رئيس التحرير
عصام كامل

دعاة على أبواب التريند.. وخبراء: الشهرة والفرقعة والترافيك أبرز الأسباب

صفوت العالم
صفوت العالم

بعض الدعاة أو من يمكن تسميتهم برجال الدين أو المشايخ من هواة الإعلام والتريند لا يزالون يمارسون هوايتهم فى حصد المشاهدات أو إثارة ردود الفعل العاصفة، فقبل أسابيع خرج الداعية عبد الله رشدى ليرفض الترحم على شيرين أبو عاقلة مراسلة قناة الجزيرة التى قتلها الاحتلال الإسرائيلى، ويجنح الدكتور مبروك عطية الأستاذ فى جامعة الأزهر للتعليق على كل حدث بخفة اعتبرها البعض إساءة لصورة العالم الأزهرى، فهو يتحدث فى كل شيء حتى طلاق الفنانة ياسمين صبرى من رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، أما الدكتور سعد الدين الهلالى، وهو أستاذ للفقه المقارن بجامعة الأزهر أيضًا فحدث ولا حرج، لأنه لا يترك شيئا إلا ويدلى فيه برأى يثير اللغط والجدل للدرجة التى دفعت الأزهر من قبل للتبرؤ من آرائه وفتاواه.

ومنذ أيام والشيخ أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر محل جدل كبير بآرائه وتصريحاته التى أباح فيها للرجل الزواج بأخرى فى الغربة حتى لا يقع فى الفاحشة.

الشيخ أحمد كريمة بعد تداول القضية إعلاميا والتفاعل مع تصريحاته على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعى بدا عصبيًّا بصورة كبيرة فى اللقاء الأخير له مع أحد الإعلاميين ربما اعتراضا على المداخلات التى هاجمته من داخل المؤسسة الأزهرية وخارجها.

كان لافتا أن أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر يستخدم أوصاف تعميمية خلال نقده التناول الإعلامي لتصريحاته، وزاد عليها بإطلاق اتهامات شتى على معارضيه، تارة بالعلمانية وبشكل مبطن بالإلحاد، وتارة بتجاهل الشرع والعمل على تصفيته من المجتمع.

ولم يتوقف الشيخ أحمد كريمة عند هذه المحطة فقط، بل تخطاها لإعادة تدوير مفردات حديث الأجندات والعمالة لصالح آخرين، واتهم الإعلام بدعم خطط أمريكية وغربية فى مصر هدفها نزع الدين من مضمونه وتسويق العلمانية لتحل محله، ما يطرح الكثير من الأسئلة حول كيفية إزالة الاحتقان الذى يتصاعد على الشاشة عند مناقشة أي قضية يحمى فيها الجدال والخلاف، لا سيما عندما يكون طرفا الحوار رجل الدين -أيًّا كانت مرجعيته- وإعلامي يتبنى -سواء بحكم عمله أو توجهاته- آراء مخالفة وربما معادية لما يطرح رجل الدين من أفكار وقناعات أو فتاوى.

رجل الدين والإعلام.. لماذا التوتر بينهما؟

سواء رجل الدين أو الإعلام، كل منهما يؤمن بشدة بما يفعله، والإيمان هنا يدل على معنى أعمق من مجرد تغطية قضية جدلية، بل الاعتقاد فى صحة ما يقوم به كل منهما فى أداء دوره لخدمة المجتمع، لكن المثير أن الممارسة العملية خلال السنوات الماضية على وجه التحديد تكشف أن كل منهما غالبًا ما يفشل فى القيام بمهمته.

ينتهى الخلاف دائما بالقطيعة أو رمى الاتهامات فى كل اتجاه، بينما الجمهور يعانى من أمية دينية ولا يستطيع تكوين آراء سديدة حول القضايا المختلفة، بسبب الصراعات والاتهامات، لا الحوار على الشاشات.

الخبير الإعلامي الدكتور ياسر عبد العزيز، يصف أزمة الحالة الإعلامية الراهنة فى مصر، ويراها تتسم بقدر كبير من التخبط وفساد إرساء الأولويات وتراجع المهنة، يضيف: لا يمكن إنكار أن الحالة الإعلامية هى جزء من الحالة العامة، كما أن جزءا كبيرا من المشكلات التى تنشأ فى المجال الدينى، أو المعالجات الإعلامية للقضايا الدينية يتحملها أصحاب التصريحات أنفسهم.

يوضح الخبير الإعلامي فى تصريح خاص لـ«فيتو» أن مسئولية إرساء الأولويات المصطنعة والزائفة والتخبط والضجيج والتشاحن المستمر لا يخص المجال الدينى وحده، وإنما يخص الإعلام أيضًا ومعهما الاعتبارات المتواجدة بالمجال العام، الذى يعانى من سيادة الأولويات المصطنعة على حساب الأولويات الحقيقية.

يستكمل عبد العزيز مؤكدًا أن التصريحات الدينية الصادمة وغير المدروسة من بعض الدعاة خلفها الرغبة فى إثارة الجدل لتحقيق الرواج والشهرة، لاسيما إن كان الإعلام هو أيضًا يستهدف الفرقعة والترافيك، على حد وصفه.

يرى الخبير الإعلامي أنه بجانب هذه الإشكالية، هناك أيضًا مشكلة تعانى منها البلاد ويراها لا تخص الخطاب الدينى ولكن الفكر الدينى، فالدستور -العقد الاجتماعى الذى يرتضيه المصريون أو يقولون إنهم يرتضونه- ينص على حرية الرأى والتعبير، وفى نفس الوقت ينص على مرجعية الشريعة والثوابث الدينية.


يختتم عبد العزيز ويؤكد أن مصر تعيش مرحلة مخاض صعبة للتوفيق بين نزوع البلاد للتحديث والإصلاح، وتمسكها بين قوسين –بالثوابث- وفى هذا الجدل ينشأ الصدام والمشاحنات.


قل كلمتك وتحمل مسئوليتها

الدكتورة ليلى عبد المجيد، العميد الأسبق لكلية الإعلام بجامعة القاهرة، ترى أن كل من يطرح أفكاره للرأى العام من الطبيعى أن يكون على استعداد لتلقى كافة الآراء المؤيدة والمعارضة ويجب أن يتحلى بسعة صدر لسماع كل الآراء.


توضح العميد الأسبق لكلية الإعلام لـ«فيتو» أنه من الوارد أن تلجأ بعض وسائل الإعلام للإثارة فى معالجة أي قضية تثير زخمًا على وسائل التواصل الاجتماعى، لكن فى النهاية طالما أدلى شخص ما برأيه طبيعى أن يجد آراء مخالفة وعليه تقبل ذلك.


على مدار التاريخ -المعاصر على الأقل- وهناك صدام ينشأ حول قضايا التجديد، لكن أحيانا يكون هناك فترات أكثر استنارة وتنويرا. تستكمل عبد المجيد: يجرى معالجة هذه الخلافات بشكل جيد عبر النقاش والحوار والأخذ والرد وتفنيد كل مقولة أو رؤية، لكن هناك فترات أخرى يكون فيها تشاحن واتهامات والطعن فى عقائد وإيمان من يدلى بآراء عكس السائد.


مسئولية الإعلام عن أحاديث الأجندات

وعن درجة مسئولية الإعلام فى إعادة تدوير أحاديث الأجندات عبر استضافة من لا يتقبل وجهات النظر الأخرى ويتجه للهجوم مباشرة على أي رأى لا يناسبه، ترى العميد الأسبق لإعلام القاهرة أنه ليس صوابًا التفتيش فى نوايا الإعلام، وإن كان يرغب فى إثارة الجدل أم لا، موضحة أن مناقشة القضايا من صلب دور الإعلام حتى وإن جنح البعض لإثارة اللغط حول ما يقوله ويصدره للناس.
فى الوقت نفسه، توصى الدكتورة ليلى عبد المجيد الإعلام بمعالجة مثل هذه القضايا بطريقة مهنية تحترم أخلاقيات المهنة، وأن لا يكون الهدف الإثارة على حساب النقاش العلمى الجاد الذى يحقق مصالح المجتمع، ويساعد الجمهور على الفهم بعد إيصال الأفكار بشكل صحيح، حتى يتبنى الرأى الصحيح بعد سماع كل الحقائق وتلقى كل الآراء.


العناوين التى تصنع إثارة «مرفوضة»

يقف الدكتور صفوت العالم، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة فى مساحة أخرى، ويرى أن هناك عددا من الإعلاميين قد لا يرى الخليفة المعرفية التى تقف وراء بعض الآراء الفقهية. لذلك يبحثون فى خلفياتها ودلالاتها التى تستند إلى أدلة وشواهد من الشرع والفقه.

يوضح العالم أن بعض الإعلاميين يرون أن آراء بعض الدعاة قد تخلق تحيزًا ضد المرأة وحقوقها، لافتا إلى حالة الشيخ كريمة مثال على ذلك، فالشيخ أحمد كريمة نفسه له آراء تعجب بعض الناس، وآراء أخرى تنتقد الإعلام وطريقة إدارته لمثل هذه القضايا، مضيفا: «على الإعلام أيضًا تقبل ذلك، دون وضع الخلاف موضع اتهام، فالحقيقة يملكها الجميع».

يوصى الأستاذ بكلية الإعلام الجميع بالابتعاد عن العناوين التى تصنع الإثارة، فقضية مثل تعدد الزوجات عنوان لسؤال قد يأتى من إحداهن إلى أستاذ الشريعة فى مجال تخصصه، لكن طرح العنوان للمناقشة فى الإعلام يصنع الإثارة، إذ قد يفكر الشخص المستنير أن مناقشة هذه القضايا تضيع حقوق واحترام المرأة التى منها منع التعدد أو على الأقل تقييد إتاحته دون مبررات، بينما يستند رجل الدين إلى الضوابط الدينية.

يضيف «العالم» مؤكدا أن هذا الاختلاف فى وجهات النظر عندما يناقش مع عنوان مثير، لا يحقق الضالة المنشودة للجميع لأنه يثير الرغبة فى الانتقاد لدى طرف وربما لا يعطى الفرصة للطرف الآخر فى أن يعبر عن وجهة نظره، وبالتالى علينا أن نحترم الرأى والرأى الآخر فى كل توجهاته، وبالأدلة التى يستند إليها فى كل المسارات المعرفية، على حد قوله.

نقلًا عن العدد الورقي…

الجريدة الرسمية