رئيس التحرير
عصام كامل

هل من مخرج للأزمة الاقتصادية الخانقة؟

لا يمكن أن ينكر عاقل ما تمر به البلاد من أزمة اقتصادية خانقة ترجع لندرة الدولار مع زيادة حجم ما يتم استيراده من الخارج؛ مما جعل سعر الدولار في ارتفاع غير مسبوق أمام الجنيه الذي انخفضت قيمته الشرائية لأكثر من الثلث، فانعكس ذلك على زيادة الأسعار بصورة كبيرة تكاد تعجز الكثير عن الشراء؛ مما ينذر بأزمة تضخم غير مسبوقة مع توقف العديد من المصانع عن الإنتاج لعدم وجود مستلزمات إنتاج أو زيادة في سعر المنتجات تجعل المستهلك يحجم عن الشراء الخ. 

 

ونرى أن السبب الرئيس في هذه الأزمة الخانقة – غير أزمة كورونا وحرب أوكرانيا– هو الحكومة ذاتها التي لم توجه نشاطها للإنتاج وتقليل الفجوة بين الاستيراد والتصدير، واستهلاك واستنزف الاقتصاد في مشروعات دون عائد حقيقي سريع، ولذلك يعاني الشعب من هذه السياسة ولا تجد الحكومة سبيلا لتوفير الدولار سوى الاقتراض خارجيا والجباية من جيب المواطن داخليا..

 

وها هو صندوق النقد الدولي يعلن مؤخرا موافقته على تقديم قرض جديد بقيمة 3 مليارات خلال السنوات الأربع القادمة. وحسب الصندوق التزمت الحكومة بموجب هذا الاتفاق بتحرير جديد لسعر صرف الجنيه المصري  في وقت تزداد فيه حدة أزمة نقص الدولار في السوق. وتذهب معظم التوقعات إلى أن التحرير الجديد لسعر الصرف في ظل وضع كهذا سيؤدي إلى مزيد من التراجع في سعر الجنيه مقابل الدولار الأمريكي..

 

لأن الطلب على الأخير من قبل التجار والمدخرين والحكومة سيزداد سواء لتمويل المستوردات أو لحماية المدخرات من تقلب أسعار العملة المصرية. ولا سبيل لتلطيف الأمر إلا أن تتدخل الحكومة بضخ كمية كبيرة من الدولار في الأسواق كما تتدخل لحل أزمة تكدس البضائع في المواني لشح الدولار، وتتدخل بإجراءات حازمة تعيد تسعير السلع على أساس سعر استرشادي الخ فبهذا الأمر سيقل خطورة انفلات سعر الدولار أمام الجنيه..

قرار البنك المركزى

 

والأهم من كل ذلك أن توجه الحكومة نشاطها لإنشاء مصانع جديدة تقلل من الاستيراد والاعتماد على الدولار كما تتوسع في الزراعة للأمر ذاته.. وتبدو أهداف الحكومة من خلال الاتفاق مع الصندوق واعدة، غير أن الشكوك في واقعيتها تتزايد لأكثر من سبب. فدفعات القرض التي ستقدم خلال أربع سنوات والتمويلات الإضافية المتوقعة تبدو متواضعة إزاء حجم الأموال المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف. 

فحجم  الديون الخارجية يقترب من 177 مليار دولار مقابل أقل من 140 مليار دولار ربيع العام الماضي 2021. ووفقا لمؤسسة التجارة الخارجية الألمانية للاستثمار والتجارة فإن الدين العام المصري يشكل حاليا 89 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. أو مما يعنيه ذلك أن خدمة الدين الذي تزيد سنويا على 20 مليار دولار إلى ارتفاع في وقت تتراجع فيه احتياطات البنك المركزي المصري من العملة الصعبة وترتفع فاتورة المستوردات من السلع الأساسية بشكل لا مثيل له منذ عقود. 

 

وفي الوقت الحالي تزداد حدة أزمة نقص الدولارات اللازمة لتغطية تكاليف المستوردات المتزايدة من مختلف السلع وعلى رأسها المواد الأولية والسلع الضرورية كالأغذية والأدوية. ورغم استمرار سياسة بيع المزيد من مؤسسات القطاع العام أو أسهم منها للقطاع الخاص والحصول على قروض أجنبية إضافية والدعم المالي الخليجي السخي، فإن هذه النقص مستمر بشكل يضعف الثقة بمناخ الأعمال والاستثمارات. وقد زاد من حدة ذلك تراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى الأسواق والصناديق المالية وارتفاع أسعار جميع السلع ونقص الإمدادات منها.


وفي هذا الإطار ينبغي أن أحيي قرار البنك المركزي الصادر مؤخرا من أجل إحكام الرقابة على توريد حصيلة تصدير الذهب، حيث نتج عنه انخفاض تدريجي في سعر الدولار أمام الجنيه وكذلك انخفاض ملموس في سعر الذهب. وقد وجه البنك المركزي البنوك بأنه في حالة عدم ورود حصيلة العمليات التصديرية الخاصة بالذهب خلال مدة أقصاها 7 أيام عمل من تاريخ الشحن..

 

وبعد متابعة البنك للعميل في هذا الشأن دون جدوى بحد أقصى 3 أيام عمل تالية، بإبلاغ البنك المركزي باسم العميل ومجموعته، لمنعهم من إجراء أي عمليات مستقبلا. وقبل التعليمات الجديدة، كان المركزي يمنح مهلة 180 يوما لتوريد حصيلة العمليات التصديرية للذهب للبنك المرتب لعملية التصدير.


 وقد كان التاجر يصدر الذهب بالدولار ومن ثم يضارب بالدولار في السوق السوداء فيرفع من سعر الدولار والذهب معا، وقبل أن تنتهي مدة الشهور الستة يورد بعضا من الدولارات ويعيد الكرة، لكن بمهلة 10 أيام فقط لن يستطيع التاجر المضاربة بحصيلة الدولارات، ومن ثم وقف المضاربات التي ترفع سعر الدولار في السوق الموازية بشكل كبير. 

 

 

وتدخلات البنك المركزي لها شقان، الأول متعلق بالرقابة، والثاني متعلق بوضع آليات لضبط سوق الصرف سواء بالنسبة للدولار أمام الجنيه أو الذهب أمام الجنيه، فبالنسبة للدولار فقد تم حل مشاكل الاستيراد تدريجيا وتذليل عقبات الاعتماد المستندي، وتقديم تسهيلات من الجهاز المصرفي للمستوردين والأفراد للحصول على العملة الأجنبية، وهذا تحقق بعد اتفاق صندوق النقد بشكل مباشر.

وحينما يحصل المستثمرون على احتياجاتهم الدولارية من الجهاز المصرفي، فهذا يؤدي تدريجيا إلى حدوث انخفاض لسعر الدولار أمام الجنيه في السوق الموازية، والقضاء على المضاربة بشكل كبير.

الجريدة الرسمية