزمة بتخفيض أسعار أحذيته إلى النصف، كما وافق عمال الشركة حينها على تخفيض رواتبهم مؤقتًا بنسبة 40%، بالمقابل قدَّمت الشركة المواد الغذائية والألبسة والأشياء الضرورية لهم بسعر أقل بنسبة 50%. 

 

أدخل توماش باتا إحدى أوائل مبادرات مشاركة الربح التي تحول جميع العاملين إلى شركاء يساهمون في نجاح الشركة (وهو ما يكافئ اليوم حسن الأداء المستند إلى الحوافز والأسهم). وكان رد فعل المستهلك على ترخيص الأسعار رائعًا، ففي حين أن أُجبر معظم المنافسين على الإفلاس بسبب تدني الطلب بين عامي 1923 و1925 تعاظم إنتاج باتا مع تنامي الطلب على الأحذية الرخيصة. 

 

مصنع باتا في القاهرة 

وقرر توماش افتتاح مصنع ومعارض للشركة بالقاهرة عام 1927 وبالفعل تم ذلك حيث افتتح مصنعا للشركة بشارع عماد الدين وحققت انتشارا واسعا بين مختلف فئات المجتمع المصري، نظرا لجودة الاحذية على اختلاف أنواعها من أحذية رجالى وحريمى وأحذية الأطفال، بجانب الحذاء الرياضي الأبيض الذى اشتهرت به الشركة.. 

 

كما عرفت الشركة بوضع "لبيسة" مع كل حذاء يتم بيعه، وهو ما ساهم فى زيادة مبيعات الشركة، وتوفي توماش باتا في عام 1932 وعمره 56 سنة في حادث أثناء إقلاع طائرته في طقس سيء من مطار زلين، وبوفاته انتقلت إدارة الشركة إلى ابنه توماس جون باتا.

 

واستمر نجاح الشركة في مصر حتى تأميمها عام 1961، وتم ضم الشركة بنفس الاسم التجارى باتا، رغم فصلها التام عن الشركة الأم في جمهورية التشيك، إلى الشركة القابضة للصناعات الكيماوية. وعلى مدار سنوات منذ تأميم الشركة تعرضت الشركة إلى مجموعة من الأزمات والخسائر تسببت فى تدهور وضعها إلى حد تصفية نحو 186 فرعا من فروع الشركة لتحقيقها خسائر كبيرة، ومع الإبقاء على 126 فرعا. 

 

رغم ذلك التدهور، حققت شركة باتا- نظرا لخطة التطوير التي تم وضعها من قبل إدارة الشركة- مجمل أرباح عن العام المالى 2016/2017 بما يعادل 5.5 مليون جنيه، مقابل 4 ملايين عن العام المالى 2015/2016، بجانب تحقيق صافى أرباح للعام المالى 2016/2017 إجمالي 1.1 مليون جنيه مقابل 1.9 مليون جنيه. 

 

ومنذ عام تقريبا تم وضع خطة لتطوير الشركة وأشار الرئيس التنفيذى للشركة، أن تصنيع أحذية "السفتي" سيكون رأس حربة الشركة فى عملية التطوير، وتراهن الشركة أنه سيدر أرباحا ولا سيما مع شراء ماكينات جديدة، واستبشر المصريون خيرا حتى تفاجئوا بقرار الجمعية العامة غير العادية للشركة.. 

 

بالموافقة على ما انتهت إليه اللجنة المشكلة بالقرار رقم 17 لسنة 2023 الخاصة باتخاذ كافة الإجراءات القانونية والمالية والفنية والتنظيمية المتعلقة بدمج الشركة المصرية للأحذية باتا، في شركة المحاريث والهندسة لتصبح فروع باتا عارضة للمنتجات الصناعية والآلات الزراعية ألخ، بدلا من الأحذية، وتنتهي شركة باتا كما عرفها المصريون إلى الأبد.

Advertisements
الجريدة الرسمية