رئيس التحرير
عصام كامل

اللحظة الاستثنائية

اللحظة المقدرة لموت إنسان أو سعادته، قرار إلهى مكتوب، واللحظة التى يختارها الإنسان، أى إنسان في موقعه، ليخوض حربا أو يعقد صلحا أو يسلم أو يستسلم هو قرار إنساني بحت خاضع للمناورة.. في كلمته الطويلة للرئيس السيسي فى ختام المؤتمر الاقتصادي، بدا التأمل واضحا في خطاب رئيس البلاد، وهو تأمل وجد ألفاظه وتعبيراته بسهولة، فيما كان ذلك عسيرا بعض الشيء في السنوات الأولى من حكم الرئيس، ويلفت النظر فى كل ما قاله بالنسبة لى، أنه اختار اللحظة المناسبة لإنفاذ القرارات المصيرية الصعبة لإصلاح الاقتصاد المصرى.. 

 

لحظة أجمعت عليه الأمة واجتمعت فى ٣٠ يونيو وفى ٣ يوليو، ودعته لحماية الدولة، ومثل هذه اللحظة أتيحت للرئيس جمال عبد الناصر فأمم قناة السويس، وقبلها أجلى الإنجليز عن مصر بعد أكثر من سبعين عاما من الاحتلال، ومثل هذه اللحظة حصل عليها الرئيس السادات، بعد أن حقق الجيش المصرى النصر في حرب أكتوبر، فعرض السلام على إسرائيل وحصل على بقية الأرض المصرية، ومثل هذه اللحظة حصل عليها الرئيس مبارك في حرب تحرير الكويت، فخاض جيشنا حربا عربية - عربية دولية، وتحققت مكاسب هائلة، حررت الاقتصاد المصرى، ناهيك عن المساهمة في إنقاذ الأشقاء بالكويت من أول احتلال عربي- عربي، إذ احتل صدام الكويت واعتبرها المحافظة رقم ١٩!


ضاعت فرص كثيرة بعد ذلك على كل هؤلاء الزعماء، وهذه طبيعة المسارات التاريخية، وليست اللحظة الاستثنائية حكرا على قادة مصر والمنطقة، بل هى كذلك في حياة كل الأمم والقادة.


اللحظة الذهبية

تحدث الرئيس السيسي عن اقتناص اللحظة الذهبية لاتخاذ قرارات عسيرة، مكروهة شعبيا، دفع ثمنها من قبل الرئيس السادات مع ما أسماه وقتها بانتفاضة الحرامية، إذ حرك سعر الجاز والسكر والحلاوة فانفجرت الشوارع غضبا.. مما ترك عقدة عند من خلفه ألا يقرب من الدعم الذى تغول وتوحش وصار بقرة مقدسة. 

اختار الرئيس السيسي أن يحرر الاقتصاد الرهين بهذه البقرة المقدسة، فعرض شعبيته لاختبار صعب، انحسرت منها مساحات، ولكن الناس صبروا لأنهم يصدقونه ويوقنون بوطنيته، وحبه للناس. 

 

ولم يكد الشعب يتعايش مع آلام الإصلاح الاقتصادي، وتدور العجلة ويتحرر الاقتصاد، ومعدل النمو يتسارع، حتى ضربت كورونا العالم كله وأصابته بالشلل الاقتصادي، والرعب والخوف، وبالطبع نحن جزء من المشهد المخيف باهظ التكاليف. كانت هناك أيضا لحظة استثنائية، فقد اختار رئيس الدولة صحة الشعب قبل أي اعتبار مالي باهظ، وهكذا اشترت مصر اللقاحات الأحدث بكل أنواعها ولم تبخل على مواطنيها، وكان ذلك قرار لحظة فاصل.


رئيس الدولة الذى يفقد الإحساس بتوقيت اللحظة هو رئيس تحتضر علاقته بشعبه، وتسقط الذبذبة الصحيحة بينه وبين الشعب.. اللحظة الاستثنائية هى لا قبل ولا بعد الأزمة، بل هى في القلب من الحدث، تخاطبه بالعلاج الحاسم فيدرك الشعب أن عين مؤسسة الحكم يقظة، لا تغفل ولا تنام.
 

 

اللحظة الاستثنائية أيضا ألا يترسخ لدى القائد الذي نجح في استثمارها شعور بأنه صار أشد ذكاء ممن حوله، فيقصد من يلمحون أفق سحب أسود يتجمع ويرفض الإنصات.. القرارات المالية الأخيرة، بزيادة الحد الأدنى للأجور وزيادة الأجور والمعاشات ثلاثمائة جنيه، وتثبيت أسعار الكهرباء حتى يونيو القادم، هى استجابة واعية وسريعة لتبديد سحب سوداء داكنة كانت تتدافع فى الأفق.. وتوقيت المعالجة كان لحظة واعية أيضا. اللهم احفظ الوطن من كل السحب السوداء والعواصف الرعناء، واجعل قادته دوما من أصحاب اللحظة الذكية.

الجريدة الرسمية