رئيس التحرير
عصام كامل

تاريخ التضامن الأفروآسيوي ( 4 )

ماذا نعرف عن تاريخ الكفاح من أجل التحرر من الاستعمار في أفريقيا وآسيا؟!  ما نعرفه ليس كثيرًا، بل قليل جدًّا.. وواجبنا أن نثري الأذهان، خصوصا الشباب، بالكثير عن هذا التاريخ الذي لعبت فيه مصر دورًا كبيرًا ورائعًا.. علينا أن نفخر به. وهذه المرة نقتبس من مذكرات حلمي شعراوي، المفكر الكبير، أطال الله في عمره..    

 

كانت القاهرة فيما بعد العدوان الثلاثي تعيش حالة انتصار حققت خلالها اقترابًا نافعًا من الاتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشرقية أو الاشتراكية كما شاع وقتها من أسماء، وسط عالم تسعى فيه الولايات المتحدة لتعويض خسارة الغرب لمصر.

 

 

 وفي جو انتصارات عبد الناصر هذه، بدأت بعض مظاهر التحرش (مؤامرات الغرب لإسقاط عبد الناصر)، ومن ثم نستطيع أن نتصور إدراك عبد الناصر للمكائد المتوقعة إزاء ما يبدو من إفساده خطة الغرب في هذا الشرق الأوسط.

 

 لذلك بدا أن التحرك ضروري في عالم "باندونج" الذي تعرف فيه الزعيم على معنى الدول المنحازة وغير المنحازة، ورحب بتحرك الزعيم نهرو بنفس الاحساس ربما تحفظًا على النفوذ الصيني – الروسي من جهة، ورغبة في بناء كتلة غير منحازة عمومًا من جهة أخرى. وكان اتصاله مع عبد الناصر وراء انعقاد مؤتمر تضامن الشعوب الأسيوية الإفريقية في ديسمبر 1957. 

حضور أفريقى واسع

 

وأدى انعقاد هذا المؤتمر في رحاب جامعة القاهرة، إلى موجة عالية جدًّا من الشعور بمعنى قوى التحرر الوطني، وبدا أن عبد الناصر يحاصر الخطط الغربية كلها بالحضور الإفريقي الواسع عقب هذا المؤتمر، حيث كانت العلاقة بالآسيويين مألوفة، كما كانت العلاقات المصرية السوفيتية في تطور ملفت مرتبطة بالطموحات الاجتماعية الداخلية.

 

 الإشارة الخاصة هنا إلى مؤتمر الشعوب الإفريقية الآسيوية، هي عن نتائج المؤتمر في تجربتي الخاصة؛ إذ أصبح مقر الرابطة الإفريقية يضم العديد من الشخصيات الإفريقية، التي اتفقت مع القيادة المصرية على بقاء تمثيلها في القاهرة. 

 

كنت سعيدًا بمقابلة زعماء كبار في بلدانهم. وأتاحت لي معرفتي المتواضعة بالانجليزية للحديث إليهم، حتى من يتحدثون بالفرنسية ويتعاملون بانجليزية متواضعة أيضًا، مثل: فيلكس مومي، زعيم الكفاح المسلح في الكاميرون، وقائد حزب شعب الكاميرون (Union of the Peoples of Cameroon، UPC)، أو أجناسيوس موسازي زعيم المؤتمر الوطني الأوغندي (Uganda National Congress Party، UPC)، أو جوشوا نكومو زعيم روديسيا الجنوبية، وحزب الزابو هناك (Zimbabwe African People's Union ZAPU)، فضلًا عن قيادات كينيا وجنوب إفريقيا. وفي تلك الفترة أخذت تحضر وفود شعبية بعضها لمسلمي بلاد مثل نيجيريا وحتى قيادات مسلمي الأشانثي في غانا.

 

وثمة وقائع أو مقابلات تبقى آثارها في الذهن طويلًا.. ففي ربيع 1958 هذا، تم تشكيل سكرتارية تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية الدائمة بالقاهرة. وأمر الرئيس عبد الناصر بتوفير مقر مناسب لها يليق بدور مصر في هذه الحركة. لا يزال هذا المقر موجودًا في شارع عبد العزيز آل سعود بالمنيل.

إنتشار حركات التحرر

 

وكان قد تم اختيار يوسف السباعي أمينًا عامًّا للمنظمة، بعد اختيار أنور السادات رئيسًا للمؤتمر، ومن ثم استمرت رئاسته للمنظمة، واختارت العلاقات العامة مقرًّا في المنيل على النيل، أنيقًا ولائقًا بحضور ممثلي الهند والصين وجنوب إفريقيا وغيرهم أعضاء سكرتارية مؤتمر الشعوب الأفرو آسيوية الدائمين.

 

وهناك كان يقبع يوسف السباعي، أمينًا عامًّا للمنظمة كما كان كذلك لعدة هيئات أدبية وثقافية في مصر، فضلا عن أنه كان أديبًا رومانسيًّا لامعًا! كان المقر شهيرًا بحسناوات سكرتارية السباعي، وطرائف مرسي سعد الدين، والدؤوب إدوارد الخراط الذي كان يحمل أعباء السكرتارية العامة ومؤتمراتها على كتف صلب بحق. ولم أكتشف أنه يكتب القصص الجيدة إلا بعد بضع سنوات، لأنه كان لا يظهر إلا وجهه البيروقراطي.

 

كان من التقليد سياسيًّا أن ترشح حركة التحرير (الأفريقية) المعتمدة في مصر، مقيمًا رئيسيًّا في الرابطة الإفريقية، وتمثيلًا –قد يكون نفس الشخص أو مساعده– في مقر سكرتارية التضامن الإفريقي الآسيوي. 

 

كان عام 1958 مفعمًا بالنشاط في كل اتجاه، لصلة ذلك بمكانة الزعيم عبد الناصر. بدأ زعماء آسيا وإفريقيا يتوافدون على البلاد، والشواغل ممتدة من السودان إلى الصومال، إلى حماية لبنان وبقائها واجهة لنفوذ القومية العربية المتمترسة في دمشق، وانقلابات البعث والشيوعيين في العراق، والتوتر بين الهند والصين. وكان وصول بعض القيادات الإفريقية، ونتائج زيارتهم، ذا معنى خاص مباشر لمصر، بالإضافة لمعنى وجود حركات التحرير في مجمله. 

 

ثم كان استشهاد كمال الدين صلاح بالصومال بالطبع مؤثرًا دائمًا، يحكي عنه معي "الحاج محمد حسين" رئيس حزب "الليجا" أي الرابطة الصومالية، وكيف أنه كان شخصا يناضل مع أبناء "الأوجادين" لتحريرهم من وطأة النظام الإثيوبي من جهة، ومع أبناء الصومالات الخمس (وفق العلم ذي النجمة الخماسية) من جهة أخرى، إشارة للتقسيمات الاستعمارية للصومال (البريطاني – الإيطالي – البريطاني – الأثيوبي – الكيني).. خاصة أن الحاج محمد حسين كان من القادة الصوماليين البارزين من مناطق الصومال الحبشي (الأوجادين)، بل ومن قبائل الداروط المسيطرين على جانبي الحدود. 

 

ومن هنا كانت زعامته في جنوب الصومال (الايطالي)، وأنه يعاني من زعامات في الصومال الايطالي تحديدًا تتعاون مع الاستعمار، لكن الوضع كان أفضل مع الوطنيين في هرجيسا (الشمالي) وفي جيبوتي (مع محمود حربي).

الجريدة الرسمية