رئيس التحرير
عصام كامل

الكهنة و30 يونيو!

ما حدث في 30 يونيو عام 2013 وثورة الشعب لتخليص مصر من قبضة حكم دينى اتخذ من الدين شعارا له لم يكن بالغريب على فطنة شعب انصهرت في بوتقته حضارات متعددة وخير شاهد نراه إذا ما تعمقنا في حلقات التاريخ المصرى منذ نحو آلاف السنوات، وليس في مصر فحسب ولكن في بقاع العالم القديم والحديث.. كيف؟

 
الإجابة  ببساطة إن سيطرة رجال الدين -أيا كان  المسمى سواء كهنة أو أحبار أو قساوسة أو مشايخ.. فى أى ديانة أرضية أو سماوية- على الحكم بشكل مباشر أو غير مباشر كانت وبالا على من حولهم، لأن الدين كان غطاء دائما لأفعالهم إلا ما ندر طبعا لآن التعميم ضد الموضوعية، كان الدين هو طريقهم للسيطرة على الناس، يتحدثون باسم الإله ويوهمون البسطاء أن مفاتيح الجنة والنار والخلود معهم.. 

 

استولوا على الحكم  والثروات بل وورثوها لأولادهم وأحفادهم إلى أبد الأبدين تحت شعار إنهم يمتلكون ويحتكرون العلاقة مع الآله ومعهم وحدهم مفاتيح الخلود والاخرة ومن عصاهم سكن الجحيم للأبد.. كانت الآف الأفدنة يتم وقفها للمعابد أو إن شئنا الدقة لهم ولأولادهم من بعدهم، بحجة تقديم القرابين للآلهة إلى قيام الساعة ومن أجل ذلك منحوهم هذه الخيرات من مال الشعب طبعا.

  جذور الحضارة


وحتى لا يكون الكلام معمما تعالوا مثلا ننظر بسرعة إلى مصر الفرعونية التي بدأت من 3200 قبل ميلاد المسيح أى منذ حوالى 5222 عاما منذ أن وحد الملك مينا شمال وجنوب مصر وبدأت عصر الأسرات الفرعونية التي وصلت إلى 30 أسرة حتى إحتلال مصر من الإغريق بقيادة الإسكندر الأكبر عام  332 قبل الميلاد، وكما يقول الدكتور علاء خطاب أستاذ تاريخ القانون: البداية كانت مرحلة التكوين لجذور الحضارة في الأسرتين الأولى والثانية، ثم الازدهار في الثالثة والرابعة ورغم أن الحكم كان ملكى مطلق كان المصريون سواسية أمام القانون في الحقوق والواجبات، تساوى جميع أفراد الأسرة الواحدة في الحقوق والواجبات وتمتعت المرأة بالأهلية القانونية..  

 

أى تبيع وتشترى وتلجأ للقضاء وتشهد على العقود مثلها مثل الرجل،  فلم يكن هناك امتياز للزوج على زوجته بعكس السائد في هذه العصور في العالم القديم حيث المرأة في ظل وكنف الرجل، سواء كان هو الأب أو الزوج أو الأخ أو حتى الإبن.. هنا في مصر في هذا الوقت الأمر مختلف كان الولد مثل البنت يرث مثلها ولا حقوق للأخ الأكبر على أملاك الأسرة مثلما حدث بعد ذلك وللجميع حق التملك المطلق والبيع والتنازل.. أى كافة الحقوق المدنية الحديثة مع الفارق طبعا.


لكن ماذا حدث في بواكير التاريخ في هذا المرحلة.. قام رجل دين -كاهن- إسمه أوسر كاف بالاستيلاء على السلطة والحكم في نهاية الأسرة الرابعة وأسس الأسرة الخامسة له ولاولاده من بعده حتى نهاية الأسرة السادسة.. وفي هذه المرحلة اصطبغت مصر بالدولة الدينية طبعا وتعددت الامتيازات لرجال الدين والأهل والأقارب وتحول نظام الحكم الى حكم الأقلية داخل إطار النظام الملكى.. والنتيجة تفشى نظام الاقطاع وظهرت الطبقية في المجتمع المصرى وأدى ذلك إلى تفكك الدولة المصرية باستقلال حكام الأقاليم وتحويلها إلى إمارات مستقلة.

الحكم باسم الدين


وعلى المستوى الاجتماعى إنهار مبدأ المساوة بين المصريين في الحقوق والواجبات، فكانت الحقوق تتحدد طبقا للطبقة التي ينتمى إليها المصرى منذ ميلاده ولا يستطيع تغييرها بل ويورثها لأولاده وأحفاده ولا فكاك منها، وظهر نظام الملكية المشتركة للأسرة حيث يتولى الإبن الأكبر إدارة أموال الأسرة ولا يحق لأى فرد منها أخذ نصيبه وخضعت المرأة من جديد لوصاية الأب أو الزوج أثناء حياته، فإذا مات إنتقلت وصياتها إلى الوصى الذى يعينه الزوج قبل وفاته أو لوصاية الإبن الأكبر.


ولأن المصريين لم يرضوا بهذا النموذج من الحكم مثلما حدث معنا في 2013 إشتعلت الثورات إلى نحو 136 عاما من الأسرة السابعة وحتى الأسرة العاشرة حتى جاء أحد الملوك المصلحين وهو منتوحتب الثانى ليقوم بتوحيد البلاد من جديد بعد أن كانت إمارات مستقلة وأسس الأسرة الحادية عشر لتبدأ مرحلة انطلاق جديدة.


هذه لقطة أو مشهد من الآف المشاهد التي سيطر فيها رجال الدين على الحكم أو الثروة، والنماذج متكررة في كل الديانات السماوية والارضية وفي مختلف بقاع العالم، الخ من مشاهد وأحداث لا يتسع المكان لها لكن العبرة بالنتيجة.. وكلنا يذكر أن نهضة أوروبا  لم تبدأ إلا بعد الفكاك من سيطرة الكنيسة.

 
لذلك لا يبدو غريبا من خلال  مشاهدة حلقات التاريخ ما تفعله داعش الآن أو جماعة الإخوان المسلمين أو غيرها  من جماعات تتخذ من الدين شعارا للسيطرة والحكم بإسم الدين وسواء كانت تنفذ مصالحها الخاصة أو بالأصح تنفذ مخططات كبرى لهدم ما تبقى من حضارت العالم القديم والإستئثار بأموال من حولهم.

 


الآن وبعد مرور 9 أعوام على 30 يونيو 2013 وإعتراف الجميع بما فعله الشعب المصرى ورؤيته وكشفه لما وراء الستار، يأتي الكل لمصر قولا أو فعلا  خاصة ممن ساندوا جماعة الإخوان ليعترفوا بثورة الشعب المصرى.. ألا يحق لنا أن نفخر بما تحقق ونبذل العرق إلى التقدم حيث المكانة الحقيقية لبلد في حجم مصر، كان الكل نياما إلا قليلا ونحن نشيد حضارة بمعنى الكلمة، بشرا وحجرا، علما وفنا، ونقشا وكتابة!
yousrielsaid@yahoo.com 

الجريدة الرسمية