رئيس التحرير
عصام كامل

مصر كما يجب أن تكون!

أتابع الوطني الكبير الدكتور علي مصطفى الحفناوي، الذي يقوم بدور تنويري ونشر الوعي بالتاريخ الوطني المصري، وكان قد جمع ما كتب عن الزعيم جمال عبد الناصر التي حررها المسئولون الأمريكان الذين عاصروا ثورة يوليو وقائدها طيلة 18 سنة، كان موجودًا فيها مؤثرًا في السياسة العالمية في فترة من أهم فترات التاريخ الحديث، انقسم فيها العالم إلى معسكرين رأسمالي وشيوعي، كان الطرفان الأقوى فيها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي يقسمان مناطق النفوذ بالورقة والقلم.

يقول الدكتور الحفناوي: كان هدفي ولا يزال من جمع ما كتبه الرؤساء الأمريكيون وغيرهم أن أفيد الباحثين المصريين الذين يريدون دراسة ثورة 23 يوليو التى نقلت مصر إلى مصاف الدول المؤثرة فى العالم، وحتى سنة 2000 سجلت مكتبة جامعة أوكسفورد أن عدد الكتب التي تناولت حياة ناصر بلغت ما يزيد على 3 آلاف كتاب بخلاف الدراسات والندوات والرسائل الجامعية والمحاضرات والأحاديث فى الفضائيات والإذاعات ما يصعب حصره عمليًا..

زعيم نادر

كان ناصر عند قيام الثورة واحدًا من الرؤساء الشبان في وقت لم تكن البيئة السياسية على مستوى العالم مهيأة لتقبل وجود رجل لا يحمل رأسًا أصلع أو شعرًا أشيب أو يسير بتثاقل بسبب أمراض تقدم العمر جالسًا على رأس بلد بحجم مصر أو غيرها وربما ظلت هذه الدهشة مستمرة سنوات بعده، إذ كان لا يعرف المستحيل ولا يعرف الكسل ويريد تغيير مصر إلى الأفضل في لمح البصر، لذا لم ينتظر سوى أيام حتى أصدر قانون الإصلاح الزراعي الذي غير خريطة الملكية في مصر ومنح مئات الآلاف من الأسر ثروة لايزال أبناؤها يرثونها حتى هذه اللحظة، أحد أبناء هذه الأسر تولى الرئاسة بالفعل وآخر ترشح لها.

وهنا لابد أن ندرك أن عبدالناصر كان زعيمًا نادر الوجود في زمنه، اعتبره القادة الجدد الذين أرادوا تحرير بلادهم على غرار مصر مثالًا يجب الاقتداء به، فأصبح تأثيرهم واسعًا عصيًا على المحاصرة. كتب الرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون، كيف تعامل مع ناصر فى كتبه «القادة» و«الفرصة السانحة» و«نصر بلا حرب»..

وكتب هنري كيسنجر عن تأثيره في الاستراتيجيات العالمية في كتابه «سنوات فى البيت الأبيض» الذى جاء فى جزءين كبيرين، ثم كان موضوعًا لكتاب الصحفى الشهير بوب وودوارد «الحجاب.. الهدف الشرق الأوسط»، وتفاوتت  الآراء حول عبدالناصر حيث كتب الصحفي ويلتون وين الذي عمل مراسلًا في الشرق الأوسط 40 سنة: «لقد أصبح ناصر زعيمًا لكل العرب لأنه يمثل شعورهم اليوم أصدق تمثيل»..

ووصفه السفير هنري بايرود، سفير أمريكا فى القاهرة خلال الخمسينيات بأنه «القائد الوحيد فى العالم العربى الذى يمثل الاتجاه الجديد، والذى يمكن لدبلوماسي غربي أن يجري معه مناقشات مفيدة متزنة»، ولو حدث انتخاب حقيقى فى سوريا أو الأردن أو العراق لفاز ناصر بنسبة كاسحة،على الجانب الآخر وصف نيكسون عبدالناصر بأنه «سريع الغضب والاشتعال، نافد الصبر، ديكتاتور، تمتلكه المصالح الحمقاء، ولكنى رأيت الشباب والشيوخ أغنياء وفقراء ينصتون لصوته بنظرات يعلوها الابتهاج الغامر»، وبنى دعوته القومية على أساسين، العداء لإسرائيل، وعدم الثقة بالغرب، ولكن موته المفاجئ أشاع الأسى ومظاهر الحزن التى لم يشهد العالم لها مثيلًا.

صور ناصر

ويرى كيسنجر الذى كان مستشارًا للأمن القومى الأمريكى ووزيرا للخارجية أن عبدالناصر: «عنيد يفاخر بعناده ويراه أساسيًا فى سبيل توحيد العرب، ولأجل ذلك كان يرى نفسه مجبرًا دومًا على معارضتنا.. وفكرة الأمة العربية هى مجرد تفكير رمزى، ورؤيا شبه نبوية، وحلم يستلهم من المؤمنين الحقيقيين أعمالًا بطولية، لكنها نادرة التحقيق».

وتتعدد صور ناصر حسب كل  مسئول أمريكى، وقدرته على النفاذ إلى هذه الشخصية الملهمة، حيث قال السفير بايرود فى كتابه عن مسيرته الدبلوماسية: إن معظم رجال السياسة الأمريكيين الذين أتيح لهم الاحتكاك مع ناصر كانوا يوقنون أنه لا يطمح فى حكم العالم العربى أو الإسلامى.

وأضاف: إن من أهم أسباب غضب العرب اعتقادهم أننا كنا نساعد الصهيونية - وهذا صحيح مهما كان المبرر لذلك - ومن ثم إسرائيل بشكل مفضوح لا تحرج فيه، حيث موقفنا المؤيد للصهيونية لا مفر منه. وتابع: أدركنا استحالة قيام انقلاب يجعل منه سوكارنو آخر، فناصر لن يسقط بتذمر أو شكوى، ولن يتقوّض نظامه وينهار إلا بضربة عنيفة مدوية.

وينقل بايرود عن كيرمت روزفلت، مسئول الشرق الأوسط بالمخابرات الأمريكية قوله إن الوزير دالاس (وزير الخارجية الأمريكية فى هذا التوقيت) يعتبر كل عمل لا يتفق مع سياسته عملًا غير أخلاقى، لذلك إعتبر حياد ناصر عملًا غير أخلاقى بينما حياد تيتو هو عمل أخلاقى، وإعتراف ناصر بالصين الشيوعية عمل غير أخلاقى بينما سكت عن اعتراف بريطانيا وإسرائيل بها، وأى فحص لوثائق وزارتى الدفاع والخارجية والمخابرات المركزية تظهر مثاليتنا فى العلن وانتهازيتنا فى السر. 

إن ما هو خير للولايات المتحدة فهو خير للعالم أجمع حسبما يقول الوزير دالاس. ويرى ويلتون وين، المراسل الأجنبى الذى عمل فى منطقة الشرق الأوسط، العلاقة بين ناصر والدول الغربية ومنها واشنطن، بأنها كانت طيبة حتى اشترى ناصر الأسلحة من الشيوعيين، فانقلبت وكثيرًا ما كانت الصحف الغربية تزوّر الحقائق متعمدة خاصة الإنجليزية إبّان أزمة تأميم قناة السويس.

وينقل وين فى كتابه عن مسيرته الصحفية على لسان مساعد وزير الخارجية الأمريكية السابق جيمس انجلتون، "إن ناصر كان مسئولًا عن كل مشكلات الغرب فى المنطقة، وليس من المستطاع إزاحته إلا بهزيمة عسكرية للجيش المصرى وعندها سيبقى العرب دون خيار سوى السلام"

 

وتابع وين النقل عن انجلتون: «تدخلت الحكومة الأمريكية بشكل سرى فى حرب.1967 وبإمكانى جمع عدد كبير من الدلائل وكلها تشير إلى التشجيع والتورط الأمريكى فى الهجوم الإسرائيلى، ثم فوجئنا بأن العرب حتى بعد الهزيمة النكراء التى حلّت بهم لا يزالون يتحدثون بلهجة القوى المنتصر». ويتساءل وين: هل ربحت إسرائيل الحرب؟ ويورد جوابه بشكل غير مباشر على لسان المحلل الاستراتيجى، أندريه بوفر، الذى يعرف النصر بأنه: «إما تحطيم العدو تمامًا أو أن تجعله فى موقف يقبل ما تمليه عليه من الشروط»، ويقول: «إذا ما أخذنا بهذا التعريف نجد أن الإسرائيليين لم ينتصروا حقًا

وتحيا مصر.. تحيا.. تحيا مصر.

الجريدة الرسمية