رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

العراق ينزلق بعد زلزال الصدر

يثبت زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أنه الرقم السياسي الصعب في العراق، فبكلمة منه يحتشد عشرات الآلاف في الشوارع، وبإشارة منه يعود الهدوء ويستتب الأمن. من هنا تسعى إيران بكل السبل إلى احتوائه والتقارب معه، لتخفيف مواقفه تجاه خصومه في الإطار التنسيقي الذي يضم الأحزاب الموالية لإيران والحرس الثوري، لكنه رفض التبعية والموالاة للخارج.


إيران الساعية لمكاسب في مفاوضات اتفاق نووي، سيمنحها على الأقل 100 مليار دولار، لا تجد ثغرة تمر من خلالها إلى مقتدى الصدر، الذي رفض بثبات لقاء قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قآني للمرة الثالثة، كما رفض أيضًا لقاء السفير الإيراني بالعراق محمد كاظم آل إسحاق، لعلمه أن المرشد علي خامنئي، يرغب في حل الخلافات منعًا لتصادم القوى الشيعية العراقية، وحتى يضمن الإمساك بالقرار العراقي..

لهذا رفض مقتدى الصدر لقاء مبعوثي طهران ولم يلب الدعوة لزيارة إيران ولقاء خامنئي، مؤكدًا أن "العراق هو مركز التشيع، وأن مرجعية الشيعة الكبرى في مدينة النجف بقيادة علي السيستاني، وليس في مدينة قم الإيرانية، وعلى الآخرين أن يتبعوا العراق لا أن يتبعهم".

مبادرات مقتدى الصدر


يصر مقتدى الصدر، على إبعاد العراق عن التبعية لإيران، وأبدى ثباتًا في محاولته إصلاح أوضاع البلد من أعلى هرم السلطة إلى أسفله وإنهاء الفساد ومحاكمة الفاسدين وأغلبهم من السياسيين الموالين لإيران ومنفذي أجندتها.

توالت مبادرات مقتدى الصدر لتحقيق هدفه وإنهاء الشلل السياسي منذ فوز تياره بالأغلبية البرلمانية وهزيمة الأحزاب الموالية لإيران في أكتوبر 2021، لذلك ضحى وأعلن استقالة نوابه ليتسنى للبقية تشكيل حكومة والاتفاق على رئيس للجمهورية، لكنهم فشلوا وتعمقت الأزمة، إلى أن قدم اقتراحه الأخير بأن "تتخلى جميع الأحزاب الموجودة على الساحة السياسية منذ سقوط نظام صدام، بما فيها حزبه وتياره السياسي، عن المناصب الحكومية التي تشغلها للسماح بحل الأزمة، وأن يفسح الكل المجال لانتخاب أسماء جديدة تماما تتولى قيادة مؤسسات وهيئات البلد وتتشكل منها الحكومة"..

وهو المقترح الذي وجد تأييدًا كبيرًا في الشارع وترحيبًا من فصائل عدة تضم سنة وشيعة وأكراد.
خشيت إيران من فقدان سيطرتها على العراق، فأشعلت النار بتحريك المرجع الشيعي العراقي كاظم الحائري، ضد مقتدى الصدر، فأصدر بيانًا، طالب فيه بـ "إطاعة الوليّ الفقيه عليّ خامنئي، لأنه الأجدر والأكفأ على قيادة الأمّة وإدارة الصراع مع قوى الظلم"، ما يعني أنه يتوجب على مقتدى الصدر طاعة خامنئي دينيًا، لأن مقتدى الصدر "فاقد للاجتهاد وبقية الشرائط الشيعية في القيادة الشرعيّة"، وفي البيان ذاته أعلن كاظم الحائري، "الاعتزال وعدم الاستمرار كمرجع ديني بسبب المرض والتقدم في العمر".

اعتزال مقتدى الصدر

بيان كاظم الحائري، أعقبه رد مزلزل من مقتدى الصدر، الذي قرر اعتزال العمل السياسي، موجهًا كلامه إلى خامنئي وكاظم الحائري: "يظن الكثيرون بما فيهم السيد الحائري أن هذه القيادة جاءت بفضلهم أو بأمرهم. كلا، إنها بفضل ربي أولا ومن فيوضات الوالد محمد صادق الصدر، وإنني لم أدع يومًا الاجتهاد ولا حتى القيادة، إنما أنا آمر بالمعروف وناه عن المنكر، وكل ما أردتُه تقويم اعوجاج سببته القوى السياسية الشيعية باعتبارها الأغلبية، حتى يشعروا بمعاناة الشعب، ورغم قناعتي أن اعتزال المرجع الحائري لم يكن بمحض إرادته وما صدر من بيان عنه كان كذلك أيضًا، فإنني أُعلن الاعتزال النهائي، وستظل النجف الأشرف هي المقر الأكبر للمرجعية الشيعية".

اعتزال مقتدى الصدر دفع آلاف من أنصاره لنزول الشوارع تعبيرًا عن غضبهم، وسيطروا على المباني الحكومية، وأشعلوا النار في صور قاسم سليماني قائد فيلق القدس السابق، ومقرات الأحزاب الموالية لإيران، ثم اقتحموا القصر الحكومي وعبثوا بمحتوياته وسبحوا في مسبح حديقة القصر مثلما حدث في القصر الجمهوري السريلانكي.

لم يستطع الأمن إيقاف العبث وأسفر الاشتباك مع الغاضبين عن مقتل العشرات وإصابة المئات، ولم يستجب الشعب لحظر التجول، ما اضطر رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي لطلب المساعدة من مقتدى الصدر، وأن "يتدخل لتوجيه المتظاهرين بالانسحاب من المؤسسات الحكومية حرصًا على هيبة الدولة".

أعلن مقتدى الصدر، الغاضب لسقوط ضحايا من أنصاره، "إضرابا مفتوحا عن الطعام احتجاجا على العنف واستخدام السلاح ضد المتظاهرين، وأن سعيه لإبعاد الفاسدين عن السلطة لا يجب أن يقابل بالعنف ضد أنصاره".

 

استمرار الكر والفر والشغب في محافظات عدة، جعل العالم يتواصل مع مقتدى الصدر، لمنع انزلاق العراق إلى الفوضى الشاملة، فدعا الصدر أنصاره أمس إلى الانسحاب من الشوارع وحقن الدماء، مؤكدا إنه "يتبرأ من عناصر التيار الصدري إن لم ينسحبوا من الشارع خلال 60 دقيقة".

وبكلمة مقتدى الصدر، استعاد العراق الهدوء وتوقف الاحتراب، ليثبت مجددًا لخصومه السياسيين وعملاء إيران، قدرته على خلط أوراق المشهد السياسي وقيادته الشارع، وأن أزمة العراق ستظل قائمة حتى يستجيب الجميع لمشروعه الإصلاحي.

Advertisements
الجريدة الرسمية