رئيس التحرير
عصام كامل

ديك عم حسني

ذات مساء دخل علينا عمي حسني وفي يده ديك صغير، قال إنه سيربيه فوق سطوح المنزل. ولنحو ثلاثة أشهر راح العم حسني يطعم الديك من البقوليات حتى صار في حجم المعزة الصغيرة، وهو الأمر الذي لفت أنظار أهل الحي، فكانوا يتوافدون ليل نهار على بيتنا لرؤيته، حتى الصغار كان كل حلمهم أن يلعبوا مع الديك ذي العرف الأحمر عظيم الحجم.

 

وقبل يومين، ذهب عمي إلى غرفة أبي، وأخبره أنه يشعر بقرب يومه، ورغم محاولة أبي أن يجعله يبعد تلك الأفكار السوداء عن رأسه، إلا أن عمي أصر، بل وطلب من أبي في إلحاح أن يذبح الديك في يوم وفاته ويطعم منه كل المعزين، وجعله يقسم على ذلك. وكي يتخلص أبي من إلحاح عمي أقسم له على ما أراد، ولم يكن يعلم أن أخيه بالفعل سيموت في غضون ساعات.

 

مات العم، فقمنا بإجراءات الغسل وتشييع الجنازة ودفن جثمانه، ثم عدنا إلى البيت لتجهيز صوان العزاء، فسألت أبي عن مصير الديك، فقال إن أحدا في الحي لم يذبح ديكا في عزاء، وإنه لن يفعل ذلك حتى لا يصبح أضحوكة بين الناس. اشترى أبي جديا صغيرا ذبحه وصنعت أمي من مرقته فتة الأرز وتوجتها بقطع الهُبر، وأطعمنا المعزين.

 

في الليل، هم أبي إلى النوم، غير أنه تفاجأ بالديك يقف على بابه ويصيح بصوت عال، فأمرني أن أحبسه في عشته فوق السطوح، فلما اقتربت من الديك رمقني بنظرة مخيفة، فقلت لأبي إنني لا استطيع القيام بتلك المهمة حتى وإن بدت بسيطة، فبصق علي وأسمعني من الشتائم ما لا يمكنني ذكره، ثم أخذ الديك تحت باطه وصعد به إلى السطوح.

 

الديك الملعون

 

بعد دقائق رأيت الديك يهبط نازلا السلم، بينما صوت أبي يأتي من أعلى وهو يصرخ «الحقوني.. الحقوني»! خرج الديك إلى الشارع، بينما أسرعت أنا إلى السطوح لأجد أبي محبوسا في العشة، فأخرجته وهو يصرخ مقسما بأن ذلك الديك عفريتا.

 

غطت أمي بالبطانية الثقيلة أبي، وراحت ترقيه بماء وملح وهي تمتم بكل ما تحفظ من كلام طيب مستعيذة من الشيطان الرجيم، فنام وحين استيقظ صباحا قص علينا حلما رأى فيه عمي يلومه لعدم تنفيذ وصيته، ويخبره أنه ملعون إلى يوم يبعثون إن لم يجد الديك ويذبحه ويطعم منه كل من حضر الجنازة أو جاءنا معزيا.

 

أطلق أبي في الحي رجالا مشطوا الشوارع، حتى وجدوا الديك مستقرا في أحد المقاهي، حيث كان يضع عمامة على رأسه ويدخن النرجيلة كما البشر. حاول الناس بجد أن يعيدوا الديك إلى بيتنا، غير أنه استعصى عليهم، ولما غلبهم الناس ناموا في المقهى، وحين أشرقت الشمس وجدوا نفسهم فراخا بريش ملون، بينما تحول الديك إلى رجل يشبه المرحوم عمي تماما.

 

جاء الديك الذي صار في هيئة عمي إلى منزلنا، وجلس إلى جوار أبي الذي كان ينتفض في سريره فور أن رأه. قال الديك أو عمي - لا أعرف ماذا أسميه- إنه روح والروح تسكن أي جسد تريد، فالأجساد بيوت الأرواح.

 

قامت أمي تعد كوبا من الشاي لعمي الديك أو الديك عمي، فأخبرها بأنه جائع يريد طعاما، فلما أحضرت له ما تبقى من فتة ولحم الجدي، رفض تناول اللحم وقال إن ذلك الجدي كان الفدو الذي حرره من أسر الشهوات، وذلك قبل أن يصعد إلى السطوح ليرقد مكان الديك في العشة.

في الصباح وجدنا أبي قد مات، أما العشة فتحولت إلى بحيرة صغيرة فوق السطح، نبتت حولها شجيرات صغيرة لها فروع تشبه شعور الفتيات كلما هبت الريح جعلتها تتراقص في الهواء وتصيح مثل الديك.

 

 

دفنا أبي قرب البحيرة التي ظهرت على سطوح بيتنا، وكذا نقلنا رفات عمي إلى جواره، فنبتت فوق قبريهما شجرة لبلاب امتدت فروعها لأسفل فاخترقت السطح واستقرت في غرفة أبي لتلتف أغصانها حول أعمدة السرير الذي كان ينام عليه.

مرت سنوات والناس تنادي بيتنا باسم بيت الديك، أما أبي وعمي فلم يعد أحد يذكر أنهما كانا هنا في يوم من الأيام، فالأهل والجيران والجميع يقسمون بأن الديك هو صاحب البيت بل هو من بناه.

الجريدة الرسمية