رئيس التحرير
عصام كامل

مكانك راوح واستسهال

تلقي الفضائيات والمنصات بثقلهما في الدورة الرمضانية، كأن المشاهد متفرغ لاستقبال ومتابعة تخمة درامية برامجية إعلانية، بعضها أخذ وقته في التحضير والتنفيذ وكثير منها أنجز على عجالة، فاصطاد المتلقي العادي الأخطاء الفادحة، التي حفلت بها أعمال رمضان.


محتوى ومضمون وأفكار عشرات المسلسلات تنوع بين تراجيدي وكوميدي، اجتماعي وتاريخي وحقبوي، ومع هذا لم يبرز منها مسلسل أو يترك بصمة، فجميعها مازالت "مكانك راوح" رغم انتصاف الشهر الفضيل، تصاعد بطيء في الأحداث لأن الغالبية تأتي في 30 حلقة، ما جعل المط والطحن سمة المشاهد وحواراتها في حين أن بعض المشاهد يمكن أن تنتهي في دقيقة واحدة، على عكس الدراما محدودة الحلقات، المعتمدة على حبكة درامية جيدة ومشاهد مكثفة وأحداث سريعة لا يملها المتلقي.

أخطاء فاضحة

تشهد دورة رمضان في مصر والخليج والعالم العربي، عدد كبير من المسلسلات التاريخية والحقبوية التي تعود أحداثها إلى القرنين الـ18 والـ19 والأحدث بينها يعود إلى منتصف القرن الماضي، اجتهد الجميع في محاكاة عناصر ومفردات الحياة في تلك الحقب، لكنها واجهت معضلة هوليوود سمايل لنجوم تلك الأعمال، وعدم وجود ممثلة بملامح طبيعية، فالوجوه لا تخلو من النفخ والشد ورفع الحواجب، فضلا عن نحت القوام، وأصبحن جميعًا نسخًا متشابهة.


لم تقتصر معضلة المسلسلات على عمليات التجميل، بل أسفر الاستسهال في الإنجاز أخطاء فاضحة خصوصا في "الراكور"، منها ظهور شخصيات بملابس عصرية جدا في مسلسل "دفعة لندن"، الذي تدور أحداثه في ثمانينات القرن الماضي، ووجود لوح طاقة شمسية فوق أحد قصور مسلسل "الزند" رغم أنه يحاكي عهد الدولة العثمانية نهاية القرن الـ 18.

 

وضحت أخطاء عدة في مسلسل "سره الباتع"، حيث ارتدى جنود المماليك أحذية رياضية، واستقل الفنان أحمد عبدالعزيز "الحنطور"، وهو ما لم تعرفه مصر، إلا بعد رحيل الحملة الفرنسية وغيرها من الأخطاء. وبغض النظر عن التسلسل التاريخي للأحداث، واللغط المثار حول مسلسل "رسالة الإمام" والأخطاء الواردة فيه نتيجة العجلة والاستسهال، أعلن شاعر سوري أن فريق المسلسل سرق أشعاره واستغلها في العمل.

 

استسهل مخرج مسلسل "جعفر العمدة"، ونقل أحد مشاهد مسلسل "عائلة الحاج متولي" للفنان الراحل نور الشريف. بينما استفز مسلسل "علاقة مشروعة" الجمهور بمشهد يكشف أن مصروف إبنة بطل العمل 1000 جنيه يوميًا، ولم يراع الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعانيها غالبية الشعب.

خيبة أمل

لم تكن عودة مسلسل "طاش ما طاش" بحجم الترقب والانتظار، فالعمل الذي تابعه الخليج كله بشغف طيلة 18 عامًا، خيب الآمال بموسمه الـ 19، بعد توقف 12 عامًا، ورغم الاستهلالة الذكية والمميزة بحلقة رصدت ووثقت المتغيرات الكبيرة والانفتاح في السعودية، إلا أن الحلقات التالية لم ترق للطموح.. 

 

وأبدى الجمهور خيبة أمل في "طاش العودة" بعد انتظاره سنوات، فالأفكار مكررة، الإيقاع بطئ، الأداء باهت والكوميديا مفتعلة، وكأن الثنائي ناصر القصبي وعبدالله السدحان يمثلان رغمًا عنهما، فضلا عن مشكلة واضحة في الصوت وعيوب في الإضاءة وحركة الكاميرا، واستخدام موسيقى لا تتناسب مع طبيعة العمل الكوميدي، وكلها يتحمل مسؤوليتها مخرج المسلسل محمد القفاص.

 

في تونس استحوذ على المشاهدة مسلسلي "فلوجة" و"سبّق الخير".. الأول أثار جدلًا واسعًا من الحلقة الأولى ورفضت محكمة تونسية إيقاف عرضه، ردًا على دعوى مستعجلة لتضمنه إساءات للمنظومة التربوية، حتى أن وزير التربية محمد علي البوغديري، انتقده بشدة واعتبره مهزلة درامية، هدفها ضرب الأسرة التربوية في العمق ولا يعكس الصورة الحقيقية للتلميذ التونسي، بينما رأى الجمهور أنه يعكس واقع مؤسسات التعليم وتردي أخلاق وسلوكيات طلاب المدارس.

 

المسلسل الثاني "سبّق الخير"، جمع ألمع نجوم الكوميديا، لمناقشة الواقع المعيشي التونسي، انطلاقا من مواقف تبدو بسيطة ومضحكة، لكنها مشحونة نقدًا وتدعو إلى التفكير جديًا في كيفية إدارة شؤون الدولة وتحديد أولوياتها واحترام قانونها، وتتناول الحلقات استهتار الحكومات في معالجة القضايا الكبرى واقتصارها على الاهتمام بقشور الأمور.

 

 

وفي العراق، رضخت هيئة الإعلام والاتصالات لضغط العشائر ومطالبات نيابية، وأوقفت عرض مسلسل "الكاسر"، بعد دعوة أحد مشايخ العشائر الجنوبية، لإيقاف عرضه، لما يتضمّنه من إساءة لعشائر الجنوب، وتشبيهها بالإرهاب الداعشي، وتدور أحداث المسلسل في بيئة ريفية ذات طابع عشائري يتسم بالثأر والصراع القبلي.

الجريدة الرسمية