رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

ابن تهفنا العزب جعل جسده معبرا لجنوده فداء لمصر

بطل من طراز فريد، بطل بلون طمى النيل، وعمره بعمق التاريخ، إنه الشاب محمد زرد الذى انضم للقوات المصرية فى اليمن بعد تخرجه من الكلية الحربية فى 1966، وعاد بعد سنة مصابا فى عظم ساقه، فكان القرار من قيادة القوات المسلحة بإبعاده من الوحدات العسكرية المقاتلة، وإسناد إليه مهمة أخرى وهى التدريس بمدرسة المشاة. وهناك كان متميزا ودقيقا فى عمله في الوقت الذي ناشد فيه القيادة بالسماح له بالعودة إلى التشكيلات المقاتلة للمشاركة في الاستعداد لمعركة الثأر والكرامة، لا سيما بعد أن شفاء ساقه إلى حالتها الطبيعية تقريبا..

وأخيرًا حقق الله أمنيته، والتحق البطل محمد زرد بإحدى وحدات المشاة في نطاق الجيش الثالث الميداني في الجبهة على حافة قناة السويس مباشرة أمام النقطة الإسرائيلية 149، العقيد محمد  محمد زرد ابن قرية تفهنا العزب التابعة لمركز زفتى بمحافظة الغربية، صاحب البطولة مع النقطة (149)، التى تعد أحد المواقع المهمة لدرجة يمكن أن تؤثر على نتيجة المعارك وعبور قواتنا من المشاة، كما كانت تهدد المعابر التى تستخدمها المدرعات فى العبور، فقد كانت النقطة على تبة عالية، ومجهزة هندسيا بما يحقق الأمن والوقاية للقوات الصهيونية كما يوفر تحقيق قوة نيرانية عالية فى جميع الاتجاهات..

 

ساعة الصفر

 

وتعد تلك النقطة من أقوى النقاط ب خط بارليف، وتم اختياره ليقود مجموعة لاقتحام وتدمير والاستيلاء على النقطة 149، وعلى مدى يومين لم تستطيع القوات المصرية من اقتحامها والاستيلاء عليها، فما كان من البطل محمد زرد إلا أنه ألح على قيادته القيام بعملية استشهادية ضد النقطة، وأخيرا قبلت القيادة بعد إلحاحه الشديد.. وكانت خطته أن يجتاز المسافة المكشوفة بينه وبين دشمة نيران العدو وكانت حوالي مائة متر نصفها زحفًا والباقي عدوًا بأقصى سرعة لديه حتى يودع قنابله اليدوية فى المزغل.. 

وتم تحديد موعد العملية فى ثالث أيام حرب أكتوبر المجيدة، وكانت ساعة الصفر الساعة الثانية والثلث، وهنا لابد أن نذكر أن قواتنا قامت خلال حرب الاستنزاف بالتدريبات المكثفة على مواقع تشبه تماما المواقع التى سيتم التعامل معها، لدرجة أن اللواء حاتم عبداللطيف الذى أطلق عليه البلدوزر أثناء حرب أكتوبر المجيدة قال إن الحرب والمواجهة مع العدو كانت أسهل من التدريبات الصعبة التى كنا نجريها أثناء استعداداتنا ليوم الثأر..

 

بطولة وفداء

 

 عندما جاءت لحظة التنفيذ، وبالفعل تمت العملية بتقدم مجموعة اقتناص الدبابات، واحتلت مصاطب الدبابات حول النقطة، بمجرد ظهور احتياطات العدو استطاع رجال اقتناص الدبابات المترجلين فى شجاعة أذهلت العدو القوات الصهيونية، فاستطاعوا تدمير ثلاث دبابات، ونذكر هنا أنه كانت هناك عقيدة جديدة تم زرعها فى المقاتل المصرى بعد نكسة 67 وهى كيفية مواجهة الدبابات بدون خوف أو رهبة وهوما تم تنفيذه في حرب أكتوبر المجيدة، بعد تدمير الدبابات الثلاثة هربت باقى الدبابات، وفي تلك اللحظة كانت المسافة بين خندق الرائد محمد زرد ورجاله وبين النقطة الحصينة لا تتعدى المائة متر ولكنها منطقة مكشوفة وشديدة الخطورة. 

بنى البطل محمد زرد خطته على التقدم بمفرده إلى منتصف المسافة زاحفا ثم ينهض ويركض بأقصى سرعة إلى دشمة العدو، وبالفعل وبكل جسارة تقدم زحفا ثم انطلق بكل قوة وسرعة تجاه الهدف وهو لا يملك إلا عددا قليلا من القنابل اليدوية وسلاحه الشخصى مسدس من عيار 9 مم، وعند منتصف المسافة تقريبا نهض محمد زرد وبيديه قنبلتان كان قد نزع فتيلهما وركض في اتجاه دشمة العدو وألقى قنبلته الأولى في المزغل الأول، ثم اتجه بسرعة إلى المزغل الآخر ليلقى فيه بقنبلته الثانية ليسكت هذا الرشاش اللعين ويهوى البطل بجسده على فتحة المزغل وهو يضغط بكف يده على أحشائه ليعيدها إلى مكانها بعد أن أصابت دفعة رشاش كاملة بطنه وأحدثت فجوة بجدار بطنه..

وبعد أن صمت الرشاش الإسرائيلى يلتفت البطل إلى جنوده بصعوبة بالغة وينادى عليهم: اعبروا فوقى اصعدوا لأعلى اكملوا عملكم طهروا النقطة. وبالفعل تم الاستيلاء على النقطة وتطهيرها من الجنود الصهاينة بعد معركة استمرت ثماني ساعات وارتفع علم مصر عليها شاهده البطل فابتسم والدماء تنزف منه،  قام البعض من رجاله بنقل قائدهم الجريح على وجه السرعة غرب القناة حيث تعهدته أيدى أطباء مستشفى السويس في محاولة لإنقاذ حياته. وفى مستشفى السويس فعل الأطباء كل ما في وسعهم لإنقاذ البطل ولكن الله سبحانه وتعالى كان قد أعد له منزلة عالية تليق بفدائيته وتضحيته ففاضت روحه إلى بارئها.

 

 

حصل الشهيد محمد زرد على نوط الشجاعة العسكري من الطبقة الأولى في يوليو 1970 ونوط التدريب من الدرجة الأولى في أبريل 1971. كمت حصل على العديد من شهادات التقدير من وزير الحربية، وقائد الجيش الثالث، وقائد التشكيل، وحصل على وسام نجمة سيناء من الطبقة الأولى في فبراير 1974، ووسام الشجاعة الليبي في فبراير 1974. وتحيا مصر.

Advertisements
الجريدة الرسمية