رئيس التحرير
عصام كامل

"كابوس الشتاء" يثير الرعب في أوروبا.. روسيا تخطط لإذلال دول "القارة العجوز" بورقة الغاز

كابوس الشتاء
كابوس الشتاء

فى وقت يحيا العالم موجة حر صعبة، تفكر أوروبا في الشتاء، تعرف أنه المعيار الحقيقي لمعرفة قدرة الغرب على تحمل فاتورة الصراع مع الدب الروسى فى الأزمة الأوكرانية، وربما هذا سبب تسابق صانعي السياسات فى الغرب لملء مخزوناتهم تحت الأرض بإمدادات الغاز الطبيعى قبل أن يبرد مرة أخرى، إذ تزيد المخاوف من نقص حاد في الغاز بسبب التهديدات المستمرة بقطع روسيا الإمدادات كاملة عن الاتحاد الأوروبي والتي تصل إلى 40٪ من إجمالي استهلاكه في الغاز، ما يعرض الغرب لخطر تقنين الطاقة بكل انعكاساتها على تضييقات الحياة، إذا لم تتخذ الدول المزيد من الخطوات لتحسين كفاءة الطاقة.

ويتصاعد القلق من توقف إمدادات الغاز الروسية لأوروبا بعد سلسلة من الأحداث المتسارعة بدأت بإيقاف روسيا ضخ الغاز إلى عدد من الدول منها بلغاريا وبولندا، ومن ثم إعلان أوكرانيا توقف مرور الغاز عبر أحد الخطوط المارة عبر أراضيها، وأخيرا وليس آخرًا إيقاف جازبروم استخدام خط "يامال" وفرض موسكو عقوبات على شركات طاقة أوروبية.


قلب الطاولة على الغرب
تزيد تهديدات روسيا لاستخدام غازها كورقة سلاح رابحة، فى المقابل تتسابق الدول الأوروبية للاستعداد لخطر وشيك مؤرق، حيث يبدو أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وعملاق الطاقة الروسي المملوك للدولة (جازبروم) يريدان قلب الطاولة على القارة من خلال الحد من إمدادات الغاز، وذلك حسبما أشارت صحيفة «الجارديان» البريطانية فى تقريرها الأخير، والذى جاء تحت عنوان «هل تستطيع أوروبا استبدال الغاز الروسي» وذلك بعد أن حذر رئيس وكالة الطاقة الدولية من أن ”أوروبا قد تواجه كابوسا مؤرقا إذا لم تستعد فوريا لاحتمال قيام روسيا بإيقاف جميع صادرات الغاز إلى المنطقة هذا الشتاء“.


أشارت الصحيفة البريطانية فى تقريرها إلى أن ”روسيا بدأت بالفعل فى قطع الإمدادات عن الدول الأوروبية فى خطوة واضحة منها لعرقلة جهودها لملء المخزون اللازم من الغاز قبل الشتاء المقبل، حيث قطعت غازبروم مثلا، الإمدادات التى تمر عبر خط أنابيب الغاز الطبيعي الرئيسي في أوروبا، ”نورد ستريم 1 بنسبة 60%“، ما أدى إلى خفض الإمدادات فى إيطاليا والنمسا والتشيك وسلوفاكيا، وتم إغلاق الغاز عن سلسلة من الدول الأخرى، بما فى ذلك بولندا وبلغاريا وفرنسا وهولندا، كما أدى انفجار في منشأة ضخمة للغاز الطبيعي المسال في فريبورت، التي كانت تشحن الغاز إلى أوروبا، إلى تقليص الإمدادات.


وبسبب تلك الخطوات التى اتخذتها روسيا والتى يمكنها أن تدفع أوروبا لتغيير موقفها تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية، باتت التساؤلات تكثر بشأن فاتورة الغاز الروسي على أوروبا، وكيف أصبح سلاح روسيا؟ وما هو مستقبل الغاز الروسي؟ وما البدائل الممكنة خاصة أن أوروبا تعتمد على الغاز بشكل كبير تحديدا في فصل الشتاء؟


بدائل موارد الطاقة الروسية
الدكتور أشرف كمال، مدير المركز المصرى الروسى للدراسات، يعود لإشكاليات العلاقة قبل القيود الغربية على الاقتصاد الروسى، إذ تشير الأرقام إلى اعتماد الاتحاد الأوروبي على موارد الطاقة الروسية، التي تعتبر المصدر الرئيسي للغاز والنفط وحتى الفحم بنسبة تبلغ 41.1% من إمدادات الغاز الطبيعى، 26.9 % من إمدادات النفط 46.7% من إمدادات الفحم.


أضاف مدير المركز المصري الروسي للدراسات، أن تداعيات الضغط على روسيا بالقيود الاقتصادية وصلت إلى شعوب أوروبا التي بدأت تشعر بالخطر من استمرار تفاعل الأسعار خاصة المتعلقة بالسلع الرئيسية ومصادر الطاقة، الأمر الذي دفع بعض الجماهير للخروج فى احتجاجات ضد سياسات الحكومات الأوروبية من أجل تجاوز الأزمة، مع تراجع إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا ومعها فرص دول الاتحاد في التخزين لتجنب الأزمات الحادة في مصادر الطاقة خلال فصل الشتاء القادم.


وأوضح الدكتور أشرف كمال أن دبلوماسية الطاقة الروسية نجحت في كشف الكثير من أوجه قصور وعجز الحكومات الأوروبية أمام شعوبهم، خاصة أن بدائل الغاز الروسي مرتفعة التكاليف ومن شأنها زيادة الأعباء على كاهل المواطنين، كما أن البدائل المستقرة لتوريد الغاز إلى أوروبا تحتاج إلى سنوات، حيث لا تتوفر البنية التحتية اللازمة لنقل الغاز سواء من الشرق الأوسط أو من غرب أفريقيا ويظل اعتماد أوروبا في الوقت الراهن على الغاز المسال مرتفع التكلفة.


وتابع: محاولات تقليل الاعتماد على الغاز الروسى تستهدف تقليل الموارد المالية للحكومة الروسية، لكن النتائج جاءت عكسية، حيث ساهم ارتفاع أسعار الغاز والنفط إلى زيادة موارد الخزانة الروسية، مشيرا إلى أن الأسواق الآسيوية بديل جيد لمصادر الطاقة الروسية، بينما مصادر إمداد أوروبا بالطاقة محدودة وبالتالي فإن روسيا لن تتأثر بشكل قوي من قرارات الاتحاد الأوروبي بتقليل الاعتماد على الغاز والنفط من روسيا، بينما تواجه الشعوب الأوروبية أزمات ارتفاع الأسعار نتيجة لهذه القرارات.


وأشار إلى أن ألمانيا تعتبر قاطرة الاقتصاد الأوروبي وسوف تتأثر قطاعات اقتصادية عديدة من تقليل الاعتماد على الغاز الروسى مع صعوبة أو العجز أمام توفير البدائل المناسبة، وبالتالى فإن الاقتصاد الأوروبي يواجه تحديات صعبة تتطلب إعادة صياغة العلاقات مع روسيا على أساس من الحوار المتكافئ والمصالح المشتركة.


مستقبل الغاز في أوروبا
حسين خضر، مستشار الصليب الأحمر الألمانى، والقيادى بالحزب الاشتراكي الألماني، يرى أنه من الآن فصاعدا وبعد نقص المعروض من الغاز واستمرار روسيا في حربها على أوروبا يعتبر سؤال مستقبل الغاز مصدر القلق للعديد من الشركات وللمستهلكين أيضًا في أوروبا.


أضاف: في ألمانيا بعد إعلان الحكومة خطة الطوارئ، أصبح الغاز سلعة نادرة ومن المتوقع قريبا فرض أعلى مستويات التصعيد الثلاثة والتي تتمثل في مستوى الإنذار المبكر، ومستوى التنبيه، ومستوى الطوارئ، لافتا إلى أن المستوى الأول يتم العمل به منذ مارس الماضي.


أوضح خضر أن تلك الخطوة أدت في المقام الأول إلى تجهيز المجتمع لتفاقم الأوضاع، بينما المستوى الثاني الذي يرقي إلى الإنذار المعلن الآن من قبل الحكومة من المحتمل أن يدخل حيز التنفيذ عندما يكون هناك انقطاع فى إمدادات الغاز أو ارتفاع الطلب بشكل استثنائى مما يؤدي إلى تدهور كبير في الإمدادات.


أضاف: مع ذلك فى حالة هذه المرحلة الثانية لا يزال السوق قادرًا على التعامل مع الاضطراب أو ارتفاع الطلب دون أن تضطر الدولة إلى التدخل، لذا لا يرتبط إعلان مستوى التأهب بعد بتدخل الدولة فى سوق الغاز وستكون التأثيرات دراماتيكية إذا تم استدعاء المرحلة الثالثة والأخيرة من خطة طوارئ الغاز.


يكشف خضر ملامح المرحلة الأخيرة حال استدعاؤها، عندما يكون هناك طلب مرتفع بشكل استثنائي على الغاز أو انقطاع كبير في إمداداته، مما قد يدفع الدول للتدخل وتنفيذ إجراءات غير معتادة على السوق لضمان إمدادات الغاز للعملاء المحميين والتى يتم فرضها من قبل وكالة الشبكة الفيدرالية، ثم تنظم الهيئة توزيع الغاز بالتنسيق مع مشغلي الشبكة.


أشار مستشار الصليب الأحمر الألمانى إلى أن تراجع واردات الغاز الروسي أدت إلى التمهيد لمستوى الإنذار الثاني من خطة الطوارئ ذلك بعد انخفاض شحنات الغاز الروسي بنسبة 60% عبر خط أنابيب نورد ستريم 1 على بحر البلطيق منذ الأسبوع الماضي وارتفاع الأسعار في السوق، الأمر الذي أدى إلى توتر الأوضاع واحتمالية حدوث ضغط إضافي رغم أن أمن الإمدادات مضمون فى الوقت الحالى، لذا من المقرر إجراء صيانة روتينية لخط أنابيب نورد ستريم 1 اعتبارًا من 11 يوليو المقبل، والتى قد تستمر حوالي عشرة أيام.


وتابع: فى السنوات الأخيرة وتحديدا في ألمانيا تم استخدام مرافق تخزين الغاز للتعويض عن انخفاض الواردات، ومع ذلك لا تزال وكالة الشبكة الفيدرالية لا ترى حاجة لاتخاذ إجراء إضافى نظرًا لأن الخزانات ممتلئة بنسبة 58.7٪ لكن ما يثير القلق هو فصل الشتاء، سيكون هناك اضطرابات كبيرة فى الأسواق تحتاج للإعداد بعناية.


وأوضح القيادى بالحزب الاشتراكى الألمانى، أن هناك قلقا من إخطار حدوث زيادات كبيرة فى الأسعار نتيجة تغيير القانون الذى تم تمريره فى منتصف شهر مايو الماضى بعد إضافة شرط تعديل السعر إلى قانون أمن الطاقة، والذى يسمح للموردين بتمرير أسعار شراء عالية للغاز الطبيعى بشكل مباشر وفورى فى شكل زيادات حادة لعملائهم حتى مع العقود طويلة الأجل وفقًا للقانون.


أما عن المرحلة الثالثة فيتوقع خضر عواقب أكثر دراماتيكية، أو بعبارة أخرى فى حالة حدوث أزمة غاز سيتعين على الصناعة إغلاق المصانع أولًا، وتأتي احتياجات الأسر فى المرتبة الأخيرة، كما سيتوجب على موردى الغاز ضمان إمداد العملاء المحميون لمدة 30 يومًا على الأقل واتخاذ الإجراءات الاحترازية المناسبة بالإضافة إلى خضوع المرافق الاجتماعية مثل المستشفيات لحماية خاصة.

 

نقلًا عن العدد الورقي…ـ

الجريدة الرسمية