رئيس التحرير
عصام كامل

تراجر: "الفشل" أطاح بـ"مرسي" من حكم مصر.. الإعلان الدستوري والدستور نقطتا تحول المعزول بعيدًا عن الشعب.. الشعب لم يخف ميليشيات الإخوان ونزل بالملايين للميادين

إريك تراجر- زميل
"إريك تراجر"- زميل "الجيل القادم" في معهد واشنطن

اعترف "إريك تراجر"، زميل "الجيل القادم" في معهد واشنطن، بأن ما حدث في مصر جاء نتيجة فشل مرسي وبأن الشعب المصري لم يكن يريده على سدة الحكم.

وأوضح أن كلمة "الفشل"، التي كان المحتجون يصيحون بها عند وصف "مرسي"، مهدت الظروف التي جعلت الدفاع عن رئاسته أمرًا متعذرًا ودفعت مصر في النهاية إلى حافة الهاوية.
 
وفي شهادته على ما حدث في مصر كتب "تراجر" تحليله السياسي بعنوان "الشهادة على انقلاب في مصر"، فقال: "في نهاية الشارع الطويل المؤدي إلى قصر الرئاسة المصري في شمال القاهرة، انضم ملازم شرطة يرتدي الزي الرسمي إلى العديد من آلاف المحتجين بعد ظهر يوم الأربعاء- 3 يوليو- للمطالبة بالإطاحة بالرئيس محمد مرسي.

وأضاف: "كان مشهدًا غريبًا، بعد أن تحولت قوات الشرطة المتعسفة سيئة السمعة في مصر، من بين الأهداف الرئيسية لانتفاضة 2011 التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك ليقف رجالها بعد عامين في زيهم الرسمي بجوار العديد من المحتجين ذاتهم ممن كانوا في يوم ما هدفًا لغاز الشرطة المسيل للدموع".

وذكر تراجر ما قاله له ملازم الشرطة: "هذه أفضل ثورة تحدث في تاريخ بلادنا كلها، جمعت كل أطياف الشعب سوية، الشرطة والجيش وجميع أبناء الشعب المصري والقضاة"، فسألته: ولكن إذا لم يكن يتنحى الرئيس مرسي.. هل تغادر الشوارع وتواصل الانصياع لأوامره؟ فرد الشرطي قائلًا: "إذا لم يكن يتنحى، فنحن مازلنا مع الشعب".

إن مشاركة الشرطة الجريئة في الانتفاضة الجماهيرية التي حفزت الإطاحة بمرسي من السلطة بعدها بساعات فقط، تعكس الطبيعة غير الديمقراطية على الإطلاق للمستجدات السياسية هذا الأسبوع في مصر، ويظهر تمرد ضباط الشرطة أيضًا السبب الحقيقي الذي جعل انهيار حكومة مرسي أمرًا حتميًا: "لم يمارس مرسي عمليًا أي سيطرة حقيقية على مؤسسات الدولة، ولا سيما الجيش والشرطة، وكان على نحو متزايد مجرد رئيس في الاسم فقط".

وجاءت نقطة التحول في رئاسة مرسي في 22 نوفمبر، عندما منح نفسه صلاحيات تنفيذية مطلقة من خلال إعلان دستوري، وقيامه بعد أسابيع من ذلك بتمرير دستور، وعندما اندلعت احتجاجات جماهيرية ردًا على ذلك، أرسل مرسي وزملاؤه من «الإخوان» كوادر «الجماعة» لمهاجمة المحتجين، الأمر الذي أدى إلى مقتل 7 أشخاص.

وذكر "تراجر" أنه في "ميدان التحرير" قالت له ماجدة يعقوب، واحدة من بين المحتجين في أواخر الخمسين من عمرها: "كان الدستور النقطة الفاصلة"، ووافقتها الرأي امرأة كانت جالسة على كرسي من البلاستيك بجوارها، وأضافت "كان ذلك هو اليوم الذي قررنا فيه أنه لم يعد بوسعنا تحمل الموقف"، وهذا موقف منتشر على نطاق واسع فخلال الأشهر التالية، كانت الاحتجاجات الضخمة، والعنيفة في كثير من الأحيان متكررة كما كانت واسعة النطاق، وبحلول يناير 2013، أرغمت الاضطرابات المتصاعدة الجيش على فرض السيطرة على مدن قناة السويس.

وعن الإخوان قال تراجر" أما جماعة «الإخوان» فتحدّث نفسها برواية مختلفة تمامًا، وخيالية إلى حد كبير، إذ ترى «الجماعة» أن مرسي ورث وضعًا يكاد يكون مستحيلًا لدى توليه السلطة، وتآمر ضده ائتلاف واسع من القوى سيئة السمعة لضمان فشله".

وصباح يوم الأربعاء، قال لي مسئول العلاقات الخارجية في الحزب السياسي لجماعة «الإخوان» محمد سودان، "بعضهم أناس لا يفهمون ما يجري. وهناك الإعلام كذلك... بعضهم يكرهون المسلمين، وبعضهم مسيحيون يخشون من سلطة المسلمين، أو كون المسلمين في السلطة، وبعضهم - الأغلبية - هم من النظام السابق".

وقال تراجر: "قد دأب أعضاء «الإخوان المسلمين» بشكل روتيني خلال الأسابيع الأخيرة على إخباري بأنه رغم الوقوف في طوابير الغاز لساعات طويلة وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر يوميًا وارتفاع أسعار الغذاء، فإن مرسي كان في الواقع رئيسًا ناجحًا".

وأخبرني عضو في جماعة «الإخوان» قبل بضعة أسابيع بينما كنا نحتسي الشاي في مكاتب «الجماعة» في أحد الأحياء الهادئة في القاهرة "تحسنت المعيشة لمعظم الناس، فقد أصبح الفقراء يكسبون الكثير من المال، كما أن الطبقة الوسطى هي الأخرى أفضل حالًا بكثير، وأن المشكلة تكمن في أن بعض الأثرياء لا يكسبون القدر الكافي من المال مثلما اعتادوا من قبل، وهم يمولون الحملة ضد الرئيس".

وزاد إيمان «الإخوان» يوم الأحد- 30 يونيو- أن مرسي هو ضحية معارضيه، عندما تدفق ملايين المصريين إلى الشوارع للمطالبة بعزله، وردًا على الوضع، نظمت «الجماعة» معسكرًا احتجاجيًا خاصًا بها خارج مسجد "رابعة العدوية" في شمال القاهرة، وتم نقل أعضاء «الإخوان» بالحافلات من جميع أنحاء البلاد لتعزيز أعدادهم، وعندما رفضت الشرطة حماية مقار «الإخوان»، التي تعرضت لاحقًا للنهب والحرق، بدأت «الجماعة» تنظيم كوادرها في شكل وحدات حراسة متنقلة وزودتهم بالخوذ والهراوات.

وأضاف تراجر في شهادته: "أخبرني أحد أعضاء «الجماعة» عماد مصطفى من الفيوم، وهي مدينة جنوب غرب القاهرة قائلًا: "سوف نظل ثابتين إلى حين امتلاك مرسي السلطة الكاملة أو نلقى حتفنا".

لكن بعيدًا عن استعراض القوة، عزز رد «الجماعة» على الاحتجاجات المناهضة لمرسي من العجز الكامل لـ «الإخوان»، فرغم ما تشتهر به «الجماعة» من سمعة في القدرة على حشد أعداد غفيرة من المناصرين، فإن «الإخوان» لم يتمكنوا سوى من شغل ميدان عام واحد، وفي غضون ذلك، اجتاحت آلاف لا تحصى ولا تعد من الناس ميدانين في القاهرة وحدها، وعشرات الميادين الأخرى في المدن والبلدات في جميع أنحاء مصر.

كما أن كتائب الهواة التابعة لـ «الجماعة»، والتي يصفونها بأنها ميليشيات تهديدية، لم تكد تبث الرعب في قلوب المعارضين، وقد حمل بعض منهم- المقاتلون- فروع الأشجار بدلًا من الهراوات، ففي أحد التشكيلات التي رأيتها خارج مسجد "رابعة العدوية"، كانت المجموعة بقيادة عضو من «الإخوان» لا يكاد طوله يتجاوز 4 أقدام.

وذكر تراجر: "وفي الاحتجاجات المناهضة لمرسي طوال يوم الأربعاء، كان المناخ مبهجًا، وأخبرني أحد المحتجين يدعى عادل مايكل بعد الظهر في «ميدان التحرير»، وسط أجواء احتفالية شملت ضرب الطبول والنفخ في الأبواق وتناول الكثير من الفشار قائلًا، "سوف ننهي اللعبة، سوف يكون اليوم هو الأخير".

وعندما أعلن وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي عن الإطاحة بمرسي في ذلك المساء، ملأ الناس في "ميدان التحرير" الدنيا صخبًا واحتفالًا، فقد تعانق الرجال في الفندق الذي شاهدت فيه الإعلان، ومع استبعاد أول رئيس إخواني لمصر من المشهد، همس رجل في منتصف العمل لنفسه قائلًا "الله أكبر".

وقبل عام واحد فقط، شاهدت احتفالًا مختلفًا تمامًا في "ميدان التحرير"- احتفالًا شهد صيحات "الله أكبر" كانت أكثر شغفًا وقوة- عندما أُعلن فوز مرسي بالانتخابات الرئاسية في مصر عام 2012، فقد سعت الحشود التي اكتظ بها الميدان في ذلك اليوم، إلى تطبيق مشروع ثيوقراطي لا تخطئه العين، وحقيقة أن السيد مرسي لم يحقق سوى تقدمًا يسيرًا في تطبيق الشريعة ربما يكون الإخفاق الأجدر بالملاحظة خلال فترة ولايته.

وقال تراجر: "إن كلمة "الفشل" -التي كان المحتجون يوم الأربعاء يصيحون بها عند وصف مرسي- مهدت الظروف التي جعلت الدفاع عن رئاسته أمرًا متعذرًا ودفعت مصر في النهاية إلى حافة الهاوية، وفي ضوء نطاق المشكلات التي تواجهها مصر، فإن مصير الديمقراطية لم يكن يشغل مساحة كبيرة في عقول المحتجين الذين ساعدوا على إسقاط رئيس.
الجريدة الرسمية