رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد كريمة يهاجم فتوى "الكد والسعاية": تحول الزوجة إلى خدامة

الدكتور أحمد كريمة
الدكتور أحمد كريمة

فجرت دعوى شيخ الأزهر بإحياء فتوى الكد والسعاية من التراث الإسلامي، لحفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهدا في تنمية ثروة زوجها حالة من الجدل داخل قطاعات عريضة فى المجتمع المصري، وانقسم الناس الى فريقين حول الفتوى ما بين مؤيد يرى أنها تعيد للزوجة حقوقها المسلوبة وبين من يرون أن تطبيق الفتوى يمكن أن يؤدي إلى مشاكل مجتمعية كبيرة.

وفى نوفمبر الماضي كتب الدكتور سعد الدين الهلالى – أستاذ متفرغ الفقه المقارن الإسلامي بجامعة الأزهر ــ مقالين فى احدى الصحف الكبرى  بعنوان " حق السعاية فى الوظيفة المنسية" دعا فيهما إلى إعادة تطبيق فتوى الكد والسعاية.

ومع ظهور دعوة شيخ الأزهر إلى فتح حوار لإعادة إحياء الفتوى القديمة أرسل الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر مقالا لـ"فيتو" للرد على ما جاء في مقال "الهلالي" من أمور. 

 

 

وشرح "كريمة" خلاصة ما جاء فى المقالين من أن وظيفة "ربة المنزل" أو سيدة البيت يعترف بها قانونًا وعرفا مستقلة عن صفة الزوجية سواء كانت الزوجية قائمة أو غير قائمة كأوضاع الأرملة أو المطلقة، تترتب على هذه الوظيفة المستحدثة حقوقًا ماليا من الزوج مقابل الزوجية وكسبه المالي.

وطبيعة هذه الوظيفة لأسباب متنوعة.

أ ) الخدمة المنزلية كالعجن والخبز والطبخ والغسل وشراء الطعام.

ب ) إرضاع المولود.

ج ) حضانة الأطفال.

وقال كريمة إن "الهلالي" يبرر أن الأسرة مؤسسة اجتماعية اقتصادية وإمكانية الفصل بين حقوق الزوجية وبين وظيفة ربة المنزل أو سيدة البيت، ويعلل بالتمكين الاقتصادى للمرأة، ويدلل على ما يذهب إليه ومن وافقهم فى إحدى الدول العربية ( المملكة المغربية فى المادة 49 من مدونة الأسرة) بما يلى: 

1 ) مهنة ( المؤذن ) التى كانت فى بدايتها تطوعية ثم مكارمية.

2 ) شركة المفاوضة فى فقه الشركات المالية فى العقود المالية.

3 ) الشراكة المالية بين عامر بن الحارث وزوجته حبيبة بنت زريق فى الخياطة والحياكة وأعمال التطريز وحكم سيدنا عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – لورثتها بالنصف فى أرباح هذه الشركة.

4 ) فتاوى فى أعمال إجازة مثل خدمة نساء البادية للزوج بالحصاد والدرس والنقل والتنقية ومثل خدمة النسج والغزل، فللمرأة أن تأخذ بقدر عملها !.

وانتهى إلى أن وظيفة ربة المنزل أو سيدة البيت: 

حق مرتب على عقد جديد باسم تدبير الأموال المكتسبة حال الزوجية بمثل حق الزوجة فى شركة المفاوضة، وأن هذا الأمر حسمته دول أوربية ولا مانع من موافقة المسلمين لأهل الكتاب فى حق السعاية، وأن فى هذا الأمر المستحدث إعانة الزوج على عدم الطلاق وديمومة الزواج، والقضاء على الزواج العبثي! 

وأن آلية " حق السعاية " إما بالتراضى أو التقاضى – شريطة إصدار قوانين وضعية فى هذا الأمر.. وعدم الرضوخ للوصاية الدينية – حسب قوله – انتهى.

ورد "كريمة" على تطبيق فتوى الكد والسعاية فى عدة نقاط حددها على النحو التالي: 

أولًا: النهى عن سوء الظن بالناس عامة وبأهل العلم خاصة، قال الله - سبحانه وتعالى -: " يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم " – الآية 12 من سورة الحجرات -.

وقال سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: " إياكم والطن فإن الظن أكذب الحديث " – متفق عليه -.

وعليه فلا إساءة للظن بفضيلته وغيره.

ثانيًا: تجب النصيحة الشرعية لفضيلته وأمثاله، قال الله – عز وجل -: " إنما المؤمنون أخوة " – الآية 10 من سورة الحجرات -، وقال إخبارًا عن سيدنا نوح – عليه السلام – 

" وأنصح لكم "  - الآية 62 من سورة الأعراف -، وعن سيدنا هود – عليه السلام -: 

" وأنا لكم ناصح أمين.. " – الآية 68 من سورة الأعراف – 

وقال – صلى الله عليه وسلم -: " الدين النصيحة، قلنا لمن ؟ قال: لله ولكتابه  ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " – رواه مسلم -، " النصح لكل مسلم " – متفق عليه - 

ثالثًا: التحاكم فى الأمور الشرعية وثوابت وقطعيات الشريعة الإسلامية وما هو معلوم من الدين بالضرورة إلى النص الشرعى من آى القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية، قال الله – عز وجل -: " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " – الآية 65 من سورة النساء – " إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون " – الآية 51 من سورة النور -.

رابعًا: النهى عن البدع ومستحدثات الأمور، قال الله – تعالى -: " وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " – الآية 153 من سورة الأنعام – وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: " من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ" – متفق عليه – وفى رواية لمسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ".

خامسًا: النظام الأسرى فى الإسلام يستمد أحكامه من القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع الصحابة وآل البيت – رضى الله عنهم -، ويتصل اتصالًا مباشرًا بحياة الفرد والجماعة، ولهذا كان وثيق الصلة بالعقيدة الإسلامية، وهذا النظام جزء من التشريع الإسلامى.

سادسًا: الزواج فى الإسلام آية من آيات الله: " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون " – الآية 21 من سورة الروم -، وقد حددت النصوص الشرعية المحكمة علاقات أفرادها ووضحت الحقوق، ولم يترك التشريع الإسلامى تنظيم العلاقات الأسرية لأهواء الناس يضعونها كيف يشاؤون وشرعونها كما يحلو لهم أو رضوخًا لمن لا يريدون للإسلام توقيرًا ولا للمسلمين خيرا 
 

أجندات غربية

تأسيسًا على ما ذكر وما يشابهه وما يناظره ويماثله فإن الدعوة إلى اتباع ما يسمى " حق السعاية " من تحول الزوجة من صاحبة رسالة سامية إلى أجيرة أو خادمة بوصف زوجة وفوض فى جملته وتفاصيله.

ويرد على هذه الدعوة ومن يتبعها ويروج لها فى دول عربية وسعاية إلى تقليد أعمى لمادية مجتمعات غير إسلامية بما يلى: 

1 ) حقوق مشتركة بين الزوجين ومحددة فى: 

- المعاشرة بالمعروف.

- استمتاع كل من الزوجين بالآخر على الوجه المشروع.

- الأرث.

- حرمة المصاهرة.

- ثبوت نسب الولد .

حقوق الزوجة: 

  • المهر.
  • النفقة.
  • إخدام الزوجة.
  • القسم بين الزوجات.
  • البيات عند الزوجة.
  • إعفاف الزوجة.
  • الخلع الشرعى لمقتضياته.

حقوق الزوج: 

  • طاعة المرأة زوجها.
  • تسليم الزوجة نفسها إلى الزوج.
  • عدم إذن الزوجة فى بيت الزوج لمن يكره دخوله.
  • عدم خروج الزوجة من البيت إلا بإذن الزوج.
  • سفر الزوج بامرأته.
  • تأديب الزوج لزوجته الناشز.
  • الطلاق بمسوغاته الشرعية.

2 ) نفقة الزوجة وفق شروط وهى ثابتة بالنصوص الشرعية، وهى مقدرة بكفايتها لتشمل الطعام والكسوة والمسكن، وكل ما لا غنى لها عنه، والعلاج وآلات المعيشة وأجرة الخادم.

ويتضح فيما مقرر سلفا أن ابتداع أجرة للزوجة حسب دعوة " حق السعاية " إستدراك على المشرع الحكيم وتلك جريمة وتعد لحدود الله – تعالى -.

وما يتعلل به الداعون خلط بين " حقوق الزوجية " ومعاملات مالية من عقود شركات وإجارات لا صلة لها مطلقًا بالحياة الزوجية واستشهادات خارجة عن محل النزاع ومحاكاة وتقليد لغير مسلمين، وخلط لآراء فردية وليست لقرارات مجمعية مؤسسية " الأزهر الشريف وهيآته المعتمدة: هيئة كبار العلماء، مجمع البحوث الإسلامية ".

وتداعيات " ما يسمى حق السعاية " يعني نزع السكن والمودة والرحمة عن العلاقات الزوجية وتحويلها إلى شركة مادية بغيضة، والحط من كرامة الزوجة إلى أجيرة وخادمة ( عقد إجارة)، وعزوف الناس عن الزواج تفاديًا لجزاءات غرامات ومنازعات ومكائد وكلها تهدد الاستقرار الأسرى، ومن ثم يلجأ الناس إلى الفاحشة وارتكاب موبقات.

الجريدة الرسمية