رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

لماذا يروج المستشار الشائعات المسيئة لزميلته؟ (2)

يتساءل العقل البشري كلما قرأ نصًا، لماذا أقرأ هذا النص؟، وتطفو على السطح إحتمالات سبب كتابة هذا النص، ونحن في خضم موضوع اليوم نسوق للقاريء نصًا يُخاطب عقله الواعي، ويناشده أن يتحصن بما في هذا النص من دروس هامة، وقد آثرنا ألا يشوب ما نكتب تلميحٌ أو تصريحٌ حول أطراف الواقعة، ولا جهة عملهم المحترمة، حتى يتمكن القاريء من تلقي الرسالة مجردة من الأهواء والإسقاطات التي قد تنحرف بالموضوع عن تحقيق أهدافه، والتي نسوق بعضها في النهاية، ونترك بعضها لفطنة القارئ، فهيا بنا لنكمل ما بدأناه.

 

سبق وأن تحدثنا عن إساءة المستشار لزميلته بإرساله رسالة مكتوبة مضمونها عبارة (سفالة اللي إسمها...) وعن المخالفة الثانية المنسوبة إليه، والمتمثلة في قيامه بالتلويح باليد في وجه زميلته بإحدى طرقات مقر عمله متلفظًا فيها بعبارات مضمونها بحصر اللفظ عبارة “ردي حيوصلك في أقرب وقت وشوفي أنتي بتعملي أية مع، سكرتيرك، فهي ثابتة في حقه كذلك ثبوتًا يقينيًا على نحو ما شهد به كل ثلاثة من العضوات بالهيئة القضائية”.

 

وقررت الأولى ردًا بأنها شاهدت وسمعت المستشار يردد بصوت مرتفع عبارة (هتشوفي.…) مرددًا إسم السكرتير، وموجهًا حديثه لزميلته الشاكية، وأنها سمعت ذلك من خلال نافذة مكتبها المُطلة علي الطرقة التي كان يسير فيها المذكور، وقررت العضوة الثانية أنه حال تواجدها بحجرة مكتب سابقتها سمعت المستشار خلال مروره بالطرقة يردد عبارة (شوفي كنتي بتعملي معاه إيه).

 

نص العبارات

 

وأفادت العضوة الثالثة بسماعها المستشار مرددًا عبارة (شوفي كنتي بتعملي أية مع سكرتيرك) أو "عملتي أية مع...."، وأجمعت الشاهدات علي أن الحديث كان موجهًا لزميلتهن الشاكية بقصد الإساءة إليها، وأن الأخيرة كانت بمكتبها عقب سماعها هذه العبارة غاضبة مما سمعته.


أكدت المحكمة إنه ولئن كان هناك اختلاف في تحديد نص العبارات التي سمعهتا الشاهدات باستثناء الأخيرة التي أفادت بسماعها العبارة المنسوبة للطاعن بوضوح، بيد أن شهادتهن لم تخرج عن مضمون العبارة المشينة محل المؤاخذة، سيما وأن عدم تطابق الألفاظ والأقوال لا ينفي إتحاد مضمونها.

 

والمحكمة تطمئن إلي صحة ما جاء بشهادة الشاهدات الثلاثة وتأخذ بها، ويستقر في وجدانها إرتكاب الطاعن المخالفة المنسوبة إليه بتوجيه العبارة النابية في حق زميلته بالمخالفة للواجب الوظيفي الذي يحتم عليه الالتزام بجادة الأخلاق، وأحترام الزملاء والحفاظ علي هيبة وكرامة الوظيفة القضائية والهيئة التي ينتمي إليها.


النيابة العامة

 

وتطرح المحكمة ما دفع المستشار المخالفة عن نفسه بالتحقيقات في يوم تلقي اتصالًا هاتفيًا من والد السكرتيرة التي تعمل معه وكان والدها غاضبًا وأخبره بفتح الإشاعات من جديد كما أبلغته ابنته، والإشاعات المعنية الإدعاء بوجود علاقة بين الطاعن وسكرتيرته، وقال له والدها (معاليك لو مش هتجيب حق بنتي هروح أشتكي بالنيابة العامة وأجيب حقها) فأجابه المستشار الطاعن قائلًا "أنا مش عارف أجيب حقي ولا حق بنتك وقبل ما تروح النيابة العامة تعالي قابل المدير واشتكي له.
 

وبالفعل حضر وتقابل مع المدير في وجود مستشارين آخرين وحدثت مشادة بين والد السكرتيرة والمدير لإصرار الأول علي رفع الشكوى المقدمة منه ضد المستشارة الشاكية إلي التفتيش حتى إحتدم الخلاف، فطلب المدير من المستشار الطاعن مغادرة المكتب فقام بتنفيذ ذلك وفي أثناء نزوله للدور الأول تقابل مع زميلته (الشاكية) ولم يلوح بيده لوجود تليفون المحمول وهو تاب كبير الحجم وجراب نظارة وعقب ذلك قال لها "انتظري شهادة السكرتير" وأنه يقصد من ذلك طلبه شهادة المذكور، بإعتبار أن الأخير قال له عن وقائع تمس المذكورة وأنه علي إستعداد للشهادة بها إذا طلب منه ذلك.


وشددت المحكمة على أن المحقق أطلع السكرتير علي ما أورده المستشار، أفاد بعدم صحة ما قاله المستشار في هذا الشأن، بل أشاد بخلق وسلوك المستشارة الشاكية، كما استطرد قائلًا، أن الطاعن حرضه ضد الشاكية وطلب منه الإدعاء عليها بوجود علاقة شخصية بينهما، وأنها  تتبادل معه صورًا ورسائل علي الموبايل وغيرها من الوقائع المكذوبة التي تنال من سمعتها ومسلكها الوظيفي، وأن الطاعن عرض عليه مقابلًا لذلك مساعدته في إثبات براءته في واقعة سرقة حدثت بمقر عمله.


السكرتير

وأختتم أقواله بأن المستشار ضغط عليه ليحرر له إقرارًا بحسن سلوكه، وفي ضوء ما تقدم وما حاط الوقائع من ظروف وملابسات بجلاء عن إفتقاد الطاعن الحنكة في التصرف، والثبات الانفعالي في المواقف والتي يتعين علي عضو الهيئة القضائية التحلي بها وعدم التخلي عنها تحت أي ظروف، وأن الواقعة الأخيرة التي أدلى بها الشاهد (السكرتير) جديرة بذاتها حال ثبوتها في حقه بمؤاخذته عنها.

 


وأنتهت المحكمة إلى أن المخالفتان ثابتتان في حق المستشار ثبوتًا يقينيًا، الأمر الذي يقطع بخروجه علي مقتضيات وظيفته القضائية وإخلاله بواجباتها وجعله إياها عرضه لما يشينها، وهو ما لا يليق بعضو الهيئة القضائية، فمن ثم يكون القرار المطعون فيه قد قام علي سببه الصحيح الذي يبرره واقعًا وقانونًا ومستوفيًا سائر أركانه، وبناءً على تحقيق موضوعي ومهني تم بمعرفة مستشارين كل منهما يشغل وظيفة نائب رئيس الهيئة القضائية، توافرت فيه الضمانات والضوابط قانونًا، فأصدرت المحكمة حكمها برفض الطعن.
كانت هذه هي كلمة الفصل في هذه الواقعة الخطيرة، ليعلم القاصي والداني إن القضاء يُطهر نفسه بنفسه، وأنه لا أحد فوق القانون، وأن هذه الواقعة هي الإستثناء من الأصل الذي يوقن به الجميع، وهنا يأخذ الجميع درسًا هامًا عنوانه "قضاء مصر بخير".. وللحديث بقية

Advertisements
الجريدة الرسمية