رئيس التحرير
عصام كامل

المهنة المستباحة!

ألا يدعو واقع المهنة -صحافة وإعلامًا- أن يتنادى القائمون عليها لوضع روشتة إصلاح يجرى مناقشتها وتبني  محاورها في جلسات الحوار الوطني الذي يتولى أمانته نقيب الصحفيين ذاته.. أليست تلك فرصة ذهبية لوضع حلول لمشكلة من أخطر ما تواجهه بلادنا في هذه الآونة بعد زحف جحافل من الدخلاء على الصحافة والإعلام بلا معايير حاكمة أو رقابة حقيقية من النقابات المعنية التي من واجبها أن تدقق في اختيار العضويات الجديدة في صفوفها.


ما يثير الدهشة والأسى أن تجد من يسمى نفسه كاتبًا صحفيًا وما أكثرهم.. وربما لا يدرى هؤلاء أن الصحفي حتى يصل لمنصب رئيس قسم أو نائب رئيس تحرير أو يكون كاتب رأي وتخصص له مساحة في صحيفة فلابد أن يجتاز اختبارات كثيرة تحتاج جهدًا جهيدًا وتدقيقًا وتمحيصًا وخبرة طويلة حتى يتحقق له ذلك، وكان نواب رئيس التحرير لا يتجاوزون في أي جريدة أصابع اليد الواحدة، وهذا ما أعرفه لكوني تخرجت في إعلام القاهرة وعملت بصاحبة الجلالة ما يزيد على 40 عامًا تدرجت خلالها في المناصب حتى وصلت لرئاسة مجلس إدارة دار التحرير (الجمهورية).. لكن ما نراه اليوم هو عكس ذلك تمامًا؛ فالكثرة صاروا نوابًا لرئيس التحرير حتى أصبح المحرر عملة نادرة!

مهنة سامية


الإعلام والصحافة مهنة سامية ورسالة راقية تعتمد على الأخلاق والكفاءة والخبرة وتقتضي الممارسة وتستوجب الإنتاج وتحتم الاحترافية والمصداقية.. فهل تترك نقابة الأطباء مثلًا شخصًا يمارس الطب دون أن يحمل شهادة تؤهله لذلك.. وهل تتغاضى نقابة المهندسين والجهات الرقابية عن خريج تخصص في العلوم الاجتماعية ويعمل مهندسًا.. وهل تسمح نقابة المحامين بأن يمارس شخص المحاماة دون تدريب وامتحانات ورخصة تؤهله للعمل.


الإعلام بحسبانه المؤتمن على ضمير الأمة ووعيها وعقلها ورأيها العام أولى بأن يحاط بسياج من التدقيق والتمحيص والخبرة حتى يتمكن من أداء الرسالة باقتدار في زمن كثر المقلدون وازداد المهرجون وبات مهنة من لا مهنة له، حتى بات لاعب الكرة والراقصة والشيف أو الطباخ أوموظف العلاقات الاجتماعية والأمن مذيعًا أو إعلاميًا أو صحفيًا مع كامل الاحترام لهؤلاء جميعًا الذين حصل أغلبهم على شهادات جامعية من التعليم المفتوح.

 


ويبدو طبيعيًا في سياق يتسم بكل هذه السيولة أن نعيد التذكير بأجواء مهنية كانت منضبطة في إجراء مقابلات دقيقة مع مراسلي الصحف والتليفزيون قبل اعتمادهم مهنيًا قبل أن يختلط الحابل بالنابل ويزداد الأمر سوءًا باقتحام التكنولوجيا فائقة التطور حياتنا وجاءت بإعلاميين مقلدين وصحفيين مغشوشين وكتاب وهميين تسربوا لمهنة عريقة أقام عمادها رواد وعمالقة وقامات فكرية وثقافية يشار لها بالبنان.

الجريدة الرسمية