رئيس التحرير
عصام كامل

تلاميذ القاهرة يدفعون الملايين مكافآت للبرادعي (1)

يمكنك أن تُحدثنا عن  الرجل الفاضل، فلا نصدقك حتى يتعرض لإغراءات فيرفضها دون رقيب عليه سوى ضميره، ويمكنك أن تُحدثنا عن الرجل المتفاني في عمله، فلا نصدقك حتى تتوقف الحوافز، فلا يتوقف هو عن العمل الجاد، ويمكنك أن تُحدثنا عن المسئول الشريف، فلا نصدقك حتى تتعارض مصلحته الشخصية مع الصالح العام، فينحاز بقراراته نحو الصالح العام. ويحضرني تسونامي فساد محافظة القاهرة الذي يغرق فيه الشرفاء، وتُهدر فيه أموال الدولة والمواطنين، وأتساءل: لماذا نسعى لزيادة عوائد الضرائب ولا نسعى لترشيد إنفاق تلك العوائد.

 

وفي لفتة سريعة يمكننا أن نتخيل أن موظفًا واحدًا في الدولة تمكن من تربيح أحد المتعاملين مع جهة عمله مبلغ ٧٦ مليون جنيه، نعم، لا تُراجع الرقم، ولا تفرك عينيك، هو كما قرأته، والموظف هو سكرتير عام محافظة القاهرة، إحدى المحافظات التي ترقد على بحيرة من الفساد المالي والإداري.

 

وقبل أن نروي ما لدينا عن متاهة الفساد، والتعاون المثمر لتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، فإننا نُذكِر القاريء بمسلسل "وتوالت الأحداث عاصفة" الذي عُرِض منذ حوالي ثلاثين عامًا، وقد لا يعرفه شباب هذه الأيام، وقد لا يتذكره أغلب كبار السن إلا بعد أن أذكر لهم كلمة السر في هذا العمل الدرامي الهام.

 

البرادعي ورشدى

 

"أنا البرادعي يا رشدي"، كانت تلك هي العبارة الشهيرة التي يتحدي بها زعيم العصابة الفاسد، ضابط الشرطة الشريف والمُكلف بالقبض على هذه العصابة، وبعد تنفيذ كل عملية إجرامية، يُبادر زعيم العصابة بالإتصال بالعميد رشدي ليُكرر التحدي ويقول له "أنا البرادعي يا رشدي".

 

ووجه الشبه بين المسلسل وقصة اليوم أمرين: أولهما: تحدي وبجاحة الفاسدين عند ارتكاب جرائمهم، وثانيهما: ذلك الغموض الذي يُحيط بقضايا الفساد المالي، فلا تكاد تقف على رأس الأفعى لتقطعها، وقد تعرفها وتلتزم الصمت، لأن الفاسدين قد تمكنوا من التغلغل في مؤسسات الدولة والتعاون بينهم وقننوا الفساد، وشاعت الجريمة بين المجرمين، فكل منهم قد أتى ما لا يُشكل جريمة عامة، وإن كانت الحقيقة بخلاف ما زعموا.

 

فما الذي حدث في أروقة مديرية التربية والتعليم بالقاهرة؟، وما الذي دار في الغرف المغلقة بمحافظة القاهرة؟، تلك المحافظة التي تفردت وحدها بفرض الإتاوات على المواطنين، فمن هو البرادعي في قصتنا؟
 

الرقابة الإدارية

 

وكانت مديرية التربية والتعليم بالقاهرة قد تحولت إلى كيان منفصل، وكأنها مستقلة عن القوانين واللوائح المالية السارية في كافة أنحاء مصر، إنفردت المديرية بتوقيع عقد مع شركة خاصة الغرض من وراءه تحصيل أموال من أولياء أمور التلاميذ، وتحميلهم أعباء دون مقتضى من القانون، وكذا إصدار قرارات مكافأت مالية حظرها رئيس الوزراء، وتوزيع الجانب الأكبر من العوائد على مدير مديرية التربية والتعليم وقيادات بمحافظة القاهرة ومديرية التعليم خارج مظلة القانون واللوائح المالية الحاكمة.
 

فقد رصدت الرقابة الإدارية وقائع قضية  فساد من العيار الثقيل داخل جدران مديرية تعليم القاهرة، القضية تتضمن مخالفات مالية وإدارية صارخة إرتكبها مدير المديرية ومدير الشئون المالية والموجهة العامة، وتحمل رقم 4049 لسنة 2021، حصر وزارة، وتجاهل الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم، إحالتها للنيابة العامة أو النيابة الإدارية رغم جسامة وقائع المخالفات.

 

في التفاصيل، تمثلت الوقائع في قيام، المكلف بتسيير أعمال وكيل ومدير المديرية، بإصدار قرارات مالية من شأنها زيادة الحوافز والمكافأة والمزايا له وكبار المسؤولين بالمديرية تخالف قرارات رئيس الوزراء، وسَلَب إختصاص محافظ القاهرة بالتعاقد مع شركة خاصة لتحصيل ملايين الجنيهات من أولياء الأمور، تعود عليه بالنفع بأن يتقاضى منها مكافآت بمئات الألاف وكذا غيره من المحظوظين بديوان المديرية ومحافظة القاهرة


تليميديا مصر

 

أبرمت مديرية التربية والتعليم عقدا بينها وبين شركة تليميديا مصر بتاريخ 28 مارس 2019  لنشر نتائج امتحانات التعليم الأساسى على البوابة الإلكترونية لمحافظة القاهرة والموقع الإلكتروني لمديرية التربية والتعليم ورسائل ( SMS) وخدمة الإستعلام عن طريق المجيب الصوتى (IVR)  وتطبيق المحمول ( APP- MOB) وذلك بناء على مزايدة علنية عام ٢٠١٩ والتى طرحها الطرف الأول ويمثله المديرية.

 

وتضمن البند السادس من العقد التزام الطرف الثاني، وهي شركة تليميديا مصر بسداد نسبة ٧٧٪ من قيمة مقابل إستخراج شهادة بيان النحاح وأن تسرى احكام قانون ١٨٢ لسنة ٢٠١٨ بشأن التعاقدات العامة على هذا العقد وملحقه، كما تبين وجود ملحق للعقد لسنة ٢٠١٩ مدون به النسب الواجب سدادها من قبل الشركة للمديرية وهى مبلغ ٦٣٥ الف جنيه مقدمة للموقع الإلكتروني، وتزيد لمبلغ 700 الف جنيه للعام الثاني، وبمبلغ 770 الف جنيه للعام الثالث.

 

وتم تحرير شيكات بنسبة ٣١٪ من إجمالي دخل خدمة المجيب الصوتى ورسائل المحمول وتطبيق المحمول بإسم المديرية، على أن تقوم الشركة بسداد ضريبة القيمة المضافة.

 

الوضع القانوني

 

وبدراسة الوضع القانوني للعقد المبرم بين شركة تليميديا مصر ومديرية التربية والتعليم بالقاهرة تبين أن العقد المبرم تم بناءً على مزايدة علنية عامة لسنة ٢٠١٩ بشأن نشر نتائج امتحانات التعليم الأساسي، وهو موقع بين الطرفين (مديرية تعليم القاهرة طرف أول،  والشركة طرف ثاني)  ولا توجد صفة قانونية لديوان عام محافظة القاهرة بشأن التعاقد.
 


وصدر قرار محافظ القاهرة في 8 سبتمبر عام 2019  رقم ٧٢٧٦ لسنة ٢٠١٩ بشأن تفويض مديري الخدمات بالمحافظة في إختصاصاته والمخولة له بموجب قانون تنظيم التعاقدات التي تبرمها الجهات العامة رقم ١٨٢ لسنة ٢٠١٨ والتي يجوز التفويض فيها بمقتضى أحكامه، وأن تاريخ التفويض تاريخ تالي للعقد المبرم حيث أن العقد أبرم في مارس 2019، والتفويض صدر به قرار في سبتمبر 2019، إذا كان يلزم عرض أمر التعاقد على المحافظ لتحديد من له الحق فى التوقيع على العقد.. وللحديث بقية

الجريدة الرسمية