رئيس التحرير
عصام كامل

عظمة القرآن في عيون القراء (2)

تظهر عظمة القرآن الكريم في رقي معانيه التي لطالما أبهرت المفسرين والقراء، ويقف أصحاب الذوق الرفيع في تأمل دلالة الألفاظ وقفة المتمعن العاشق لكتاب الله فما يلبثون إلا أن يزدادوا إليه شوقا وعشقا وحبا موقنا بالله بأنه حتما يسير في طريق نوراني إلى مزيد من المتعة التي لا تصفها كلمات واللذة التي لا تقيسها أوصاف.

 

ولست هنا بصدد تفسير أو اجتهاد؛ لأن العلم لا زال عامرا بأهله وليس بحاجة إلى دخلاء، إذ يقودني الحرص على أمانة النقل أكثر من الولوج في تقديم الأطروحات.. لذلك تستوقفني كثيرًا خواطر الإمام الراحل محمد متولي الشعراوي – رحمه الله – وقد كان للرجل وقفات مع الأحرف والكلمات ومن فرط أدبه أسمى تفسيره للقرآن الكريم خواطر وبدأ يتعرض لتحليل دلالات الألفاظ والمعاني بأدب جم وذوق رفيع.

معاني عظيمة

يحضرني في نظرتي إلى عظمة المعاني في كتاب الله عز وجل. قول الله تعالى في سورة الجن «وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا».. إن الفعل «أُريد» - بضم الألف - المبني للمجهول هنا إنما يتضمن دلالة واضحة كالشمس في ضحاها على رقي اللفظ أيما رقي وسمو المعنى أيما سمو فقد نسب الشر إلى المبنى للمجهول ونسب الرشد والخير إلى الرب العلي عزَّ وجل.

 

يحضرني في ذلك السياق أيضا قول إبراهيم عليه السلام في رده على أبيه آذر حينما أدار خليل الله معه حوارًا أسسه على منطق الهداية الرباني وقوانين الخلق التي لا تتبدل ولا تتغير.. وكان الخليل يقدم أرقى مع ينطق به بشر في تعامله مع الأب الذي جعله الله سببا في وجود الابن في الدينا؛ فيقول إبراهيم – عليه السلام – «يَا أَبَتِ» بنداء ممزوج بالرقة والتلطف والتودد وسمو الأخلاق ولم يقل له «يا أبي» وإن صح المعنى لكن الخليل في دعوته قدم التلطف والتودد.

وحتى انتهاء الحوار يقول له: «..سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا». ويقول له أيضا: «يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا».

 

 

لم يشر إلى أنه في مقارنة معه وهو في رده عالم بحساسية الموقف في إدارة الحوار بين الابن وأبيه.. وحتى في تحذيره يقول له: «يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا».. اختار اسم الله الرحمن في توفيق من الله في الرد على الأب وفي أرقى كلمات دعوية يتوقف عندها أهل الفصاحة والبيان كثيرا.. ولا زالت معاني كتاب الله تفيض بالعطاء.

الجريدة الرسمية