رئيس التحرير
عصام كامل

في معاني التلبية

لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك.. هذه هي كلمات التلبية لدعوة الله عز وجل على لسان سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام للإقبال على الله تعالى بعد التجرد الكامل من الدنيا ومما سوى الله تعالى وحج بيته الحرام. هذا وتلبية دعوة الحق عز وجل ليست مجرد كلمات ينطق بها لسان العبد المؤمن المقاصد لبيت الله الحرام. 

 

وللتلبية معان حقيقية يعبر العبد عنها بكلمات ينطق بها ومن تلك المعاني.. التلبية والاستجابة لله تعالى في أوامره ونواهيه وذلك بالالتزام بها بمعنى أن يجدك سبحانه وتعالى حيث أمرك مؤتمرا طائعا ملتزما مستجيبا. ويفتقدك حيث نهاك أي مبتعدا ومجتنبا للمعصية.. ومن معاني التلبية امتثال العبد لحكم الله تعالى والتسليم والرضا بحكمه وقضائه وعدم المنازعة.. ومن معاني التلبية أيضا الصبر الجميل عند الابتلاء كما أمر سبحانه لقوله تعالى: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ). والشكر عند النعماء لقوله عز وجل كما أوجب عز وجل: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ).. والرضا بالقضاء كما أراد سبحانه. 

أصل التلبية

 

هذا والمعنى الكلي للتلبية يتجلى في مقام العبد في موجبات العبودية وملازمته لحضرة الربوبية والقيام بالموجبات والتكاليف الشرعية واستجابته لله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.. هذا وللتلبية أصل قديم وهو إقرار الأرواح في عالم الذر (عالم الأرواح والعهد والميثاق). الإقرار لله تعالى بالربوبية والإذعان له سبحانه بالعبودية. وقد كان ذلك بعدما خلق الله تعالى أبو البشر أبينا آدم عليه السلام حيث مسح سبحانه وتعالى على ظهره بيد القدرة الإلهية فاستخرج عز وجل من ظهره أرواح ذريته وأقامها في حضرته في مقام وحال الشهود، وتجلى عليها بأنوار ربوبيته وأشهدها من جلال وجمال وكمال أسمائه وصفاته الدالة على وحدانيته وتفرده عز وجل بالربوبية.

 

ثم جاء منه عز وجل  الخطاب بعد التجلي وشهود الأرواح بأنوار صفات ربوبيته عز وجل بأخذ العهد والميثاق بالإقرار بربوبيته سبحانه. وإلى ذلك أشار الحق سبحانه وتعالى بقوله: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ). هنا كان العهد والميثاق والإقرار بوحدانية الله تعالى وربوبيته.. هذا ومن المعلوم أن الإعتراف بالعبودية كامن في الإقرار بالربوبية فمبطون في الإقرار بالربوبية الإقرار بالعبودية ومن أقر بالربوبية يجب عليه أن يذعن لله تعالى بالعبودية بالاستجابة والولاء والطاعة والإنقياد والتسليم.. 

 

هذا ولما خلق الله تعالى أجساد البشر وألبسها الأرواح وأظهرهم في هذا العالم عالم الشهادة وأوجدهم في هذه الحياة.. اختلفت أحوال البشر نجد المؤمن التقي الصالح الولي. ونجد المؤمن الذي أطاع وعصى. ونجد الكافر والمشرك والجاحد والمنكر ولهذا الإختلاف سبب وأصل وسر  سوف نفرد له مقالا إن شاء الله تعالى.. هذا ولم يوفي الكثير من البشر بالعهد والميثاق الذي أخذه الله تعالى عليهم في عالم الذر كما ذكرنا ولم يحافظ على العهد والميثاق إلا القلة القليلة وهم عباد الله تعالى المؤمنين وهم أهل التلبية الذين لبت أرواحهم في عالم الذر من قبل أن تلبي ألسنتهم.

الجريدة الرسمية