رئيس التحرير
عصام كامل

مناورة أبو مازن وجانتس.. “كارت أحمر” لأعضاء الحكومة الإسرائيلية هدفه تحقيق حلم الوزير الإسرائيلى

أبو مازن وجانتس
أبو مازن وجانتس

“أبو مازن يلتقى جانتس”.. مفاجأة سياسية حدثت فى خضم حرب متواصلة يقودها الاحتلال الإسرائيلى ضد الشعب الفلسطينى وتتزايد حدتها يومًا تلو الآخر، فما سر لقاء وزير جيش الاحتلال الإسرائيلى بينى جانتس والرئيس الفلسطينى عباس أبو مازن، الذى أثار الجدل لدى المؤيد والمعارض؟ ولماذا هذا التوقيت بالذات؟ وما التداعيات المحتملة لهذا اللقاء؟ وإذا كان هدف الرئيس الفلسطينى من اللقاء هو التخفيف من وطأة معاناة الشعب الفلسطينى فيما يخص الإجراءات الإسرائيلية؟ فما هدف جانتس من هذا اللقاء؟ هل هو محاولة جدية جريئة لفتح مسار سياسى؟ أم فخ إسرائيلى جديد؟!

مناورة أبو مازن وجانتس
اللقاء وإن بدا كمحاولة لتعزيز العلاقات بين الطرفين إلا أن لـ«بينى جانتس» مآرب أخرى، حيث تقول الكاتبة الإسرائيلية شير شاجى، إن بينى جانتس رجل براجماتى يدرك جيدًا أن الوضع السياسى الحالى فى إسرائيل سيئًا، كما يدرك أن الحكومة الحالية التى هو جزء منها سهل أن تنهار، ويعرف أيضا أن وظيفته كوزير للجيش الإسرائيلى هو صنع "عصير الليمون" للتهدئة. 

كما أنه يتفهم مثل العديد من اللاعبين الآخرين فى النظام السياسى الإسرائيلى أن نظام الحكم فى إسرائيل الذى يشمل أن كل حزب له 4 مقاعد لديه القدرة على قلب حكومة، وكل شخص لديه 6 مقاعد لديه القدرة على رئاسة الحكومة، مشيرة إلى أن رغم أن قوته محدودة للغاية إلا أنه دخل السياسة ليكون رئيسًا للوزراء، ولا ينوى التخلى عن هذا الحلم.
وأوضحت أنه فى ال لأنه لا يملك حقًا القدرة على إدارتها، مشيرة إلى أن أعضاء الحكومة الإسرائيلية أعلنوا فور تأسيسها أنها لن تتعامل مع قضايا متفجرة مثل العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية، بسبب بنيتها غير المتجانسة والهشة، ولن تدفع بأى مفاوضات فى هذا الإطار.
وأضافت أن لقاء جانتس بأبو مازن هو خطوة تعتبر بمنزلة كارت أحمر فى وجه عدد غير قليل من أعضاء الحكومة الإسرائيلية الحالية الذين ينتمون إلى الفصيل اليمينى، فضلًا عن أن معنى "غض النظر" عن مثل هذا الحدث بالنسبة إلى بينيت يمثل صداعا كبيرا له أمام أعضاء حزبه ونشطاء السلام الذين يحثونه على الاحتفاظ بما تبقى من "قاعدته" اليمينية.

توازن الرعب
وحسب التقارير العبرية فإن رئيس الوزراء الإسرائيلى يعرف أنه مدين لجانتس، فى حال قرر الذهاب فى خطوة عسكرية ضد إيران، لذا بينيت مستعد لأكل الضفدع الذى يطعمه له جانتس على شكل لقاءات مع أبو مازن، مقابل الدعم الذى قد يحتاجه منه على الأرجح خلال المباراة ضد إيران وهى بطاقة يحتفظ بها بينيت بالقرب من صدره ليوم القيامة السياسية فى إسرائيل.
وتضيف التقارير أنه فى توازن الرعب السياسى بين الاثنين، يروج جانتس لأجندته السياسية فى شكل خلق قناة مثمرة أمام السلطة الفلسطينية، و«بينت» صامت ويسمح لـ«جانتس» بأن يمضى فى هذا الأمر حتى النهاية ويختار استضافة أبو مازن فى منزله فى قلب إسرائيل و«بينيت» الرجل الذى أعلن أنه «لن يسمح بتسليم شبر واحد من أرض إسرائيل للعرب» صامت.
ويوجد شبه إجماع إسرائيلى على أن خطوة جانتس تقف وراءها أهداف سياسية تخدم مصالحه وعلى رأسه عرض نفسه كرئيس لوزراء إسرائيل القادم، ووفقًا للتقارير العبرية فإن فى السياسة، تمامًا كما هو الحال فى الأعمال التجارية، عندما تأتي لتعرض بضاعتك على الناخب الإسرائيلى، يجب أن يكون لديك عرض بيع فريد من نوعه، شيء لديك ولا يملكه الآخرون، شيء يجعل بضائعك تستحق الشراء، وهذا بالضبط ما حصل عليه جانتس من لقاءاته مع أبو مازن علامة تجارية فريدة تميزه عن جميع اللاعبين الآخرين، وذلك فى الوقت الذى يتخلى أعضاء الحكومة الآخرين عن الحلبة الإسرائيلية الفلسطينية، وينقب كل منهم فى شئون مكتبه.
وتشير التقارير إلى أن تصريح جانتس مؤخرا فى مقابلة أنه "يواصل طريق رابين"، موضحة أن لقاءاته مع أبو مازن هى تكتيك هذه الإستراتيجية السياسية، والقصد منها إعادته إلى ساحة قادة إسرائيل الذين يصنفهم الشعب كعظماء بهدف الترشح لمنصب رئيس وزراء إسرائيل القادم.
ورغم أن هناك مؤيدين ومعارضين فى إسرائيل للقاء إلا أن هناك اتفاقا ضمنيا أن وجود السلطة الفلسطينية فى الحكم أفضل كثيرًا من حركة حماس.
بدورها، وصفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" معارضة اليمين الإسرائيلى للقاء بالنفاق والتلون، موضحة أن انتقاد لقاء جانتس وأبو مازن هو محاولة سخيفة -وإن كانت خاسرة- للغمز وإشعال النار فى الوضع السياسى، مؤكدة أن وزير الجيش الإسرائيلى اتخذ الخطوة الصحيحة، حتى لو كانت لا تحظى بشعبية.
وأوضحت الصحيفة العبرية أن اليمين منافق؛ لأن خلال تواجده وبنيامين نتنياهو فى السلطة خلال 12 سنة متتالية، وفى تلك السنوات، لم يلغوا اتفاقات أوسلو، ولم يقطعوا العلاقات مع القيادة الفلسطينية فى الضفة الغربية، ولم يعرّفوا السلطة الفلسطينية على أنها عدو أو كيان إرهابى، كما أن نتنياهو أيضا لم يفِ بوعده الرئيسى عشية انتخابات 2009: الإطاحة بنظام حماس، وهذا يؤكد وفق التقرير أن الأشياء التى تُرى من الخارج (أو من موقع المعارضة) تُرى بشكل مختلف من الداخل فى مكتب رئيس الوزراء أو مكتب وزير الجيش.

تصعيد محتمل
وفى خلفية لقاء جانتس أبو مازن يحذر مسئولون أمنيون فى إسرائيل بحسب مجلة "جلوبس" العبرية من تصعيد محتمل، وقدم رئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" رونين بار صورة مقلقة للغاية لمجلس الوزراء الأمني الإسرائيلى وحذر بار من أن حماس، وإلى حد ما الجهاد الإسلامى، أصبحت قوية للغاية فى الضفة الغربية، علمًا أن حركة حماس عارضت بشدة هذا اللقاء وهناك مخاوف من حدوث رد فعل حول هذا اللقاء، هذا إلى جانب التحذيرات من إحباط الفلسطينيين من الوضع الاقتصادى فى الضفة الغربية.


وأشار تقرير المجلة الإسرائيلية إلى الدور الذى لعبه فيروس كورونا فى تدهور الأوضاع سواء فى إسرائيل أو فلسطين وهو ما يدفع إلى هذا التصعيد المحتمل موضحة أن قطاع السياحة تضرر بشكل كامل فضلًا عن ارتفاع معدل البطالة بين الأكاديميين الفلسطينيين، حيث لا توجد قدرة استيعابية لهم والنتيجة هى عشرات الآلاف من الأكاديميين العاطلين عن العمل، موضحة أن إحباط هذه الطبقة هو وقود الاستياء العام.


ومن جانبه قال اللواء أركان حرب الدكتور محمد الشهاوى المستشار فى كلية القادة والأركان أن هذا اللقاء يصب فى صالح فتح مجال للحوار لأن انسداد الأفق السياسى داخل فلسطين لن يحله الا مثل تلك اللقاءات بين الرئيس الفلسطينى محمود عباس والوزير الإسرائيلى بينى جانتس.


وأضاف أن هذا اللقاء يمثل خطوة فى اتجاه فتح المسار السياسى خاصة أن مصر تضغط فى هذا الإطار حيث ترى أن الحل السياسى هو الأساس لإنهاء التوتر والصراع فى المنطقة والذى لا يمكن أن يحل إلا بحل المشكلة الفلسطينية وأن تكون هناك دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو67 وعاصمتها القدس الشرقية من خلال المفاوضات واللقاءات السياسية على غرار اللقاء الذى حدث مؤخرًا.

نقلًا عن العدد الورقي…

الجريدة الرسمية