رئيس التحرير
عصام كامل

أوتاد الخير

لا ندرك معنى وجود الصالحين الخيرين فى حياتنا إلا بعد تجرع مرارة فقدهم، حين ينهار الجدار والسند، ويطبق الصمت على الأفواه، وتغلف رهبة الموت العقول، وننتظر أدوارنا فى تلك الحياة العابرة، متمنين اللحاق بهم على خير.


فجعت مطلع الأسبوع الماضي بفقدان أحد الأعمدة الصلبة فى عائلتى، وأحد جذورها القوية، عما كريما صالحا، خدم وطنه بإخلاص وتفان حين كان ضابطا فى القوات المسلحة، ثم كرس حياته وأوقاته وهمم أفراد أسرته، بعد خروجه إلى السن القانونية، من أجل قضاء حاجات الآخرين فقط، متحاملا على نفسه وعلى مرضه الخطير، فى أصعب اللحظات وأشدها إيلاما .

 خدمة الفقراء
سخر العم الكريم، رحمه الله بإذنه تعالى، جُل جهده وصحته وماله فى خدمة الفقراء والأرامل واليتامى، يقوم على الاعتناء بهم وبشئونهم، يتلمس أحوالهم، يقنن ويرتب ما وضعه الناس فى يديه ابتغاء وجه الله، من أجل راحتهم.

فى زيارة له خلال شهر رمضان، وجدته منهمكا فى إعداد قائمة الطعام لبعض كبار السن، ممن لا يستطيعون خدمة أنفسهم، أو ليس لهم أبناء يقومون على شئونهم، يسأل معاونيه فى العمل الخيري عن أجود أصناف الطعام وأفخرها، ثم يرسل فى الشراء، ثم يوصيهم بتوزيعها على أهلنا المسنين والمرضى فى هدوء دون صخب.

قطع الحاج "أحمد" عهدا على نفسه، أن يكون العمل الخيري فى جمعية "من أجل بلدنا" التى كان مشاركا فى إدارتها، شاملا، مفيدا لكل من يحتاجه، وعنوانا وطريقا دائما لمحبة فعل الخير، بلا رياء أو تباه، أو تشدق بالأقوال.

إمام الخير 
يتواصل مع الأطباء من كل حدب وصوب لخدمة المحتاجين، يقوم بإعداد تكاليف الروشتات الطبية للفقراء من أجل شرائها ورفع العبء عن كواهلهم، إعداد وجبات الطعام، التكفل بنفقات الزواج لليتيمات، إقامة رحلات ترفيهية للأيتام، الانفاق على تعليمهم وشئونهم، رعاية المرأة المعيلة ومساندتها والوقوف إلى جوارها، ومساعدتها على العمل والتكسب.

اقتبس من منشور كتبه أحد أبناء البلدة، تلك الكلمات التي ربما تكون من أوجز التعبيرات التى سمعتها بصدق وإخلاص عن رجل أحب فعل الخير، فأحبه الله سبحانه وتعالى: "فقدنا إمام الخير، صاحب الابتسامة الجميلة والخلق الأمثل، الذي جاء إلي الدنيا ليُعطي لا ليأخُذ، الذي كان سيّد ماله ولم يكُن عَبدُه، الذي كان يحمل رائحة الخير".

حين يرحل أحد الصالحين عن دنيانا، تصطبغ الحياة بلون باهت قاتم، فنتخوف من فقدان قسمات الإنسانية، من انطفاء لذة مساعدة وإعانة المحتاج، نحاول أن نتلمس آثارهم، وقد رسموا لنا خطا واضحا لا اعوجاج فيه، بأن العمل الصالح، وفعل الخيرات، واكتساب محبة الناس، هو رصيد تلك الدنيا الفانية، وقد عبروها بسلام، آملين مبتغين لقاء الرحمن الرحيم، فى أحر الشوق واللهفة إلى هذا اللقاء، فسلام عليك أيها العم الكريم، سلام عليك فى عليين، سلام عليك حتى اللقاء يوم يبعثون.

الجريدة الرسمية