رئيس التحرير
عصام كامل

الإفتاء: الأصل في الشريعة الزواج بواحدة ويباح الزواج بأخرى عند الحاجة

دار الإفتاء
دار الإفتاء

أكدت دار الإفتاء أن الأصل في الشريعة الإسلامية الزواج بواحدة وليس التعدد، وإنَّما أُبيح للرجل الزواج مرة أخرى على خلاف الأصل عند الحاجة.

وأضافت الدار عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “ فيس بوك” أنه من المعلوم أن الإسلام لم يأت بتعدد الزوجات، بل جاء بالحدَّ منه؛ حيث كان شائعًا في الجاهلية تزوج الرجل بما شاء من النساء دون تقيُّد بعدد معين، ومن المعلوم أنه لم يرد في القرآن، أو السنة ما يدل على أنه يجب على من تزوج واحدة أن يتزوج بأخرى.

وأوضحت الدار أنه إنَّما أُبيح للرجل الزواج مرة أخرى على خلاف الأصل عند الحاجة؛ لما فيه من المنافع، فتعدد الزوجات ليس مقصودًا لذاته؛ ولذلك نص الجمهور على استحباب الاقتصار على زوجة واحدة عند خوف الجور في الزيادة استنادًا؛ لقول الله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ [النساء: 3]، وكذلك في خصوص الزوجة التي أنجب الرجل منها الذرية؛ لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فالأصل في الشريعة الإسلامية الزواج بواحدة وليس التعدد.

تعدد الزوجات في الإسلام 

كما ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه: لماذا تعدد الزوجات في الإسلام فقط؟ وهل كان التعدد في غير الإسلام؟

وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي: تعدد الزوجات كان شائعًا بين العرب قبل الإسلام، وكذلك بين اليهود والفرس، والتاريخ يحدِّثنا عن الملوك والسلاطين بأنَّهم كانوا يبنون بيوتًا كبيرةً تسع أحيانًا أكثر من ألف شخص؛ لسكن نسائهم وجواريهم، وفي شريعة اليهود وفي قوانينهم -حتى الآن- يبيحون تعدد الزوجات، ولا يجرؤ أحد أن يهاجمهم في عقيدتهم ودينهم وشرعهم.


فمن باب تصحيح المفاهيم وإرساء الحقائق يجب علينا أن نعلم أن الإسلام جاء بالحد من تعدد الزوجات، ولم يأت بتعدد الزوجات كما يظن الآخرون؛ فعن سالم، عن أبيه، أن غيلان بن سلمة الثقفي رضي الله عنه أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» أخرجه أحمد في "مسنده"، وابن ماجه في "سننه"، فالحديث أمر بالحد من عدد الزوجات لمن كان يزيد على أربع، وفي المقابل لم يرِد ما يدل على أنه يجب على من تزوج واحدة أن يتزوج أخرى؛ وذلك لأن تعدد الزوجات ليس مقصودًا لذاته، وإنما يكون تزوج الرجل مرة أخرى لأسباب ومصالح عامة.

والغريب أن أمر تعدد النساء في حياة الرجل يجد قبولًا عند من يهاجمون الإسلام في تشريعه لإباحة تعدد الزوجات، حيث يقبلون بتعدد الخليلات والعشيقات، ويرفضون أن يعطوهن صفة الزوجة؛ إذن هم يرفضون التعدد في إطار النظام والدين والقانون، ويدْعون إلى تعدد في غير إطار، وهو التعدد الذي لا يكفل للمرأة أي حق، بل يستعبدها الرجل، ويقيم معها علاقة غير رسمية ويسلب زهرة حياتها، ثم يرمي بها خارج قلبه وحياته، وقد يتسبب لأسرته في أمراض جنسية خطيرة إلى جانب أطفال السفاح الذين لا يعترف بهم في أكثر الأحيان.


فزواج الرجل من امرأة أخرى حتى أربع نساء حكمه في الإسلام الإباحة إن كان قادرًا عليه، ولا يؤثر بالسلب والضرر البالغ على حياته الأخرى.

وأما تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النساء: 3]، فقد قال الإمام الطبري في تفسيره "جامع البيان في تأويل القرآن" (7/ 531): [اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك: فقال بعضهم: معنى ذلك: وإن خفتم، يا معشر أولياء اليتامى، أن لا تقسطوا في صداقهن فتعدلوا فيه، وتبلغوا بصداقهنَّ صدقات أمثالهنَّ، فلا تنكحوهن، ولكن انكحوا غيرَهن من الغرائب اللواتي أحلَّهن الله لكم وطيبهن، من واحدة إلى أربع، وإن خفتم أن تجوروا إذا نكحتم من الغرائب أكثر من واحدة فلا تعدلوا، فانكحوا منهن واحدة، أو ما ملكت أيمانكم] اهـ.

وقال الإمام الطبري في "تفسيره" (7/ 534): [وقال آخرون: بل معنى ذلك النهي عن نكاح ما فوق الأربع، حِذارًا على أموال اليتامى أن يتلفها أولياؤهم، وذلك أن قريشًا كان الرجل منهم يتزوج العشر من النساء والأكثر والأقل، فإذا صار معدمًا مال على مال يتيمه الذي في حجره فأنفقه أو تزوج به، فنهوا عن ذلك، وقيل لهم: إن أنتم خفتم على أموال أيتامكم أن تنفقوها فلا تعدلوا فيها، من أجل حاجتكم إليها لما يلزمكم من مُؤن نسائكم فلا تجاوزوا فيما تنكحون من عدد النساء على أربعٍ، وإن خفتم أيضًا من الأربع أن لا تعدلوا في أموالهم، فاقتصروا على الواحدة، أو على ما ملكت أيمانكم] اهـ.

حكم تعدد الزوجات

فمما سبق يتبين أن الإسلام جاء ليحد من تعدد الزوجات بالطريقة التي كانت سائدة في هذا العصر عند العرب والفرس والروم، وأن الإسلام لم يوجب على المسلم الزواج من أربع، بل جعل ذلك على الإباحة، وهذا لا شك أفضل من تعدد العشيقات والخليلات، والذي ينتج منه أولاد الزنا، ويؤثر ذلك على المجتمعات بالأمراض الأخلاقية بل والجسدية.

 

الجريدة الرسمية