رئيس التحرير
عصام كامل

مصر الثورة بين الواقع والآمال

18 حجم الخط

كانت الأسباب الحقيقية لثورة الشعب المصرى العام 2011 هى شعور الناس بأنهم فى واد والدولة فى واد آخر، فقد فعل النظام المصرى السابق أفعالاً لم يرضَ عنها المصريون، يأتى فى مقدمتها تسليم مفاتيح مصر للقوى الغربية، وثانيا: إهمال موضوع التنمية وازدياد نسب الفقر والبطالة والأمية بين عموم الشعب، ثالثا: التحالف مع "إسرائيل" على حساب الكرامة العربية وعدم الالتفات إلى اتجاهات المصريين فى هذا الخصوص، رابعا: تحويل الدولة إلى مزرعة والسعى إلى توريث الحكم.

وكانت إرهاصات الثورة قد بدأت مع الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية" التى تأسست العام 2004 ورفعت شعار "لا للتوريث"، وكانت هذه الحركة عبارة عن تجمع فضفاض من مختلف القوى السياسية المصرية تهدف إلى تأسيس شرعية جديدة فى مصر، بعد تنحية نظام حسنى مبارك عن السلطة، وعندما حدثت الثورة فى 25 يناير وأسقط نظام مبارك، كان المصريون يحلمون بالغد المملوء بالرفاء والرخاء، وجاء الإخوان المسلمون إلى الحكم وهم محاطون بشعارات كثيرة عن التنمية الاقتصادية، وراجت الأخبار عن المشاريع الاقتصادية العملاقة التى سيبدأ "الإخوان" فى تنفيذها والتى ستغير وجه مصر، وطلب الرئيس محمد مرسى من الشعب المصرى إمهاله 100 يوم فقط كى يصنع المعجزة، ومضت هذه المهلة وانقضى عام كامل من دون أن يتحقق أى شيء.

وأثبت "الإخوان" أنهم عاجزون عن حكم مصر لأسباب متعددة أهمها، أنهم يريدون أن يحكموا بعقلية طائفية إقصائية، فهم مثلا تعاملوا مع المسيحيين المصريين كمواطنين من الدرجة الثانية، كما عملوا على تطبيق رؤاهم المتطرفة على أرض الواقع، فقام الرئيس مرسى بإلغاء مادة الفلسفة من المناهج فى المدارس والجامعات بحجة أنها كفر، وهكذا تم فصل 150 ألف مدرس من وظائفهم دون وجه حق، كما تبنوا خططا لتغيير المعالم الحضارية لمصر، فظهرت دعوات إخوانية تطالب بتحطيم الأهرامات بدعوى أنها أوثان، وتم التضييق على قطاع السياحة حتى أعلن وزير السياحة أنه "لا سياحة فى مصر فى ظل هذا الحكم الحالى"، وكذلك رفض الإخوان قطع العلاقات مع "إسرائيل"، وهو أمر يسعى المصريون إلى تحقيقه، بحجة الخوف من غضب الغرب عليهم.

وفوق كل ذلك زادت نسب البطالة وتراجع الاقتصاد بشكل مخيف وتبخرت الأحاديث عن المشاريع العملاقة وحلّت محلها مساعٍ للاقتراض من صندوق النقد الدولى لسد النقص فى السيولة فى المصرف المركزى المصرى، وبعد أن تبدّدت الأوهام وبانت الحقائق، انتفض الشعب المصرى من جديد، ما دفع الجيش إلى حسم الأمر لمصلحة الشعب من خلال وضع حدٍ نهائى للإخوان على رأس هرم الدولة، فقد جاء بيان القوات المسلحة بتاريخ 3/ 7/ 2013 معلنا عن "خريطة طريق" تتضمن خطوات أولية تحقق بناء مجتمع مصرى قوى ومتماسك لا يُقصى أحدا من أبنائه وتياراته وينهى حالة الصراع والانقسام، وتشمل هذه الخريطة، تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، ويؤدى رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الانتقالية حتى انتخاب رئيس جديد، وتشكيل لجنة تضم الأطياف والخبرات كافة لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذى تم تعطيله مؤخرا، وإقرار مشروع قانون انتخابات نيابية جديد.

لا شك فى أن إقصاء "الإخوان" هو خطوة أولى فى سبيل النهوض بمصر، لأن بقاءهم يعنى السقوط الأبدى لها، فلا يمكن لهذه الجماعة التى تريد إقامة "مجتمع المؤمنين" أن تخطف إرادة السكان وتفرض عليهم بالقوة رؤاها وأفكارها، وهى إذا كانت جادة فى مساعيها، فعليها البحث عن كوكب آخر لتطبيق أحلامها، لكن ليس هنا حيث الكهرباء والإنترنت والأقمار الفضائية وإبداعات العلم.

إن مصر ليست بحاجة إلى جماعة تقودها إلى الإيمان، بل إلى سياسة تؤمّن لها العيش الكريم وتبعد عن 90 مليون عربى فيها شبح المجاعة.

ليحفظ الله مصر كى تبقى شعلة الفكر والعلم فى عالمنا العربى، وليجنبها منطق التطرف والانحراف عن الجادة، إن مصر خلاقة ومبدعة، ولن تكون إلا دولة رائدة فى أمتنا العربية.
نقلا عن دار الخليج
الجريدة الرسمية