رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

كلاهما يدعو للتطرف!

الجدل القديم المستمر حول التطرف العلماني في مواجهة التطرف الديني يتأجج كل فترة بين عدة أطراف بينهما قدر كبير من التربص، وأزعم ليس بسبب الحقيقة ولكن لأسباب أخري بعيدة عن الحقيقة، ولاشك أن التطرف مذموم ومنبوذ مهما كان شكله ومسماه، وإذا كان هناك بعض من مظاهر التطرف الديني أو التعسف في فهم الدين وتطبيقه فعلاج ذلك لا يكون بتطرف مضاد، فالتطرف لا يواجه بالتطرف؛ لأن المتطرفين مصابون بالداء ذاته وهم عاجزون عن علاج ذواتهم وإصلاح أنفسهم، فكيف يعالجون أمثالهم ويصلحون نظراءهم؟! 

 

فاقد الشيء لا يعطيه ولا ينبغي بحال ولا يجوز أبدًا أن يكون التطرف الديني مبررًا لمهاجمة الدين ذاته، أو يكون العنف الذي يَتخذ من الدين ستارًا له مسوغًا للبعض للمس بقدسية الدين أو الإساءة إلى المتدينين -لأنهم متدينون- أو الإنتقاص من حقوقهم المادية والمعنوية فهناك تطرف علماني جامح لا يكتفي بالدعوة إلى فصل الدين عن الدولة، واعتبار التدين حالة فردية لا شأن للمجتمع بها ولا علاقة لها في إدارة الدولة وتسيير شؤونها..

 

 

وإنما يسعى لإقصاء الدين وإبعاده كليًا عن حياة الناس، ويعمل على تسخيفه والتقليل من شأنه، ولا يتورع عن مهاجمته والتشهير به وإظهار الكره والبغض له ولمقتضياته. بينما لا يجرؤ واحد منهم على نقد الهولوكست إحتراما لليهود، لأن القوانين الدولية تجرم ذلك، بينما تترك الإسلام والمسيحية مرتعا لهؤلاء من ذوي الخفة وضعف المعرفة، الذين يعيدون أقوالهم ويكررونها في ثرثرات لا تنقطع بعد تبخر الماركسية في الهواء على يد الرفيق "جورباتشيف"..

 

 العلمانية والليبرالية

 

وهذا التطرف فضلًا عن كونه غريبًا على مجتمعنا  المتدين بفطرته ومعتدل في سلوكه، هو مناقض لحقيقة العلمانية وجوهرها، التي تقف من الدين موقفًا حياديًا لا ترى فيه عدوًا ولا صديقًا، ولا تتدخل في اختيارات الأفراد الشخصية، ولا علاقة لها بأراء الناس ومعتقداتهم، ولا شأن لها بأساليب تفكيرهم وطرائق ممارسة طقوسهم الدينية، ما دامت لا تعتدي على حقوقِ الآخرين ولا تمس الأمنَ الاجتماعي ولا تخل بالنظام العام.

 

والأمر المؤكد ان التطرف باسم الإله يساوى التطرف باسم الإنسان أو بإسم العلم أو بإسم الحداثة أو غيرها من أفكار تقدمية، فكلاهما لا يكتفى فقط بعدم الإعتراف بالآخر أو حتى بالتخلص منه، ولكنه يدعى إمتلاك الحقيقة المطلقة التى تبرر له الإستئثار بكل شئ فيتحول كلاهما إلى ظل السماء فى الأرض الحاكم الناهى بأمره لتنتفى معهما أى معارضة أو مشاركة أو رقابة أو شفافية..

 

صحيح إن أقصى ما يقوم به المتطرف العلماني هو أن يمارس عنفا معنويا أو لفظيا. وهذا ليس تبريرا ولا شرعنة لهذا العنف المعنوي أو اللفظي، فكل أشكال العنف والتطرف مرفوضة. ولكن الصحيح أيضا أن العلمانية والليبرالية والعيش المشترك لا تعني أن نكون جميعنا متشابهين، نؤمن بالأفكار نفسها، نعيش بالنمط نفسه ونلبس الأزياء نفسها. العلمانية والليبرالية هما أن نكون مختلفين والقانون والدولة تحمي اختلافنا.

 

وكانت العلمانية قد وفدت مع مفردات منظومة الحداثة الغربية إلى الثقافة العربية إثر الاحتكاك المباشر مع الغرب، وأثار مفكرو النهضة الاوائل معارك فكرية ذات مضامين سياسية وثقافية، إبان محاولتهم الإجابة على السؤال الكبير، والذي ما يزال معلقًا ومطروحًا: لماذا تقدم الغرب وتخلف العرب والمسلمون، وبسبب المعارك الفكرية والأيديولوجية التي خاضتها ونجمت عنها أصبحت العلمانية  شبيهة بالأيديولوجيات التي وعدت البشر بالتحرّر منها، إذ سرعان ما أصبحت دينًا جديدًا، أي عقيدة متماسكة وصلبة ومغلقة ولها كهنتها وتنظيماتها ومنابرها وإعلامها وأشياء أخرى.

Advertisements
الجريدة الرسمية