رئيس التحرير
عصام كامل

أنا وفريد شوقي.. أين ترعرعت سيدتي؟!

'أين ترعرعت سيدتي؟!' سؤال كلاسيكي وجملة شهيرة كانت تعكس حال الصحافة خاصةً الفنيةً منها في فترة الأربعينات والتي كانت طبيعتها الاستسهال، وهذا السؤال الساذج السطحي وجهه أحد الصحفيين والذي لعب دوره القدير حسن البارودي للفنانة تحية كاريوكا الراقصة التي تحولت فجأة ً من لعبة الراقصة بحي العوالم بنت العالمة سنية جنح إلى نجمة السينما فاتينيتسا، ضمن أحداث الفيلم الجميل لعبة الست..


وهو ما يشير أيضًا إلى الصورة السلبية التي كرسها عمدًا مع سبق الإصرار صناع السينما منذ بداياتها حتى الآن عن الصحفي ومهنة الصحافة، رغم أنه لا غنى دون شك عن هذه المهنة بالنسبة لهم للترويج لأعمالهم ونجاحاتهم وتلميعهم، ولكن للأسف مع التراجع الشديد لدور الصحافة في السنوات الأخيرة وتردي أوضاع الصحفيين بفعل التراجع الكبير في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وطغيان صحافة السوشيال ميديا عادت هذه الصورة السلبية للصحفي لتطل من جديد بعدما صارت مهنة صاحبة الجلالة السلطة الرابعة مهنة من لا مهنة له؟!


فريد شوقي وأنا!


لعل أكثر ما دفعني للتطرق إلى موضوع تراجع الصحافة وفقدانها سطوتها وبريقها لأسباب عديدة ومتشعبة لا يتسع المجال والوقت لتناولها، هو ذلك الحوار التاريخي الذي دار بيني وبين الفنان الكبير الأسطورة فريد شوقي في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي، والذي كان بمثابة استشرافًا لمًا ستأول له أوضاع الصحافة والصحفيين بعد ذلك بسنوات من تراجع مخيف ولهذا الحوار قصة طريفة..

 

فقد كنت في سنواتي الأولي بعالم الصحافة اتحسس طريقي ولكن بهدف أن أكون مختلفًا ومقتحمًا لعالم كبار النجوم، ووقع إختياري على الفنان فريد شوقي أو الملك كما كان يلقب في الوسط الفني، وكم كانت سعادتي عندما وافق على الحوار وحدد الموعد في اليوم التالي للاتصال التليفوني الأرضي فلم يكن المحمول قد ظهر بعد، وعلى الفور أعددت نفسي لهذا اللقاء المفصلي في مشواري بجمع أكبر قدرًا من المعلومات عن هذا العملاق من خلال ما نشر له وعنه في الصحف والمجلات حيث لم تكن علاقتي بشبكة المعلومات الإليكترونية قد بدأت بعد.. 

 

وذهبت إليه في الموعد المحدد محملًا بمشاعر متباينة من السعادة والزهو وبعض القلق وليس الخوف من هذه القامة الفنية، وبعد عبارات الترحاب والود من جانبه فاجأني الأستاذ فريد بأن قال لي: يا شريف أوعى تسألني وتقولي بدايتك كانت إزاي؟ وأضاف أم أحمد الدلالة واللي زيها عارفين أنا بدأت إزاي فأنا تعبت كتير من هذا السؤال ؟!

 

فلم أتمالك نفسي من الضحك والدهشة ونفيت له بشدة تطرقي لهذا السؤال وخطر على ذهني ساعتها ذلك المشهد الكوميدي ذو الدلالة المهمة عندما بدأ القدير حسن البارودي حواره الصحفي مع تحية كاريوكا في فيلم لعبة الست بطولتها مع عبقري الكوميديا نجيب الريحاني إنتاج 1946! 

 

وهنا عذرت فريد شوقي لأنه عاني كثيرًا طوال مشواره الفني الذي امتد لنصف قرن من الصحفيين ومدعي الصحافة، من أمثال هذا النموذج السلبي السطحي الذي جسده البارودي ممن لا ثقافة ولا معلومات ولا شخصية لهم، الذين وجدت بعض الدكاكين الصحفية ومكاتب الصحف العربية ضالتها فيهم لضعف أجورهم، وذلك عوضًا عن الصحفيين المهنيين الحقيقيين.. 

 

مما أدي إلى أن أصبح هؤلاء للأسف غالبية وازدادت أعدادهم أكثر فأكثر مع ظهور وسطوة عشرات المواقع الالكترونية التي يعمل معظمها من غرفة تحت بير السلم؟! وهو ما أساء بشدة إلى مهنة الصحافة التي صارت مهنة من لا مهنة له في السنوات الأخيرة!. ولم تستطع نقابة الصحفيين ولا الهيئة الوطنية للصحافة أن تفعل شيئًا مع هذا الوضع الغريب والعجيب ؟!

أفلام أساءت للصحافة 

للأسف كانت ومازالت السينما الفن السابع ذات التأثير الكبير في الجمهور، أحد أكبر المسيئين لمهنة الصحافة والمكرسين للصورة الذهنية السلبية لها عند الناس عبر سنوات طويلة، وذلك بتقديمها العديد من الأعمال التي عكست هذه الصورة أكثر بكثير من الأعمال التي قدمت صورة إيجابية مغايرة، وكان أيضًا للنجاح الكبير لهذه الأعمال تأثيرًا مضاعفًا.. 

ومن أشهرها: اللص والكلاب لشكري سرحان وكمال الشناوي الذي جسد شخصية رؤوف علوان الصحفي الانتهازي الذي يفعل أي شيءٍ من أجل المنصب والمال، الرجل الذي فقد ظله لنفس البطل ونفس تركيبة شخصية الصحفي تقريبًا..


والقاهرة 30 لحمدي أحمد في دور محجوب عبد الدايم الذي كان صحفيًا في بدايته وعلى استعداد لبيع كل شيءٍ حتى شرفه! وهذا النموذج يحلو للبعض أن يطلقه على من هو على شاكلة محجوب عبد الدايم؟!، وثرثرة فوق النيل الذي لعب فيه عادل أدهم دور صحفي فاسد حشاش عربيد يقوم بتلميع من هم أمثاله فقط !..

 

ودموع صاحبة الجلالة التي فضح فيها الصحفي الكبير موسى صبرى نموذج منتشر في عالم الصحافة ألا وهو محفوظ عجب الصحفي المتسلق المنافق الفاسد الذي يلعب مع كل الشخصيات والعصور يتنازل عن كل شيءٍ من أجل الوصول لقمة الشهرة والمال؟!، وامرأة واحدة لا تكفى لأحمد زكي الذي قدم صورة سلبية للصحفي الوصولي الذي يسعى من خلال امرأة لتسلق سلم الوظيفة والشهرة ويستخدم العديد من أساليب الاحتيال والكذب لهذا الغرض؟!

الجريدة الرسمية