رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

شكوى المصريين.. بين مجالس المقاهى وسياسات التقشف

في سنوات الصبا، كنت من أشد المعجبين بكتابات الكاتب الكبير الراحل أنيس منصور.. ومن بين أهم ما استوقفني من ملاحظاته عن حياة المصريين.. اندهاشه من جلوس المصريين لساعات وساعات طويلة على المقاهى دون ملل حتى أصبحت عادة يومية لا يستطيعون الاستغناء عنها.. هم ينتظرون وينتظرون حتى أصبح الانتظار عندهم غاية ومتعة لا تضاهيها متعة فى جدول نشاطهم اليومى، ولم يجد لذلك تفسيرا ولا غاية.. 

 

صحيح لماذا لا نسأل أنفسنا ما جدوى الجلوس على المقاهى والاستغراق فيه حتى أصبح جزءا من حياتنا في انتظار الانتظار نفسه بلا حدود أو نتيجة.. فلم يحل الانتظار مشكلة من مشاكلنا ولا عالج هما من همومنا.. فلا هو أشبع البطون الهاوية ولا عالج النفوس والابدان المريضة، بل زاد الفقير فقرا والمريض ألما.. فلماذا لا يراجع المصريون أنفسهم ويفكرون في الإقلاع عن أسوأ عاداتهم و يفارقون  سحر الجلوس الطويل على المقاهى والتى لاينافسنا فيها أحد من بلاد الكون شرقا وغربا.. 

 

هروب من الحياة

 

سيقول بعضنا إنها المتنفس الوحيد للهروب من نكد البيت ومتاعب الأولاد وشكوى الجميع من ضيق الحال، ويقول أخرون إنها فرصة للقاء الأحبة والأصدقاء وتفريغ شحنات عصبية متعاظمة من معاناتنا اليومية في العمل والبطالة على حد السواء وزاد عليها سياسات التقشف والأعباء المتلاحقة التى تلقيها على كاهلنا الحكومة  كل يوم، وأصبحت سلوانا عن سياسات التقشف والأعباء وهموم البيت.. 

 

والسؤال: هل الانتظار لما لانهاية على المقهى سيعالج كل هذه المصائب؟.. ألا تدرى إن التقشف والأعباء وهموم البيت سببها الرئيسى ثقافة الإنتظار إلى مالانهاية على المقاهى التى اعتادها المصريون دون غيرهم من شعوب العالم منذ سنين، وإمعانا في الاستغراق في مصيبتنا أنشأنا بدل المقهى مئات المقاهى في كل قرية أو حى، في كل شارع أو حارة فهل حل الإنتظار مشاكلنا مع البطالة؟ هل عالج الانتظار انخفاض دخل رب الأسرة؟ هل أنهى الإنتظار مشاكلنا في البيت ومع الجيران أو حتى الحكومة، هل أنقذ شبابنا من البطالة وحياة الفراغ، ومشاهد الضياع للكثير منهم باتت تدمى القلوب كل يوم؟!

 

السراب بات يجذبنا للتيه ولم يتبق لنا سوى أن نتسامر في مجالس الإنتظار على المقاهى والنواصى صباح مساء فيما بيننا حول سياسات التقشف والغلاء وزيادة الضرائب والأعباء والعنوسة وزيادة حالات الطلاق والهروب من دفئ الأسرة إلى سراب الفراغ، وندفن فرصنا للتفكير في وسيلة للنجاة من هموم ستتضاعف ومشاكل ستتفاقم ومستقبل سيتلاشى في الإنتظار على أعتاب المقاهى والنواصى!

 

 

هيا بنا نعلنها، وداعا للتقشف وداعا  للانتظار وداعا للمقاهى.. وداعا للملل.. على رأى عمنا أنيس منصور، سنغادر ساحات الإنتظار، عقولنا سترد لرؤوسنا  سنستعيد الهمة ونعاود التفكير في مشاكلنا سنجد الحل لمتاعبنا، ساعتها لن نحتاج لسياسات التقشف أو النكد الدولى وسيتعاظم انتاجنا وتكبر دخولنا ونستغنى عن دولة بابا وماما.. حياتنا ستصبح أفضل.

Advertisements
الجريدة الرسمية