رئيس التحرير
عصام كامل

الاستنزاف والبناء ملحمة مصرية!

عندما نجحت ثورة يوليو 1952، لم تكن لديها عداءات مسبقة، وبالتالى عندما عقد السفير الأمريكى فى مصر مع بعض قيادتها، سأل: ما هى أهدافكم العاجلة.. أليست حرب إسرائيل؟ فكان الرد: نحن سنعمل على تنمية وبناء بلدنا! اطمأن السفير الأمريكى وذهب لإبلاغ الجانب الصهيونى بهذا وهو سعيد لأن الثورة لا تضع حرب إسرائيل في برنامجها العاجل، فإذا يواجه بغضب شديد من بن جوريون الزعيم الصهيونى لأن التنمية تزعجهم. 

 

وكما ذكر بن جوريون في مذكراته: بعد ثورة ١٩٥٢ في مصر، راقبنا مجموعة الضباط الأحرار؛ ونراهم شباب راديكالى ربما يكون اهتماماتهم متجهة إلى المال أو الشهرة؛ فقلنا لا بأس، لكن لو اتجهوا نحو التنمية فلابد من ضربهم.

لهذا كان الاستعداد لضرب مصر وإيقاف التنمية التى شهد العالم بها فى الستينات، وبسبب نجاح الخطة الخمسية الأولى كان لابد من حرب يونيه ١٩٦٧ التى استعد لها العدو الصهيونى منذ انتهاء العدوان الثلاثى فى 1956.

 

بالرغم من هذا لم تستطع الهزيمة كسر الإرادة المصرية، وظهر ذلك  عندما خرج الملايين من بسطاء الشعب يرفضون الهزيمة ويرفضون تنحى الزعيم جمال عبدالناصر، وكما أشارت مراكز بحثية ألمانية في ذلك الوقت، إلى أن الإنسان المصري الجريح،  بدأ سلسلة من العمليات العسكرية الناجحة بعد ثلاثة أسابيع فقط من تاريخ الهزيمة.. ففي الساعات الأولى من صباح 1 يوليو/ تموز 1967 بدأت معركة رأس العش وهذا كان الدليل القوى على فشل حرب يونيه 67 من كسر إرادة المصريين.

 

كما لم يتوقف استكمال بناء السد العالى وتم بناء أكبر مجمع المونيوم في الشرق الأوسط على مساحة 5 آلاف فدان، وأصبحت مصر الدولة المصدرة الأولى للدواء في أفريقيا والشرق الأوسط، لم يتوقف إنارة القرى والنجوع من كهرباء السد العالى فهذا الشعب رفض الهزيمة ورفض الاستسلام، وأصر على إستعادة أرضه وحقه وكرامته، وعبر الشاعر الكبير فؤاد حداد في قصيدة طويلة يقول فى جزء منها جمع فيه كل أبعاد التاسع والعاشر من يونيه:

تسعه يونيه كان صباحك عشره

كان صباحك كل مستقبل ولادنا

رأس العش وأخواتها

لم يكن الحل السياسى مطروحا ولا مقبولا، بل إن الفريق عبدالمنعم رياض، رفض ذلك حتى لو أعاد العدو الارض كاملة، وأصبح شعار مصر "ما أؤخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، وفى الوقت الذى كانت الجبهة الداخلية تعمل كخلية النحل من أجل البناء والتعمير، فتحقق فى الصناعة نموا أذهل العالم، وتم استكمال بناء السد العالى، وبناء مجمع الالومنيوم كأكبر منشأة صناعية في الشرق الاوسط وافريقيا، أما القطن فقد حقق أكبر انتاجية في تاريخ زراعته، الإنتاج الزراعى إرتفع إلى 15 %.. وكذلك نجحت الحكومة في مواجهة عمال التراحيل.. فضلا عن النجاح الملفت فى مجال البحث العلمى! 

وتم استصلاح 850 ألف فدان وتم تحويل 860 ألف فدان من رى الحياض إلى الرى الدائم، بالاضافة إلى أن قواتنا المسلحة حققت ضربات مؤلمة للعدو، مجموعة 39 قتال بقيادة البطل الفذ ابراهيم الرفاعى يحقق كل يوم ضربات للعدو، حتى وصل عدد العمليات التى نفذت إلى أكثر من 92 عملية قتالية خلف خطوط العدو.

ذكر رودريك ماكليش في كتابه وتوقف دوران الشمس عن حرب يونيه فقال: لم يكن النصر يعني بالنسبة للإسرائيليين سوى استمرار الوضع القائم، إلا ما نتج عن مؤتمر القمة فى ستمبر 67، كان صدمة للاسرائيليين وأشبه بزلزال ضرب الفكر الاسرائيلى وذلك عندما أعلن العرب "لا إعتراف – لا صلح – لا تفاوض"، وفوجىء العالم بقرار قطع  بترول العرب عن أمريكا وأوروبا أحد أهم قرارات قمة الخرطوم 67.

أما المعارك التى قلبت كل توقعات الصهاينة، فمنها معركة راس العش فقد كانت بعد ثلاث اسابيع فقط من النكسة، فمن يصدق إنه فى منتصف يوليو67 تم تفجير تشوينات الأسلحة والذخيرة، وغطى الدخان سماء سيناء عدة أيام في عملية جريئة لم يخدش فيها جندى، كما قام الطيران بهجمات في نفس التوقيت، أما تدمير المدمرة إيلات فغير نظرة العالم للبحرية المصرية وغير الفكر الاستراتيجى العسكرى فى العالم.. 

أما ملحمة الجزيرة الخضراء فسطرتها دماء الشهداء وعبقرية القيادة، وفى شدوان أجبروا العدو على الإنسحاب، والهجوم على ميناء إيلات ثلاث مرات معجزة للمقاتل المصرى، كما كان إستشهاد الفريق عبدالمنعم رياض فكان بشارة النصر وزادت حماسة المقاتل المصرى، وعملية رمانة وبالوظة كانا زلزال هز الكيان الصهيونى في حرب الاستنزاف!  كما ستظل عملية تدمير الحفار الصهيونى دليل عبقرية المخابرات المصرية، ولا أحد يستطيع تجاهل بناء حائط الصواريخ، والكثير الكثير بسواعد ابطال مصر.

ويؤكد خبراء عسكريون، أن أهم الدروس التى إستفادت منها القيادة المصرية هي بناء القوات المسلحة بإسلوب علمى وعلى أسس أكثر تقدما ليكون مؤهلا لخوض معركة النصر، وبالفعل أصبح بعد ثلاث سنوات، وضعت خطة "جرانيت 1" ثم "جرانيت 2" وهي التي طورها البطل الفريق سعد الدين الشاذلي وأصبحت "المآذن العالية"، من أجل عبور مصر إلى النصر.

 

 

ويقول الدكتور عزيز صدقى إن الرهان الأول لأى مسئول في مصر سواء كان رئيسا للدولة الى اصغر مسئول هو الشعب، فقراء الوطن هم الظهر الذى يقوى ويسند أى مسئول، الشعب وقف مع عبدالناصرفكان الشعب هو البطل الحقيقى الذى جدد الثقة فى قيادته بعد ساعات من النكسة!

و الله بكرة يا عم ابو ريّه

لها نضحك وإحنا ماشيين سويا ع المينا والا السكة ديا

لها نضحك واحنا ماشيين سويا... ع المينا ولا السكة ديّا

وها تاخد بنتك وإبنك ومراتك.... ونعدي علا نفس المعدية

و نقول يا دنيا والله وصدقتي

يا بيوت السويس

وتحققت نبوءة الأبنودى التى أطلقها في أغنية بيوت السويس وتحقق النصر في أكتوبر 73.

الجريدة الرسمية