رئيس التحرير
عصام كامل

أرقام في حياة سكان باكنجهام

رحلت الملكة اليزابيث ملكة بريطانيا وأسكتلندا وأيرلندا الشمالية، ودول الكومنولث الخمسة عشر، وبضعة مستعمرات أخرى، عن ٩٦عاما، وكانت أمها الملكة الأم عاشت حتى تجاوزت القرن بعام واحد، أي ١٠١سنة، وأمس تقلد أمير ويلز الأمير تشارلز عرش بريطانيا، وهو في الثالثة والسبعين من عمره، ويبلغ ولي عهده ابنه وليام ابن ديانا، ٤٠عاما، ولعل أفكاره وهو يوقع على وثيقة ارتقاء والده تشارلز عرش الإمبراطورية الغاربة هي ذاتها الأفكار التي دارت بخلد والده وهو يوغل في الشيخوخة بينما والدته تمعن في البقاء، حتى حان أجلها.

 

كانت إليزابيث في الخامسة والعشرين من عمرها حين  مات والدها الملك جورج السادس، في فراشه من مضاعفات  سرطان الرئة، وكان الجراحون نجحوا في استئصال رئة كاملة له، عاش بعدها ينزف حتى رحل في سلام. وقتها كانت إليزابيث أنجبت طفلين، وتركتهما مع الملكة الأم، وقامت برحلة إلى كينيا مع زوجها الضابط البحرى فيليب ماونتباتن، ضمن جولة كلفها بها والدها الملك جورج بسبب مرضه، وكان من المقرر أن تستمر الجولة لخمسة أشهر في دول الكومنولث والمستعمرات البريطانية، قطعتها بعد علمها بخبر وفاته.

 

نصبت إليزابيث ملكة فور وفاة أبيها، أخذا بمبدأ مات الملك عاشت الملكة، تماما كما هتفوا أمس بعد ٧٠عاما  ماتت الملكة عاش الملك. جرى العرف أن تكون هناك مدة فاصلة بين ارتقاء العرش Accession ويوم التتويج Coronation. في حالة اليزابيث التي ارتقت في عام ١٩٥٢، حدد لها ونستون تشرشل رئيس الحكومة البريطانية المرعب لكل الساسة والملوك، موعد الاحتفال بالتتويج ردا علي سؤال لها، بعد أن قبل يديها كما هو العرف. قال إن التتويج سيكون بعد ١٦شهرا.. 

 

وتعجبت وتساءلت لماذا كل هذه المدة الطويلة، فلم تحصل علي إجابة، وربما ستكون المدة التي سوف ينتظرها الملك تشارلز الثالث عاما أو أقل أو أكثر قليلا، وكما حدد رئيس الحكومة تشرشل يوم تتويج اليزابيث، فإن أخر من قابلته اليزابيث من رؤساء الحكومة البريطانية هي ليز تراس، وستكون من يحدد موعد تتويج تشارلز الثالث.

علام حزن العرب!


بعيدا عن الأرقام في حياة هذه العائلة المالكة، فإنه من غير الصحيح القول علي الإطلاق بشيوع حالة حزن عالمية، بالفعل يوجد حزن دبلوماسي، وحزن مواءمة، وحزن مصالح  وتحالف، وحزن حقيقي، لكن تبقي الملكة الراحلة ووالدها جورج السادس، ومن سبقهما، رموزا للقهر الاستعماري ونهب مقدرات الشعوب، في أسيا وافريقيا، ولن تستطيع  أجيال كاملة من الآباء والأجداد في افريقيا، وفي العالم العربي، وفي آسيا، أن يمسحوا من الذاكرة عقودا من التسلط  ومن الغصب، ومن الاحتلال بقوة السلاح.

 

هذا الجانب المظلم من الإرث الإمبراطوري  لم يغب عن تحليلات غربية، حتى داخل الاعلام الأمريكي الحليف، ذلك لأن الحقيقة هي الحقيقة، والحق إنك حين ترى على الهواء مظاهر التنصيب وتسليم العرش، ومظاهر الثراء في قصر باكنجهام والملابس الإمبراطورية، ستشعر بوقع طلقات المدفعية البريطانية تدك حصون الإسكندرية وتدمرها  لتحتلها، وتضرب عرابي وتهزمه وتنفيه، وتحتل مصر لاكثر من ٧٠عاما. علام كان حزن العالم عموما، وعلام كان حزن العرب بخاصة؟! 


حزن العالم الغربي كان وداعا لرمز إمبراطوري بني مجد بلاده وحافظ عليها، ووحد الأمة، فكلهم استعماريون نهبوا العالم الفقير الضعيف في أسيا وفي أفريقيا، أما حزن العرب فكان  حزن الرهينة إذ يظهر إمارات الامتنان  للسجان إن أطعمه وأحسن معاملته!

 


يحمل تشارلز الثالث عقلية عصرية  تجهزت  ٥٠عاما لمثل يوم أمس، وهو قارئ ممتاز ومفكر ومتفهم وفاهم الأديان ورسائلها، ويحمل للدين الإسلامي واليهودية احتراما كبيرا. هل يعمر تشارلز الثالث ليبلغ عمر أمه، فيقف وليام في مثل عمره ليتقلد العرش.. وولي عهده في الأربعين أيضا؟
الله أعلم..  لو عشت  فرأيت سأروي لكم التفاصيل!     

الجريدة الرسمية