رئيس التحرير
عصام كامل

مقاتل الكهوف.. «دبرصيون» ثعلب اصطاد آبي أحمد في فخ التيجراي

دبرصيون وآبي أحمد
دبرصيون وآبي أحمد
وقف رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد علي، معلنا الحرب على إقليم تيجراي، مرتديا ثوب الانتصار في المعركة قبل بدايتها، دخل جنوده وسط دعم حكومي مسنودة بميلشيات موالية ومقاتلين من إريتريا، وفي نهاية المطاف لحقت بجنوده خسارة مهينة على يد جبهة تحرير التيجراي.


واليوم اعترف آبي أحمد، بخسارته المعركة وبرر ذلك بقوله: إن الجيش انسحب من ميكلي عاصمة إقليم تيجراي؛ لأنها لم تعد محورا للصراعات، بعدما قال مسؤول بالحكومة إن بمقدور القوات العودة إلى المدينة في غضون أسابيع إذا لزم الأمر.



وعلى مدى الأشهر الماضية، خلف القتال في تيجراي آلاف القتلى، ونزوح أكثر من مليوني شخص، بعد دخول القوات الإثيوبية إلى الإقليم، ما أدى لسوء الأوضاع، ومواجهة 350 ألف شخص شبح المجاعة.

وشن آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا عملية عسكرية على الإقليم فى نوفمبر الماضي، ردًا على رفض الجبهة الإصلاحات السياسية، وتقارير عن تحركات عسكرية، والاستيلاء على قواعد للجيش، ونجح خلال الشهر ذاته في الاستيلاء على عاصمة الإقليم.

وسط كل هذا الزخم من أصوات الرصاص، برز اسم "دبرصيون جبر ميكائيل" كأحد أبرز قادة المعارك التي اندلعت في إقليم تيجراي بشمال إثيوبيا حيث اشتهر بخطاباته التلفزيونية، وظهوره الإعلامي المتكرر متحدثا عن المستجدات الميدانية، ونجح الجنرال الداهية في التنكيل برئيس حكومة إثيوبيا وكشف عورته سياسيا وعسكريا داخليا وخارجيا.



وينتمي زعيم تيجراي إلى عائلة مسيحية أرثوذكسية، وقد أطلق عليه اسم دبرصيون، ويعني جبل صهيون، في حين أن اسمه الثاني هو اسم والده جبر ميكائيل، أي خادم القديس ميكائيل.

ولد دبرصيون جبر ميكائيل عام 1950 ببلدة "شيري" شمال إقليم تيجراي، وفي عام 1977 قطع دراسته الجامعية، وانضم لـ"جبهة تيجراي" التي كانت تحارب حينها نظام "منقستو" الماركسي، وعمل حينها فنى اتصالات لاسلكية، وأسس إذاعة الثورة "صوت وياني"، كما قاد فريقا من الفنيين للتشويش على أنظمة الاتصال العسكرية التابعة لحكومة منقستو.

وبعد سقوط حكومة منقستو عام 1991 استأنف دبرصيون دراسته في جامعة أديس أبابا حيث حصل منها على درجتي البكالوريوس والماجستير، كما حصل على الدكتوراه بالمراسلة من جامعة كابيلا عام 2011.

ولمهاراته المشهودة في ملاحقة المعلومات ورصدها وتحليلها وشخصيته الكتومة المنزوية؛ أُلحِق بالوحدة التقنية للثورة، فأسَّس وحدة للاستعلامات والتنصت والتشويش، وبثاً إذاعياً للدعاية الحربية، فأصبح بسرعة فائقة رجل المخابرات والإعلام الأول في الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي.

ولمدة طويلة كان وجها مألوفا في الحكومة الفدرالية، وشغل مناصب رفيعة عدة بينها نائب رئيس الاستخبارات بين 1995-2011، ووزير المعلومات والتكنولوجيا، ونائب رئيس الوزراء في الفترة بين 2013-2015 بوصفه مسؤولا عن ملف الاقتصاد، كما ترأس مجالس إدارات مؤسسات حكومية عدة من أبرزها شركة الكهرباء ومؤسسة سد النهضة.

وفي 2017 انتخب رئيسا لجبهة تحرير تيجراي ليصبح رابع رئيس لها منذ تأسيسها عام 1975.

انتخاب دبرصيون وقتها جاء بعد مخاض عسير وانقسام حاد داخل أعضاء اللجنة المركزية للجبهة "45 عضوا" على وقع الأزمة السياسية الخانقة التي شهدتها إثيوبيا عام 2017، المتمثلة في الاحتجاجات المستمرة من قبل عرقية الأورومو، وانضمت إليها فيما بعد العرقية الأمهرية.



وانتهت حينها اجتماعات نوفمبر 2017 باختيار دبرصيون رئيسا جديدا خلفا لآبي وولدو، مبينا أن مسوغات ترشيحه جاءت بحكم شهرته على مستوى المركز.

مثل انتخاب "دبرصيون" إحباطا للإصلاحيين داخل الجبهة الذين كانوا يطالبون بإخضاعها لتجديد عميق يتجاوب مع الأزمة التي كانت تعانيها البلاد، متهمين صقور المحافظين باستبعاد الشباب والمفكرين من صنع القرار.

وفي يناير 2018 استقال دبرصيون من منصبه بصفته وزيرا للعلوم والتكنولوجيا، وانتقل إلى مدينة ميكيلي عاصمة إقليم تيجراي حيث انتخب نائبا لحاكم الإقليم.

وبعد شهر فقط من تسلّمه منصبه الجديد حدثت في إثيوبيا هزة سياسية تمثلت في استقالة "هيلي ماريام ديسالين" في 15 فبراير 2018 من رئاسة الوزراء ومن منصب رئيس الحزب الحاكم "ائتلاف الجبهة الثورية لشعوب إثيوبيا"، وكانت "جبهة تيجراي " نافذة داخل هذا الحزب لأكثر من 3 عقود.

شغور منصب رئيس الوزراء عقب استقالة ديسالين، كان يترتب عليه ترشيح شخصية جديدة، مما مثل مفاجأة كبيرة لدبرصيون الذي لم يكن مستعدا لهذه الخطوة.

دبرصيون جبر ميكائيل، كان بحاجة إلى التقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوراق، بيد أن الأمور تطورت بسرعة، ففي 27 مارس 2018 انتخب الائتلاف الحاكم آبي أحمد رئيسا جديدا له، ثم وافق البرلمان على تعيينه رئيسا لوزراء إثيوبيا.

آبي أحمد شرع فور تعيينه في تنفيذ سلسلة إصلاحات ومراجعات عميقة لتغيير الصورة الذهنية للنظام السياسي، وهو ما مثل تحديا جديدا لدبرصيون حامل لواء التيجراي.

وبدأ التباين الرجلين إزاء قضية التطبيع بين إريتريا وإثيوبيا، إذ تعد إريتريا العدو اللدود للجبهة.

ورغم إعلان دبرصيون رسميا، في 28 يوليو 2018، دعمه للتطبيع بين البلدين فإنه تراجع لاحقا بحجة أنه تم استبعاد "جبهة تيجراي" من المشاركة في عملية صنع السلام مع إريتريا، واتهم لاحقا الرئيس الإريتري آسياس أفورقي  بالتدخل في الشؤون الإثيوبية.

وقد بدأت تصريحات دبرصيون تأخذ منحى أكثر حدة بعد نوفمبر 2019، أي بعد تأسيس آبي أحمد على، حزب الأزهار الذي قام على أنقاض "الائتلاف الحاكم" الذي تم شطبه رسميا من قائمة الأحزاب المسجلة، وهو ما أفقد "جبهة تيجراي" آخر ما تبقى لها من نفوذ داخل الحكومة الفدرالية.



وقتها قال دبرصيون: إن حزب الازدهار غير شرعي واصفا عملية شطب "الائتلاف الحاكم" بالخيانة.

ولاحقا بدأ إقليم تيجراي يتحول شيئا فشيئا إلى ما يشبه الكيان المستقل عن أديس أبابا، وهي إجراءات بلغت ذروتها بإعلان دبرصيون في سبتمبر 2020 إجراء حكومته للانتخابات رغم قرار الحكومة الفدرالية تأجيلها بسبب وباء كورونا.

وزاد من تأزم الموقف إعلان دبرصيون في أكتوبر الماضي إلغاء اعترافه بالحكومة الفدرالية باعتبار انتهاء ولايتها، وصرح بأنه لن يمتثل لأي توجيهات تصدر منها بعد ذلك.

ومنذ السادس من أكتوبر الماضي كانت التصريحات المتبادلة بين دبرصيون والحكومة الفدرالية تظهر أن المواجهة المسلحة باتت أمرا حتميا.



وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير هجوم قوات جبهة تيجراي على القيادة الشمالية للجيش، ليعلن آبي أحمد في الرابع من نوفمبر بدء عملية عسكرية ضد قوات الجبهة.

وفي السابع من الشهر ذاته صدق البرلمان الإثيوبي على حل حكومة دبرصيون وتشكيل حكومة مؤقتة عوضا عنها.



وبعدها بـ5 أيام قرر البرلمان رفع الحصانة البرلمانية عن دبرصيون وأعضاء آخرين في جبهة تيجراي، ليصدر لاحقا النائب العام أمرا باعتقال دبرصيون بتهمة التمرد على الحكومة ومهاجمة الجيش الفدرالي.

ووصف الرجل في حديث سابق لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، خصمه آبي أحمد بقوله: "أخبرته أنه غير ناضج سياسياً وغير مناسب لحكم البلد".
الجريدة الرسمية