رئيس التحرير
عصام كامل

وكأنهم أدوا مناسك الحج وأكثر!

وفي مناسبة الحج يتجدد سؤالنا في كل عام قبل كورونا وبعدها التي فرضت على المملكة السعودية تخفيض الحج إلى أعداد قليلة لا تتجاوز 60 ألف هذا العام من المقيمين بها: أيهما أفيد للأمة والمجتمع، تكرار الحج والعمرة سنوياً أم إعانة الفقراء والمحتاجين والمرضى وإصلاح العشوائيات والتعليم والصحة.. وإلام يستند من يكررون الحج والعمرة حتى اطمأنت نفوسهم وظنوا أن مثل هذا التكرار يمحو ذنوبهم ويغسلهم من خطاياهم التي يصر البعض على ارتكابها طول العام؟!


وإذا كان الحج فريضة تجب على المسلم المكلَّف مرة واحدة في العمر إذا ما توفر له شرطان هما الاستطاعة المالية والبدنية بنص القرآن: " وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ".. فلماذا يصر البعض على التكرار وكأنه في سباق محموم  والأعجب هو الحرص على إظهار ذلك تباهيا به وافتخاراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثلا.. وحرص البعض على اقتناص لقب "حاج" رغم أن الحج ركن كالصلاة والزكاة فهل سمعنا من قبل أحداً ينادى شخصاً أدى الصلاة مثلا بقوله يا مُصلِّى أو يا مزكِّى؟!

وكيف يرتاح ضمير من يفعل ذلك وحوله من يعاني فقراً وشظفاً في العيش قد يذيقه آلام الجوع أو مرضاً قد يحرمه من طيب الحياة.. وماذا يفعل آلاف الطلاب الذين لا يجدون أماكن آدمية في مدارسهم المكتظة.. ألا يعي من يكررون الحج والعمرة بغير ضرورة شرعية أن خير الناس أنفعهم للناس.. أليس الإنفاق على المحتاجين أولى وأفضل عند الله.. فما جاع فقير إلا ببخل غني.. أليس ثواب من ينفقون أموالهم في علاج مرضى أو بناء مستشفى أو ملجأ للأيتام أعظم قربات عند الله وأكثر نفعاً للناس؟!

فتوى دار الإفتاء
لماذا يفرض هؤلاء على أنفسهم بتكرارهم للحج والعمرة ما لم يفترضه الله عليهم.. ألم يسكت المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما سأله سائل عن تكرار الحج والعمرة  ثلاثاً بقوله: أفي كل عام يا رسول الله.. ثم ردّ عليه رسول الله: "لو قلت نعم لوجبت".. فمن أين أوجبها هؤلاء على أنفسهم.. ثم أين علماؤنا وفقهاؤنا من ذلك الفهم المغلوط لديننا.. لماذا لا يخرجون ناصحين للناس، وتلك مهمتهم، ليقولوا إن شرع الله يتحقق أينما تحققت مصلحة الناس.. وإن الله سائلهم على أموالهم من أين اكتسبوها.. وفيمَ أنفقوها؟!

دار الإفتاء قالت صراحة إن من كانوا ينوون الحج والعمرة هذا العام وحالت كورونا بينهم وبين ما يريدون ثم تصدقوا بأموالهم فكأنهم أدوا مناسك الحج والعمرة وزيادة.. ثم إن قرار السعودية بشأن الحج هذا العام يتفق أيضاً مع مقاصد الشرع بالحفاظ على النفس البشرية من الإصابة بكورونا الذي ينتقل بصورة متزايدة وسريعة وسط الأعداد الكبيرة كتجمعات الحجيج أثناء أداء مناسكهم  في الأماكن المقدسة.
الجريدة الرسمية